يحتل العراق تصنيفاً متأخراً في قائمة الدول ذات الهواء النقي، بسبب ضعف الإجراءات الحكومية الرادعة لحرق النفايات، ومخلفات استخراج وتكرير النفط وغير ذلك من الملوثات.

وعادة ما يجد سكان ضواحي بغداد أنفسهم مضطرين مساء كل يوم الى اغلاق نوافذ منازلهم، لصد الدخان الكثيف الذي يتصاعد من حرق مكبات النفايات.

ومع استمرار تفاقم أزمة المناخ، تعمل البلدان على تحقيق صافي انبعاثات كربونية صفرية بحلول عام 2050.

وتصنف مجلة ceoworld الأمريكية في تقرير صدر عنها، العراق بأنه واحد من أسوأ البلدان في جودة ونقاء الهواء، حيث سجل 80.1 ميكروجرام لكل متر مكعب، ومن ثم باكستان، والبحرين، وبنغلاديش، على التوالي.

وثيقتان

وأكدت وزارة البيئة عبر المتحدث الرسمي باسمها أمير علي حسون أنها “تحرص على تطبيق وثيقة المساهمات الوطنية NDC، التي تعد خارطة طريق لتنفيذ اتفاقية باريس، وذلك بالتنسيق مع كافة القطاعات الحكومية المعنية”.

ويشير حسون في حديث خصّ به “طريق الشعب”، إلى أن “الوزارة تسعى الى إطلاق وثيقة خطة التخفيف الوطنية ووثيقة الاحتياجات التكنولوجية خلال العام الجاري، واللتين تتضمنان الحد من التلوث 2023 - 2027”.

ويشير إلى ان أحد إجراءات الوزارة للحد من آثار التغيرات المناخية يتمثل بتفعيل جميع بنود قانون حماية وتحسين البيئة رقم 27 لسنة 2009، الذي يشكل آلية مهمة للحد من التلوث الناتج عن الوقود الأحفوري.

أضرار صحية جسيمة

ويعلل مدير شعبة التغيرات المناخية في بيئة كركوك، د. محمد خضر، أسباب التدهور البيئي في العراق، بـ “الدمار الذي ألحقته الحروب المتعاقبة بالبلاد، ونشر الألغام واستخدام المواد الكيماوية الخطرة، بالإضافة الى النمو السكاني المتزايد، الذي شكل قوة ضاغطة على الموارد الطبيعية والبيئية، وشح المياه وارتفاع نسب الملوحة”.

ويؤكد خضر لـ”طريق الشعب”، أنّ “هذه الأسباب وغيرها الكثير أفرزت خللاً كبيراً في جودة الهواء والمياه والتربة، ما أدى الى اضرار صحية كبيرة وخلل في التوازن الأحيائي”، مشيرا الى ارتفاع معدلات الإصابة بالأمراض المزمنة وامراض الجهاز التنفسي والجلدية والسرطان.

ويضيف، أن “العراق يطمح الى تنفيذ مساهماته المحددة وطنيا للفترة الزمنية من 2021 والى 2030 لأجل تحقيق خفض متوقع بين 1 إلى 2 في المائة، من مجمل انبعاثاته وفقاَ للجرودات الوطنية للغازات الدفيئة بالجهد الوطني، وتخفيض نسبة 15 في المائة عند توفر الدعم الدولي المالي والفني وتحقيق الأمن والسلام، وفقا للمسارات والتوجهات التي حددت مسبقاً”.

تراجع مقلق

يقول الناشط البيئي رأفت الهيتي، إنّ “العراق شهد مؤخرا تراجعا في نقاء الهواء.

ويؤشر الهيتي خمسة أسباب تقف وراء عملية التلوث البيئي، تشمل: “التلوث الصناعي، تلوث السيارات، حرائق الحشائش، إهمال التخلص من النفايات بالطرق الصحيحة، بالإضافة إلى الظروف الطبيعية غير الملائمة”.

ويضيف الهيتي في حديث مع “طريق الشعب”، أنّ “زيادة عدد المصانع والمرافق الصناعية تسببت في زيادة الانبعاثات الضارة خاصة تلك التي تقع بالقرب من المدن السكنية، ما يؤدي إلى ارتفاع مستويات التلوث في الهواء. وبالتوازي مع ذلك، يسهم ازدياد عدد السيارات واستخدام الوقود غير النظيف في تفاقم مشكلة التلوث، ما يؤثر سلبا على جودة الهواء وصحة السكان”.

ويوضح الهيتي، أن التلوث “لم يقتصر على النواحي الصناعية فقط، بل شهدت البلاد تكرار حرائق الحشائش والمحاصيل التي أدت إلى انبعاثات كبيرة من الدخان، ما أثر على جودة الهواء بشكل كبير، بالإضافة إلى حرق النفايات وإهمال التخلص السليم منها، الى جانب تراكم القمامة والنفايات في الطرقات والمناطق السكنية، ما يؤدي إلى انبعاث روائح كريهة ومواد ضارة سببت العديد من الأمراض الجلدية والتنفسية”.

ويشير إلى أنه “قد تأتي الظروف الطبيعية كعامل إضافي يؤثر على نقاء الهواء، حيث قد تسهم الرياح الخفيفة ونقص الهطول المطري في تراكم الشوائب والجسيمات في الهواء”. ويشدد الهيتي على ضرورة اتخاذ إجراءات فورية وفعَّالة من قبل الجهات الحكومية، لمواجهة هذه الظاهرة وحماية البيئة وصحة المواطنين، واتباع سياسات بيئية جديدة، بالإضافة الى زيادة المساحات الخضراء وتشديد الرقابة على مخلفات الغازات والابخرة المضرة بالبيئة من المصانع.

ووصف الهيتي الإجراءات الحكومية بأنها “ضعيفة وغير فاعلة”، مضيفا أن “من المهم الالتفات الى مشكلة الزخم السكاني، والعمل على توسيع المدن، بالإضافة الى بناء مدن صناعية خارج نطاق المناطق السكنية”.

“النبّاشة”

ففي مناطق الطمر الصحي في أطراف العاصمة، يقوم من يعرفون بـ”النباشة” بعملية منظمة لحرق النفايات بعد فرزها، بحثًا عن مواد قابلة للتدوير كالبلاستيك والألمنيوم.

وبعد استخلاص ما يلزم، يحرقون الباقي استعدادًا لاستقبال دفعة جديدة من النفايات، في اليوم التالي.

الغريب، ان هذه القضية لا تتعلق بالفقر أو الجوع فحسب، كما قد يظن البعض، بل تُدار غالبية هذه العمليات من قبل جهات تستأجر أشخاصًا للعمل في مواقع الطمر.

وهناك مبالغ مالية تُدفع مقابل الحصول على حاويات النفايات، تتراوح بين 45 و75 ألف دينار للحاوية الواحدة، ويُحدد سعرها بحسب المنطقة القادمة منها؛ فترتفع أسعار الحاويات القادمة من زيونة والغدير، وتنخفض تلك القادمة من أحياء الشعب ومدينة الصدر وغيرهما.

عدم وجود تحرك حكومي

الباحث في الشأن البيئي علي عبد اللطيف الجبوري، يؤكد عدم وجود تحرك حكومي تجاه ظاهرة التلوث البيئي في العاصمة بغداد.

ويقول إنه “وفقًا للدراسات والأبحاث المتاحة نجد أن جودة الهواء في العاصمة بغداد تتدهور دون أي تحرك حكومي ملحوظ للسيطرة على هذا التلوث”.

وأضاف، ان “هذه الجزيئات القاتلة، التي تحتوي على مركبات كيميائية وجزيئية، تسبب أمراضًا خطرة في الجهاز التنفسي وضيق النفس، بالإضافة إلى أمراض السرطان”.

وسجل العراق خلال عام 2022 أكثر من 37 ألف حالة إصابة بالسرطان، وهو رقم مرتفع مقارنةً بالسنوات الثلاث التي سبقته، والتي تراوحت الإصابات فيها بين 31 و35 ألف حالة، بحسب أرقام وإحصائيات حكومية.

عرض مقالات: