ما الذي يجبر المسؤول على الكذب، إذا كان مؤهّلاً للوفاء بوعوده ؟! أم أنه مبدأ غوبلز: إكذب وإكذب حتى يصدّقك الآخرون؟!
قبل سنوات وخلال أزمتي المستمرة مع الإيجارات والتي لم تنته بعد، انبرى احدهم قائلاً : سأتحدّث مع المسؤول الفلاني، عسى ولعل أن تجد جهة ما حلا لك وتتخلّص من الايجارات وهمّها. ذهب إليه وشرح له حالتي، فوعده ذلك البرلماني خيراً ووضع الشمس في يمينه، وأبلغني فرحا أن أزمتي خلال أيام قليلة ستنتهي وأتخلص من الإيجارات ومحنتها. ومثله انبرى آخرون كثرٌ، هذا يقول كلّمت المحافظ، وذاك يقول تحدثت مع المسؤول الفلاني وهكذا دواليك من الوعود، حتى راودتني أحلام اليقظة بالحصول على مأوى يلمّني وعائلتي، بعيدا عن همّ الإيجارات والمشاكل مع أصحاب البيوت.
وخلال الأشهر الخمسة الماضية عشت وهماً آخر، وقلت عسى ان يَصدقوا هذه المرّة ويتم ارسال ابني المريض (علي) الى الخارج لعلاجه مما هو فيه من آلام، حيث يؤكد هذا ويقسم ذاك بأن اسمه في اول التسلسلات ضمن هذه الوجبة. لكنه حالما راجع ابلغوه أن احدا لم يحرّك ساكناً قط !
كل تلك الوعود والكلام المعسول ذهبت أدراج الرياح وما زالت، وكأن المسؤول لم يعد أبدا، وكل ما قيل كان تخديراً لي ولإبني، شأن غيرنا من المخدّرين بوعود المسؤولين هنا وهناك.
لو أحصينا كلمات ووعود مَنْ جلسوا على الكراسي متسيّدين على رقاب الناس بالصدفة، وصاروا مسؤولين، حتى قبل 2003، وحسبناها حساب عرب كما يقال، وبحثنا عن نسبة الوفاء بها، حتى بقدر حبّة الحنطة، لما وجدنا لذلك أثراً أبدا. كلّهم يكذبون للأسف، وصدق جيفارا العظيم حينما قال "كلّهم كذّابون يارفيقي .." يقولون ما ليست عندهم طاقة للإيفاء به، ولا حتى استعداد للعمل به وتقديم الخير للناس. لكن هيهات وأنّى لهم ذلك وهم معجونون بالفساد والغش والخداع !
أزماتنا لا حصر لها ومن كل جانب، وشعبنا ينتفض فيُجابَه بالنار والحديد والقتل والاختطاف، انفلات امني واحتراب طائفي ومناطقي وعشائري في ظل غياب سلطة القانون والردع الحقيقي لكل منتهك.
حين يكذب المسؤول ينهار كل شيء ويضيع الوطن، ولنتأمل قليلا أين وصل بنا الحال!
وهاهي الانتخابات على الأبواب: هات يا وعود وخذ يا كلام والبحر كفيل بغسل كل شيء !