اخر الاخبار

101 سنة .. عمر أمضاه المعماري الكبير الراحل محمد مكية، في سلسلة انجازات قيّمة لم تزل شواهدها في العراق والخارج تسرد حكايا إبداع وتفرد. ومن منا لم يمر يوما بجامع الخلفاء في بغداد مثلا، لكن هل عرف الجميع أن منارته تعود إلى العصر الالخاني وأن قبته صممها مكية مستلهما المفردات المعمارية والزخرفية من ذلك العهد، ليضعها بتصميم جديد موظفا الخط العربي ومستعينا بخطوط الفنان هاشم البغدادي. رغم أن المنارة أخذت تميل الآن قليلا بفعل قدمها، ما دعا احدى الشركات العالمية القائمة على أعمار جامع النوري الموصلي إلى السعي لإعادة أعمارها أيضا.

طيب الذكر مكية .. احيت الجمعية العراقية لدعم الثقافة وذ                    نقابة المهندسين العراقيين قبل يومين الذكرى العاشرة لوفاته، بتقديم محاضرة شيقة للدكتور معتز عناد غزوان، بيّنت أن ما خلّد أعماله هو التزامه التراث والمرجعيات الثقافية الرافدينية، منفتحاً على المدارس الفنية الحديثة ومحافظاً على الهوية المحلية في الوقت نفسه.

رافق المحاضرة عرض توثيقي صوري، عكس دوره في تأسيس جمعية التشكيليين العراقيين وجعلها جزءا من منظومة جمالية منفتحة، ضمت حتى الفنانين ذوي  الاختصاصات الأخرى كالأطباء مثلا ..

وأشار المحاضر الى علاقة مكية مع مصمم جامعة بغداد، المعماري غروبيوس وحرصه على مباشرة تنفيذها عام 1957. كذلك الى تصميمه (مكية) متحف الموصل الآثاري، الذي تعرض لتخريب شديد من قبل عصابات داعش، ولكن أمكن إعادة إعماره بعد تكليف فريق من متحف اللوفر الفرنسي بذلك، وسيعاد افتتاحه قريبا.

من أعمال مكية الفخمة خارج العراق جامع الدولة الكبير في الكويت، وجامع السلطان قابوس في عُمان، اللذين استخدم فيهما مفردات من الفن الإسلامي في المحراب خصوصا، ومن التراث الخليجي في الأبواب الخشبية، ومن التراث العباسي في تصميم الأقواس، وغيرها. كذلك تصميمه لبوابة مدينة عيسى في البحرين، الذي مزج فيه السمات التراثية بالحداثة.

ولعل من أبرز أعماله التي أثارت عليه سخط السلطة الحاكمة في العراق آنذاك، تصميمه جامعة الكوفة بشكل كلمة "علي" مكتوبة بالخط الكوفي ومحاطة بسور، حيث اضطر إثرها الى مغادرة العراق، وصودر منزله في شارع الأميرات ببغداد.

وعُني مكية بالنشاطات الأدبية والنشر المعرفي، وقد اسس جمعية الكوثر الأدبية عام 1966، ثم ديوان الكوفة الثقافي في لندن بعد مغادرته العراق.

زار مكية العراق آخر مرة عام 2005 بعد غيبة طويلة، فأذهله مدى الخراب الذي حل بتصميمها الأساسي واختفاء سماتها البغدادية، وخاب أمله في تحقيق حلمه القديم باستحداث ممشى عريض تحيطه الأشجار بخضرتها، ويمتد من جامع الخلفاء حتى ضفاف دجلة..

تُرى لو حلّ اليوم في بغداد، فماذا كان سيقول ؟!

عرض مقالات: