اخر الاخبار

قد يتذرع الكثيرون بقسوة ظروفنا الحالية معتبرين الحضور والتواجد في الفعاليات الثقافية من محاضرات أو ندوات أو حتى مشاهدة مسرحية جيدة إن وجدت، أو متابعة فيلم سينمائي في قاعة متميزة من قاعات المولات وما أكثرها في بغداد والمحافظات، معتبرين كل ذلك ضربًا من البطر وضياع الوقت.

وأستغرب مثلًا في الوقت نفسه تزاحم الناس على ارتياد المطاعم وقد انتشرت بطريقة أميبية في أرجاء العراق، وبكثافة حتى ليشعر المرء بأن العراقي لا زال يعاني من جوع عتيق أو كأنه يثأر من سنوات الحصار العجاف والحرمان من أبسط ملذات الحياة، فما أن تشعر العائلة بالضيق أو الضجر حتى تتوجه إلى أحد المطاعم لتتناول وجبتها وترجع للبيت في مهمة محسوبة بتكاليفها وبضيق أفقها رغم تفنن أصحاب المطاعم بتقديم أغلب وصفات الطعام المحلي والعربي وحتى العالمي.

وبالمقابل نلاحظ عزوف العوائل على نحو خاص عن حضور فعالية ثقافية معينة بات يقتصر حضورها على أصدقاء وأقارب المحاضر الأمر الذي يولد خيبة أمل ويؤشر تراجعًا ملحوظًا في مستوى الوعي الثقافي للعامة.

ومع ذلك نلاحظ دأب المؤسسات الثقافية الرسمية والخاصة على مواصلة فعالياتها بإخلاص واجتهاد دائمين، فلا تخلو مثلًا قاعة الجواهري في اتحاد الأدباء ببغداد من فعالية ثقافية تكاد تكون يومية رغم تكرار وجوه حضورها وأغلبهم من كبار السن أو من المعنيين بتقديم الفعالية نفسها، وكذا الأمر لفعاليات ونشاط بيتنا الثقافي في مقر الحزب الشيوعي صباح كل سبت، وقبلها في يوم الجمعة يشهد شارع المتنبي إقبالًا ملحوظًا من الشباب والعوائل لحسن الحظ سواء للتسوق ولحضور فعاليات بيت المدى والمركز الثقافي البغدادي، وفي اليوم نفسه تواصل السيدة كفاح عبد المجيد سعيها في استقبال المثقفين والكثير من عوائل منطقة الداوودي في ندوة كاليري مجيد، ومثلها يفعل مجلس الشعرباف في الكرادة الشرقية إذ يواصل تقديم محاضراته القيمة مساء يوم الجمعة، وطبعا هنا لا بد لنا من التعريج على المجالس الثقافية التي يزيد عددها عن ثلاثين مجلسًا في بغداد وغالبًا ما تديرها عائلات معنية بالهم الثقافي مثل مجلس الشعرباف والخاقاني والصفار وغيرها..

هذه الفعاليات تؤشر مدى الغنى الثقافي التاريخي لبغداد وللعراق أجمع لكن في الوقت نفسه لا بد من تأشير ظاهرة شُحّة حضور هذه الفعاليات، والتي يتحجج البعض منهم بصعوبة المواصلات وزحام الشوارع، أو إلى المزاج العام المتعكر بسبب الظرف السياسي والاجتماعي للبلد، متغافلين أن العائلة نفسها قد تلجأ أحيانًا للمتنزهات العامة على شحتها أو للمطاعم.

من جانب آخر يبدو أن التطور التقني والانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي قد أثر بدرجة ملحوظة في شغل أوقات الناس بل وإدمانهم على متابعة برامجه رغم تقديمها المعلومة الخاطفة السريعة السطحية في كثير من الأحيان الأمر الذي يقودنا إلى واقع ساذج فيه الكثير من التفاهة بل إلى عالم بات يوصف بعصر التفاهة.

عرض مقالات: