حين نستذكر مقطع الغزل الشفيف لأغنية أم كلثوم في مناجاة حبيبها تقول فيه ( إن مر يوم من غير رؤياك ماينحسبشِ  من عمري)، تعيدنا الذكرى والتشبيه إلى ما قاله الناقد والروائي والمترجم  جبرا إبراهيم جبرا في كلمة له أثناء الاحتفال بالذكرى ال 75 لميلاده  بأن (اليوم الذي لا يقرأ أو يكتب فيه هو يوما ضائعا) ، أي لايُحتسب من عمره . ولو توجهنا بالسؤال لأنفسنا أولا، ولغيرنا حول الوقت المهدور من حياتنا بلا قراءة أو كتابة ربما لكان الجواب أكثر من 70 بالمائة من وقتنا ضائع من دون قيمة تذكر.. ولعل هناك من يقول أن أعمارنا كلها ضاعت هباءَ وتسربت كالرمل بين الأصابع جراء ما عشناه من ويلات ومصائب وحروب و إن العراق كله  شهد تدهورا كبيرا في العقدين الماضيين نتيجة الأوضاع الأمنية والاقتصادية السيئة ، لذا فأن مجرد تناول موضوع القراءة والكتابة هو نوع من البطر مقابل حيرة الناس بتوفير لقمة العيش ومستلزمات الحياة.

وهنا لابد من تبيان تراجع نسبة القراءة في مجتمعنا عموما، وما يرافقها من ارتفاع كبير في نسبة الأمية ، فكما بينت مفوضية حقوق الإنسان العراقية أن 8 ملايين مواطن عراقي أغلبهم من الشباب لا يجيدون القراءة والكتابة، و أن 18% من العراقيين لا يجيدون القراءة والكتابة، وأكثر من نصفهم من النساء

ومع ذلك تدخل وسائل التواصل والانترنت والقنوات الفضائية في منافسة حادة في ابتلاع أوقات الشباب وحتى الأطفال والصبية ، إذ يقضي معظمهم جل أوقاته بتصفح وسائل التواصل الاجتماعي ومتابعة أخبار الفيسبوك وغيرها ،  ويبدو أننا بهذا التوجه نقلد باقي الشعوب  مع فارق  نوعية التصفح ..إذ تذكر الإحصاءات أن هناك أكثر من 2 بليون مستخدم للانترنت على مستوى العالم ، و7 بليون مشترك بالهواتف الجوالة ، و55 مليون موقع ، و100 مليون مشترك في غوغل ، بل أن ما نعيشه واقعا لم يكن في الحسبان أبدا ، إذ تظهر مدونة جديدة كل 1:4 ثانية بمعنى 84 مدونة في الدقيقة يوميا ، و121 ألف مدونة متنوعة بمختلف المجالات ، و48 ساعة فديو يتم رفعها إلى موقع اليوتيوب كل دقيقة ، مما يعني أن المشاهد لجميع هذه المقاطع التي ترفع خلال يوم واحد سيحتاج إلى مدة 8 سنوات من المشاهدة المستمرة لها.

وعلى الرغم من أهمية ما يطرح من تلك المدونات والفديوهات من معلومات معرفية متنوعة لكن اغلب شبابنا للأسف يلجا إلى المحتوى التافه والى التسلية الجوفاء التي لا تسمن ولا تغني من جوع ، بل ان هناك العديد منهم يقضي أيامه ولياليه متفرغا للعبة (البوبجي) مثلا، التي أصبحت آفة تنافس غيرها من سلبيات مجتمعنا وأدرانه، مثل تناول المخدرات وشيوع الجرائم وازدياد معدلات العنف بشتى أشكاله.

عرض مقالات: