بين آونةٍ وأخرى تشتعل النيران في مرفق من مرافق وطننا، فنادق، أسواق ومولات، مزارع وبساتين، مؤسسات حكومية، والطامة الكبرى المستشفيات!
يروح بسببها ضحايا أبرياء لا ذنب لهم سوى أنهم يعيشون في هذا البلد متحمّلين كل ما يأتي به الفاسدون من خرابٍ وبؤس وسفك دماء!
لم تندمل بعدُ جراحات غرقى العبّارة في الموصل والمحروقين في مستشفى الخطيب وردهات مستشفى الحسين (ع) وغيرها، لتنفتح جراحات أخرى وأكثرها ألماً وفجيعة ما حصل في الكوت قبل ايام!
لم ولن تندمل كل الجراحات منذ اندلاع أزمات الموت والخراب والطائفية واستفحال الفساد بعدُ لتنفتح أخرى أكثر عمقاً ونزفا!
الغريب في الأمر أن كل هذه الأزمات والحرائق والنكبات تُسجّل ضد مجهول، وكأننا نعيش بين أشباحٍ وعفاريت!
وأنا أكتب الآن تذكّرتُ مسرحية الكاتب السويسري ماكس فريش (بيدرمان ومشعلو الحرائق) التي كتبها لينتقد فيها الصامتين والخانعين والساكتين (المغلّسين) عن كل فعل يرتكبه الفاسدون سواء كانوا في السلطة أو غيرها، ويقول للصامتين الذين يحسبون أنفسهم بعيدين عن هذا الفساد وبمنأى عنه ــ رغم أنه في وطننا طال ويطول الجميع بلا استثناء ــ انه في نهاية المطاف لن ينجو أحد قطّ، بل ستأكل النارُ اليابس والأخضر وتصل إلى بيوت وأجساد الجميع ما لم نتحرك لإيقافها وكشف مشعليها ومحاسبتهم!
ولأنّ وضعنا الحالي لا نحسد عليه أبداً من حرائق وأزمات تزكم روائح فسادها الأنوف، ونزف دم لم يهدأ بعدُ وصراعات مصالح ودعايات انتخابية، أقول لكم:
ألم نسأل أنفسنا (والسؤال موجّه للجميع ساسة وبرلمانيين ومواطنين) هذه الحرائق لماذا.. والى أين.. وما الذي يراد بها ومَنْ المسبّب الحقيقي والرئيسي لها؟!
الجواب: الفساد! لماذا.. والى أين.. ألم نشبع بعدُ؟!
لماذا لم نلتفت إلى التاريخ قليلاً ونتأمل حياة الطغاة والفاسدين ومشعلي الحروب والحرائق ونتّعظ من كل ما جرى لهم؟!
لماذا لا نشعر ولمرة واحدة بأننا في وطنٍ ناله ما ناله من الحيف والغبن والجور والخراب رغم ما يحمله من إرث وتراث كبيرين؟!
علينا أن نكون حقيقيين بكل أفعالنا قبل أقوالنا بانتمائنا لهذا الوطن، ونعرف جيداً أن اشتعال حريق هنا لن يمحو ما احترق من أوراق فسادٍ هناك، وكل الأزمات والأحداث المفتعلة التي يقوم بها مجهول أفندي لن تمحو فساداً أبدا، بل ستزيد الطاق طاقين، وتفتح أعين الناس وبصائرهم ليروا ما كنّا ساترينه عنهم بالشعارات والكلام المعسول ويشاهدوا نجوم الحقيقة في عزِّ الظهيرة اللاهبة وعندها لات ساعة مندم!
لهذا علينا أن ننتبه ونعمل بإخلاص ونزاهة وضمير حيٍّ نابض بحب العراق وأهله الطيبين، وصدّقوني ساعتها سيكون الوطن جنّة، وسننجح ونكبر ويكبر معنا وبنا كل شيء!