اخر الاخبار

لطالما فكرت بالوحوش البشرية من الأشخاص الذين يعذبون ضحاياهم في السجون لأسباب عدة في الغالب سياسية، ترى كيف يعيشون بقية يوميات حياتهم بعد انتهاء مهامهم الجرمية تلك؟ وهل هم أناس كبقية البشر أم مجرمون متخفون بأشكال إنسانية مختلفة؟ مرة شاهدت عبر حوار تلفزيوني لأحد السجناء السياسيين يشرح وضعه في أحد أقبية السجون المريعة، يذكر فيه أن جلاده بعدما يتعب من جلده بالسياط وهو المعلق على خطاف، يفرش سجادته أمامه، يصلي الظهر ثم يتناول طعام غدائه بتلذذ.

راعني حقا ما ذُكر من تفصيلات رهيبة لطرق تعذيب السجناء السياسيين في كتاب صدر أخيرا عن دار سطور للنشر، بعنوان "حتى مصرع الفجر" سيرة سجين سياسي للكاتب خضر عبد الرحيم، بواقع 199 صفحة مرفقة بمجموعة صور لشهداء القمع والإجرام، وقد أهداه (إلى قناديل الحرية في ليل الدكتاتورية الحالك، شهداء العراق لأرواحهم الطمأنينة والسلام)، يصف فيه غرف التحقيق بمسلخ بشري تُنتهك في داخله كرامة الإنسان بوحشية مفرطة، ينفث فيه الجلادون سمومهم، ومركبات نقصهم في الأبدان المعلقة إلى خطاف، والمتدلية من السقف كما الذبيحة المعدة للسلخ، تتحول الظهور والأكتاف مرمدةً لأعقاب سكائرهم، يلقون ببقايا أكواب الشاي على الرؤوس الحليقة، والعيون المعصوبة، يضحكون بتلذذ مفتعل، ويتباهون بمهاراتهم في إذلال الرجال، والحط من كرامة وكبرياء الأبطال.. رجال الأمن يقفون على قدم وساق من أجل ديمومة وسلامة دولة العنف، والقسوة، والكراهية.

ثم يتطرق لأوضاعهم الاجتماعية ذاكرا: "ضباط ومنتسبو هذا القبو المرعب الذين هم في حقيقتهم منتسبون في أجهزة الدولة العراقية، يتقاضون رواتبهم كأي موظف آخر. لديهم عوائل وزوجات وأطفال، ولهم أصدقاء، وأحباء، يأكلون ويشربون، يزعلون ويتصالحون، يحبون ويتخاصمون كأي كائن آخر، غير أنهم ينقلبون وحوشا كاسرة، بلا قلب ولا ضمير حال دخولهم دائرة العنف والقسوة هذه".

وفي مفارقة مريرة يصف الكاتب قاعة التعذيب المجاورة لقاعة محكمة الشعب التي تحولت في نهاية السبعينيات مقرا للفرقة السيمفونية الوطنية. ويذكر في الصفحة 25: "لم أتصور وأنا استمع لبهاء الأنغام وسطوتها، وعذوبة الموسيقى في القاعة الهادئة أن في الجوار سياطا تسلخ في اللحظات ذاتها أجسادا عارية إلا من صلابتها، وصمودها، لم يكن الأمر بغريب على نظام قمعي شرس، فقد حول البعث إبان انقلاب شباط الأسود عام 1963 هذه القاعة إلى مركز لاعتقال وتعذيب المعارضين لسياسته".

وفي مفارقة أخرى أتذكر ما رواه لي قريبي عن صديقه الشهيد عادل الشعرباف حين كانا يتنزهان معا في شارع أبي نؤاس بعد الإفراج عن عادل من اعتقال دام لبضعة أيام قبل سوقه لمقصلة الإعدام، قال مرَّ بنا شخص غريب لم اعرفه من قبل سَّلم عليه عادل بحرارة، وعند مغادرته سألت عادلا عنه فقال لي: "كان هذا الولد يعذبني في المعتقل"! أي قلب حمل هذا الشهيد وكل شهدائنا وهم يودعون مباهج الحياة ويقبلون على الموت ببسالة؟!

عرض مقالات: