في ذكرى كامل شياع
لن يكون سهلاً أبدا، أن تعشق الوطن، وتمتزج بكلّ ذرّة من ترابه ومائه وهوائه!
وأن تحمله أيقونة عملٍ ورسالة حياة أنّى ولّيت الوجه!
وحينما تدلهمّ عليك الخطوب، وتضيق الحياة، تهرب من بطش حكّامه الطغاة، لتعود بعد سقوطهم إليه حاملاً مشعل التنوير والبناء!
وأن تمتثل لخطواتك التي رسمتها منذ اللحظة الأولى التي استنشقت فيها رائحة الأرض بعد المطر!
قبل أيام مرّت الذكرى السابعة عشرة لاغتيال عاشق حقيقي للوطن والناس، ألا وهو الكاتب والمفكّر التنويري الشهيد كامل شياع، وفيها أقول:
يا مَنْ جئت حاملاً الوطن بين جناحيك، ورافعاً مشعل التنوير في لياليه الحالكة!
الخفافيش المرعوبة من الشمس والنور، لن تمنحك الفرصة حتماً، لهذا قتلوك!
في عام 2007 كان معنا في اللجان التحضيرية لمهرجان المربد الشعري في البصرة، كفراشة محبّةٍ تتجول بين المقاعد والكراسي، تحطّ هنا وتنثر زهو أجنحتها هناك، كان يملأ المكان فرحاً وحنيناً وجمالاً وسحرا!
بعد انتهاء إحدى الجلسات المسائية، وعند خروجنا من قاعة عتبة بن غزوان، قال: تعالوا نتمشى في شارع عبد الله بن علي، كان وقتها مكتظّاً بالباعة والمتبضّعين، فقال له أحد أصدقائنا: أستاذ صعب، تمشي بالشارع بلا حماية، نحن نخاف عليك! التفت إليه بكل محبة قائلاً: عزيزي من سيعرفني كمسؤول من بين هؤلاء الناس؟!
لحظتها قلت له: أحسنت أيها الكبير، أنت واحد منهم بالتأكيد!
أجابني: نعم وسأبقى ما حييت! ثم أخذنا نتجوّل في الشارع، لندخل منه ونخرج إلى الشارع الوطني ثم الكورنيش، لأكثر من ساعتين هنا وهناك حتى وصلنا إلى الفندق، عندها التفت إلى صديقنا قائلا: ها صديقي هل عرفني أحد من الناس؟! يا عزيزي أنا منهم وفيهم!
أجابه صديقنا: نعم وقد وثّقت جولتنا صوراً وحكايات!
أيها العاشق الأبدي للوطن والناس، عرفوك ابنهم الطيّب الذي يحمل مشعل محبتهم أيقونة فرحٍ لينثرها في ربوع الوطن!
لأنّك حلمت بوطنٍ خالٍ من الفاسدين، وحملت مشعل الحرية والسعادة، وناديت بكل شيء جميل، قتلوك!!
لأنهم ظلاميون وأدوا أحلامك أيها الطيف الذي مرَّ بسمائنا ذات يوم، ليترك في الحلق غصّة، وفي العين قذى، ويترك القلب كليما.
لك الخلود أيها العاشق الحالم، ولقاتليك العار الذي سيلاحقهم في كل وقت!