من أبرز إفرازات نظام المحاصصة والفساد في العراق هو احتكار المشاريع والخدمات لصالح فئات أو مناطق محددة، ليس لأنها الأكثر حاجة أو استحقاقاً، بل لأنها ارتبطت بوجود نائب أو متنفذ أو مسؤول يملك ثقلا شعبيا في تلك الرقعة الجغرافية. وهكذا تتحول الخدمات إلى أدوات دعائية، فتُرصف الطرق وتُعاد تهيئة الأرصفة مرة ومرتين وثلاثا، فقط لأن "الحظ" أوقع مسؤولاً متنفذاً في ذلك المكان.
المفارقة أن بعض المناطق المحرومة لا يفصلها عن تلك "المناطق المحظوظة" سوى أمتار معدودة، لكن آليات "الجهد الحكومي" ومؤسسات الدولة تتوقف أمام خطوط وهمية رسمتها تقاطعات السياسيين وصراعاتهم على النفوذ. وبذلك تخضع الخدمات، كما الثروات والمناصب، إلى منطق المحاصصة البائس، فتُدار البلاد بعقلية الغنيمة لا بعقلية الدولة.
إن من يمارسون هذه السياسات لا يسعون لبناء مؤسسات رصينة، ولا يعملون على خدمة الناس، بل يضعون مصالحهم ومصالح أحزابهم الضيّقة فوق كل اعتبار. إنهم يختطفون الدولة ومواردها، ويحوّلون أبسط حقوق المواطنين إلى مادة للابتزاز السياسي.
والحقيقة المرة: ما دام مشروع الدولة أسيراً في قبضة المحاصصة، فلن تُبنى الأرصفة للناس… بل ستُرصَف الطرق الموصلة إلى مناصبهم!