انتشرت خلال الفترة الأخيرة في العراق، صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي لبيع الأدوية، يديرها صيادلة أو مضمدون، أو حتى من غير ذوي الاختصاص. إذ تتداول تلك الصفحات علاجات مختلفة مجهولة المنشأ والمصدر، وتقوم ببيعها على المستهلك دون وصفة طبية، في وقت تعاني فيه البلاد مشكلة دخول أدوية مهربة غير خاضعة للفحص.

ومعلوم ان توزيع الأدوية منوط بالدولة حصراً عبر وزارة الصحة والصيدليات المركزية، والصيدليات المجازة، وفقاً لمسالك توزيع منظمة، لكن يبدو أن تراجع الرقابة وضعف القانون عززا تلك الظاهرة الخطيرة.

وينفق العراق على استيراد الدواء من الخارج أكثر من 3 مليارات دولار سنوياً، وتشكل الأدوية المستوردة النسبة الأكبر من الأدوية المتوفرة في المستشفيات والصيدليات الحكومية والخاصة.

وكانت وزارة الصحة قد قررت في وقت سابق إطلاق المشروع الوطني للدواء، الذي يتضمن فحص حتى الأدوية الداخلة عبر التهريب، وتسعيرها، وفي حال إيجاد أدوية لا تحوي «باركود الفحص والتسعير» تتم مصادرتها.

ويلجأ الكثيرون من العراقيين إلى شراء المستحضرات الطبية من خلال صفحات على مواقع التواصل الاجتماعي، نظرا لانخفاض أسعارها مقارنة بالصيدليات الأهلية، التي تبالغ كثيرا في زيادة أسعار الدواء، بالشكل الذي لا يناسب القدرة الشرائية للفقراء وذوي الدخل المحدود.

وغالبا يجذب مروجو تلك الأدوية، المواطنين، من خلال وصف الدواء بأنه خارق للعادة ويعالج مرضا مزمنا أو حالات مرضية مستعصية، خلال فترة قصيرة، الأمر الذي يغريهم بشرائه مهما كان سعره!

كوارث صحية

يؤكد اختصاصيون في المجال الطبي، أن تداول الأدوية عبر الإنترنيت يتسبب في كوارث صحية، مبينين أنه لا توجد إحصائية دقيقة عن حجم تجارة الأدوية الكترونيا، باعتبارها تجارة لا تخضع للاقتصاد الرسمي وتنشط عبر طرق غير خاضعة للرقابة.

وكانت نقابة الصيادلة العراقيين قد حذرت في وقت سابق من خطورة ظاهرة بيع الأدوية عبر الانترنيت.

ووصف نقيب الصيادلة مصطفى الهيتي هذه الظاهرة بأنها «من الظواهر الخطيرة التي تضر بصحة المواطنين بصورة كبيرة»، مبينا في حديث صحفي أن تجارة الأدوية الكترونيا «غير علمية وغير مهنية، وهذا الأمر ممنوع ويحاسب عليه القانون بشدة، حسب قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 40 لعام 1970 المعدل».

وأوضح الهيتي أن «القانون يؤكد عدم جواز الإعلان عن أدوية أو مستحضرات طبية إلا بعد نشرها في المجلات الطبية المعتمدة، والأدوية التي تباع عبر الانترنيت هي خارج هذه المجلات وغالباً ما تكون تجارية وغير مفحوصة من قبل أي جهة رقابية، ويدخل بعضها إلى العراق بصورة غير رسمية».

ولفت إلى ان «المروج للأدوية بطريقة مخالفة، إذا كان صيدلياً تتم محاسبته من قبل نقابة الأطباء بالإجراءات القانونية، أما إذا كان شخصاً مجهول الهوية، فيحاسب من قبل مديرية مكافحة الجريمة المنظمة».

ودعا نقيب الصيادلة الجهات الأمنية المتخصصة إلى «متابعة ومراقبة كل الصفحات التي تروج لهذه الأدوية. فالأمر يشكل خطورة حقيقية على صحة المواطنين وسلامتهم»، مؤكدا أن النقابة أرسلت كتباً عدة في شأن ذلك للجهات ذات العلاقة والاختصاص، والأمر يتطلب جهداً أمنياً كبيراً للحد من هذه الظاهرة الخطيرة.

تجارة مضرة

من جانبه، أفاد الصيدلاني حسين علي بأن «هناك صفحات الكترونية كثيرة تروج لمنتجات طبية وأدوية لعلاج الأمراض المزمنة على أنها فعالة للمريض، إلا أنها قد تتسبب في حصول مضاعفات وأضرار صحية كبيرة، لا سيما أنها تصرف من دون وصفة طبية. وبالرغم من ذلك، هناك فئات من المجتمع تقبل على شراء هذه العلاجات».

وأشار علي في حديث صحفي إلى أن «بيع الأدوية عبر وسائل التواصل الاجتماعي يفسح المجال أمام غير المتخصصين للعمل في هذه المهنة، باعتبارها نوعا من أنواع المتاجرة، إلا أن هذه المتاجرة في الحقيقية تضر بصحة الإنسان»، مطالبا الجهات الرقابية بالتدخل للقضاء على هذه الظاهرة.

غلاء الأدوية في الصيدليات

الباحث في الشأن العراقي مجاشع التميمي، رأى أن تفاقم تلك الظاهرة ينذر بأخطار مجتمعية وصحية. فيما لفت إلى ان ارتفاع أسعار الأدوية في الصيدليات والمبالغة في أسعار كشفيات عيادات الأطباء الأهلية، من أبرز الأسباب التي تدفع الناس إلى شراء الدواء عبر الانترنيت.

ونوه بأن توزيع الأدوية منوط بالدولة حصراً «لكن يبدو أن تراجع الرقابة وضعف القانون فاقما تلك الظاهرة».

وأشار التميمي إلى أن «معظم هذه الأدوية غير مرخص، ومن ذلك أدوية التجميل والمنشطات الرياضية. وقد تدخل في تصنيع هذه العلاجات مواد أولية مغشوشة خطرة على الصحة، فضلاً عن ذلك انها تباع بأسعار غالية جداً، ربما تصل إلى أكثر من 5 أضعاف السعر الرسمي، رغم كونها مجهولة المصدر».

يشار إلى أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة رقم 40 لعام 1970 يعاقب في المادتين 50 و51 منه بحبس كل من اتهم بالغش في بيع الأدوية، إلا أن خبراء قانون يرون أن «النص الواجب التطبيق في هذه الحالات، هو المادة 4 من قانون مكافحة الإرهاب رقم 13 لعام 2005. لأن الهدف من هذا البيع هو إحداث الرعب وإشاعة الموت».

كما أن أهل الدستور يرون أن قانون مزاولة مهنة الصيدلة يحتاج إلى المراجعة تعديلاً وتطبيقاً، لأنه صدر عام 1970، ولم يطرأ عليه أي تحديث يواكب التطورات الحاصة اليوم في العمل الطبي.

زيادة الوعي الصحي

إلى ذلك، أفاد الباحث الاقتصادي بسام رعد، بأنه «لا توجد إحصاءات دقيقة عن حجم تلك التجارة، كونها لا تخضع للاقتصاد الرسمي وتنشط عبر طرق غير خاضعة للرقابة، لكن مما لا شك فيه إن حجم هذه التجارة يقدر بمئات مليارات الدنانير».

ورأى أنه من أجل حماية المستهلك يجب أن تتضافر الجهود بين الجهات الرقابية في وزارة الصحة ونقابة الصيادلة لمكافحة هذه الظاهرة وتحجيمها، والتي لها آثار سلبية خطيرة على حياة البشر.

وأضاف في حديث صحفي قائلا: «كذلك ينبغي العمل على زيادة الوعي الصحي العام عبر إطلاق حملات للتوعية بأخطار الأدوية التي تباع بطرق غير رسمية، مع تحسين الخدمات الصحية التي تقدم للمواطنين، من خلال بناء نظام صحي متكامل يوفر خدمات جيدة للمرضى»، متابعا قوله: «فضلا عن ذلك، يجب تطبيق التسعيرة الدوائية الموحدة في عموم البلاد، وتشجيع الصناعة الدوائية وتوطينها. لأنها تعد من محركات دعم الاقتصاد إضافة إلى كونها دعامة أساسية لتحقيق الأمن الدوائي».