اخر الاخبار

حين تبصرُ مساحاتٍ مترامية الأطراف من الأرض قد تحوّلت إلى صحراء جرداء مقفرة تسفّ عليها الرمال ستردد في سرِكَ: لماذا؟!

لماذا هذا القفر الشاسع من الأراضي، الذي نتمنى ان يكون أي شكل من أشكال الجمال والخضرة والمحاصيل، وقريباً منها يمرّ نهران عظيمان؟! في السنين الأخيرة هذه أخذ الجيران بقطع الماء في أحيان، وفي أخرى تقليل حصّتنا منه. وعلى هذه الشاكلة وما تلاها ظلت الأراضي العراقية يوماً بعد آخر تأخذ بالتصحّر وتزداد ملوحةً حتى زحفت الصحراء على المدن، وكأن أنفسنا تنعى بعضها بسبب الجدب هذا الذي أجدب حتى الضمائر والنفوس والأرواح، فصرنا نتقاتل لأدنى سبب ويلعلع الرصاص في كل لحظة، وبات الفساد سوسةً تنخر في البلاد وتعززت الطائفية والأحقاد والمحسوبية في نفوس البعض للأسف!

منذ مئات السنين لم يفكر أحدٌ من المسؤولين في كل الحكومات التي تعاقبت على العراق بأن يحوّل الصحراء الى واحاتٍ خضر، وأن يحلّ أكثر من أزمةٍ إذا جعل من هذه الصحاري بساتين ومزارع وقرى سكنية تفتح النفس وتشرح الصدر وتعطي خيراتها للناس بدلاً من البحث عن عمل ومأوى وكل ما نحتاجه من مواد غذائية وغيرها عن طريق الاستيراد، ناهيك عن جفاف الأهوار وتجريف الأراضي الزراعية وتحويلها إلى مدن سكنية ومولات وما إلى ذلك! قبل سنواتٍ شاهدت فيلماً حول تشغيل الشباب الخرّيجين وتهيئتهم لحياةٍ منتجة تُعطي ثمارها، من خلال تشغيلهم في مشاريع صناعية وزراعية وفق تعليمات وتخصيص مبلغ مالي لدعمهم، توزيع أراضٍ زراعية لبعضهم وفتح قنوات أروائية لإيصال الماء لها، وفتح ورش صناعية للآخرين وتزويدهم بالمعدات ليفتحوا معامل صغيرة، تم تشغيل آلاف الأيدي العاملة والاستفادة من خبرات الشباب لتبدأ مهاراتهم في الزراعة والصناعة والإنتاج الذي اخذ يسدّ حاجة السوق المحليّة لتلتفت الدولة إلى تصدير منتجات مصانعها العملاقة وزراعتها الى الخارج، وتتحول من دولة استهلاكية مستوردة الى صناعية وزراعية منتجة ومصدّرة!

أقول: لماذا لا نسعى للاستفادة من هذه الصحراء الشاسعة ونحوّلها إلى مرابع خضراء مثمرة؟! لماذا لا نستفيد من الماء الذي يذهب هدراً إلى البحر، ونشغّل الشباب في مشاريع تخدمهم حياتياً كما تخدم الوطن إنتاجيا واقتصادياً؟!

لو فعلنا هذا ستتجدد وتتكاثر مشاريع صناعية إلى جانب الزراعية طبعا، بعضها يُكمل بعضا، وبمعنى أدقّ سنحدّ من أزمة السكن وستنشأ قرى ومدن جديدة تحوّل الجدب إلى حياة والقبح إلى جمال، كما سنقضي على البطالة من خلال تشغيل العاطلين من الشباب، وبهذا لنقضي على الكثير من الأزمات أيضاً، إضافة إلى أننا سنستفيد من ماء النهرين بدلاً من ذهابه سدى، وإعطاء نقطة ضعف للجيران بأننا نهدر ماءنا إلى البحر! ما الضير إذا فكّرنا بفتح أنهار صغيرة باتجاه الصحراء لتقسيم الأرض هذه وتوزيعها على العاطلين من الشباب وغيرهم بمشاريع استثمارية؟ ما الضير إذا فكّرنا بالخير والبناء وفائدة الناس بدلاً من استشراء الفساد وتعطيل كل شيء؟

ما الضير إذا فكّرنا تفكيراً سليماً بهذا الوطن وأحقيّته علينا؟

ما الضير إذا فكّرنا بانتمائنا الحقيقي قبل أن يأكل التصحّر كل شيء؟

ما الضير إذا سقينا ضمائرنا بماء المحبّة لتخضرّ بدلاً من إشعال الفتن والأزمات؟!

عرض مقالات: