اخر الاخبار

وأنا اسمع وأقرأ ما يدور حول استقطاع نسبة من رواتب الموظفين بحجة الضمان الصحي ، أخذتني سرحة فتذكرت حديث صديقي عن معاناتِهِ في المستشفى ساعةَ ولادة طفلته التي انتظرها ثماني سنوات. قال : إذا كانت كل ولادة عندنا بهذا الشكل،  فلا أريد أطفالاً إلى الأبد !! تعجبت من كلامه وقلت له : لماذا؟ .. البنون زينة الحياة فأجابني : ما رأيته  في المستشفى ليلة البارحة أصابني باليأس!! وأخذ يسرد حكايته :  يوم أمس بدأت علامات الولادة  على زوجتي ، فأخذتها إلى المستشفى التي تعمل فيها إحدى قريباتنا،  لتهتم بها وتيسر الولادة علما ان زوجتي لم تحمل منذ ثماني سنوات. ويا ليتني لم أذهب ، حيث بدأت عمليات  استنزاف ما في الجيب منذ اللحظة الأولى لدخولنا.

قطعت تذكرة الدخول للمستشفى ــ الحكومي طبعا ــ  مقابل 25 ألف دينار، وبعد دقائق اخبروني أنها تحتاج إلى عملية  وتذكرة إجرائها 50 ألفا، وما أن جاءت الفرّاشة بالكرسي المتحرك حتى طلبت 10 آلاف  وأجرة دفعه 10 آلاف أيضا.  ثم بدأت الطلبات الأخرى :  أبر التخدير من خارج المستشفى، والقطن والشاش ومحلول التعقيم  والمغذّي و قناني الدم .. الخ.

وهكذا روح وتعال ، وكأنني جالسٌ على خزانة مصرف،  حتى زهقت  روحي وقلت : ياليتني لم أتزوج أبداً وليتها لم تحبل، فالطلبات والأوامر ظلت تتوالى حتى صرخت : الله يساعد من لا يملك درهما! بالتأكيد ستموت زوجته وجنينها، ولا من يراعي حالها؟!

لهذا أقول : أيّ ضمان صحي ونحن نعاني من مشاكل وأزمات وسوء خدمات ونقص في العلاجات الطبية وغيرها ؟!

قبل كل شيء علينا ان ندرك بجدٍ وانتماءٍ حقيقيٍّ للناس أنّ الحروبَ والموتَ المجانيّ والأزماتِ والفسادَ أكلت الأخضر واليابس، فلنُبقِ على شيءٍ صغيرٍ جداً يجعلنا نُحبُّ الحياة ، ألا وهو الضمير الإنساني. فإذا صرنا بلا ضمير فستؤول حياتنا إلى جحيمٍ لا يطاق ، وسنأكل بعضنا البعض !!

وليعلمَ الجميعُ إنّ التأريخ لن يرحم أحدا ، ولنتّعظَ من سِيَر من سبقونا في الجلوس على الكراسي ، ولا نترك الشعب يُعاني شظفِ العيشِ والحرمانِ والأمراض والأزماتِ المتزايدة، ليصرخ في النهاية : لا نريد أطفالاً ،،  فالمستقبل اسوأ من حاضرنا وهو مجهول ومخيف.

عرض مقالات: