منذ سبعة وعشرين عاما، والعراق عاجز عن إجراء تعداد سكاني، برغم إعلان الحكومات المتعاقبة مساعيها لإتمام ذلك، لما له من أهمية في تحديد ووضع الخطط التي تستهدف التنمية المستدامة في مختلف القطاعات،  وضرورته لكافة الميادين الاخرى، الأمر الذي جعل تلك الحكومات تعتمد تقديرات وزارة التخطيط لعدد السكان ومعدلات النمو.

وفي تموز 2023، أعلنت وزارة التخطيط أن عدد سكان البلاد يقدر بأكثر من 43 مليونا بنسبة نمو سنوي للسكان تبلغ 2.5 بالمائة.

وأجرى العراق، عام 1997، تعداده السكاني الأخير، بعملية شابتها الكثير من المشاكل، اذ لم يشمل الاستطلاع إلا 15 محافظة، مستثنياً محافظات إقليم كردستان، الأمر الذي دفع بعض الباحثين لعدم الاعتراف بنتائجه والاكتفاء ببيانات الإحصاء الذي سبقه بعشر سنوات، والذي شمل كافة محافظات العراق.

وكانت وزارة التخطيط قد حددت يوم 20 من تشرين الثاني المقبل موعدا لإجراء التعداد العام للسكان.

 

4 شركات جديدة

ومع اقتراب الموعد، أبرمت التخطيط، في نيسان الجاري، أربعة عقود مع شركات عالميَّة متخصصة لإجراء التعداد السكاني إلكترونياً.

وأطلقت الحكومة الحالية الوثيقة الوطنية للسياسة السكانية، والتي تضمنت احد عشر محوراً، غطت مفاصل حياة الانسان من الطفولة للكهولة، وتم رصد ما يقارب 100 مليار دينار عراقي ضمن الموازنة العامة خلال العام الماضي، بالرغم من ان الحاجة المالية تصل الى 300 مليار دينار عراقي لإتمام عملية إجراء التعداد السكاني لعموم محافظات العراق، وفق وزارة التخطيط.

وأكدت التخطيط، أن «التعداد سيكون شاملا ويساهم في إحصاء كل شيء ويعطي الأرقام الحقيقية للسكان والتنامي الحاصل وتحديد أعمار السكن والفئات بين الذكور والإناث وكذلك إحصاء المشيدات»

يقول المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي: أن هيئة الإحصاء والنظم الجغرافية أبرمت عقودًا مع أربع شركات عالمية متخصصة لإنجاز العمليات الخاصة بالتعداد السكاني، من جنسيات أميركية وفنلندية وكندية وصينية.

ويضيف الهنداوي في تصريح خصّ به «طريق الشعب»، أن «لكل شركة مهام محددة؛ إحدى الشركات ستتولى مهمة توفير الأجهزة اللوحية، حيث سيتم تصنيع الأجهزة التي يتجاوز عددها 130 ألف جهاز لوحي لإجراء التعداد إلكترونياً، وشركة أخرى تتولى إقامة مركز عمليات التعداد. وثالثة تتكفل عملية إنشاء مركز الاتصالات. أما الرابعة فمهمتها إعداد البرمجيات والتطبيقات الخاصة بالتعداد العام للسكان».

ويتابع الهنداوي، أن «جميع الشركات باشرت العمل فور توقيع العقد معها»، مؤكدا أن «التعداد سينجز ضمن التوقيتات الرسمية المحددة».

حاجة ملحة

ومن وجهة نظر اقتصادية، يقترن تحقيق الرفاهية المُجتمعية على مختلف المستويات والقطاعات بما سيُحققه التعداد السكاني من توزيع عادل للثروات على الشعب، حيث يشير الخبير الاقتصادي عبد الرحمن الشيخلي، إلى أهمية إتمام التعداد السكاني في العراق، لما لهذه الخطوة من أثر إيجابي على جوانب متعددة من الاقتصاد الوطني. حيث لا يمكن تقدير الحاجات الحقيقية للمناطق وتخصيص الموارد لها بدقة من دون معرفة الأعداد الفعلية للسكان.

ويقول الشيخلي في حديث مع «طريق الشعب»، أن «عدد السكان في العراق يبلغ اليوم اكثر من 43 مليون نسمة، ما يشير الى وجود حاجة ملحة لاحتسابهم في جميع جوانب الحياة اليومية، وتخصيص الموارد والخدمات بشكل دقيق وعادل».

وفي ما يتعلق بالتحديات السياسية والاقتصادية، يؤكد الشيخلي أن «الجانب السياسي لعملية التعداد يتفوق على الجوانب الاقتصادية»، داعيا إلى ضرورة إجراء التعداد بعيدا عن الأجندات الطائفية والعرقية».

ويشدد الشيخلي على ضرورة أن يساهم إتمام التعداد في «وضع خارطة طريق مستقبلية لمدة عشر سنوات قادمة، مع إعطاء صورة واضحة وغير ضبابية لرسم السياسة المستقبلية واحتساب كافة التفاصيل»، لافتا الى ان غياب التعداد خلال السنوات السابقة سبب عددا من المشاكل، منها وجود خريجين فائضين عن الحاجة، حيث تغيب الأرقام المتعلقة بالحاجة الحقيقية للتخصصات الدراسية».

معارضات

وبالرغم من أن خطوات الحكومة الحالية تبدو أكثر جدية لإجراء التعداد السكاني بعد فشل جميع المحاولات السابقة، ومع إقرار رئيس مجلس الوزراء الوثيقة الوطنية للسياسات السكانية التي تهدف للتنمية، يرى مراقبون أن هناك من يحاول منع إجراء التعداد لمصالح خاصة.

يرى المحلل السياسي علي البيدر أن «التعداد السكاني هو حاجة وضرورة لتسيير شؤون وحياة الشعب والدولة بشكل جماعي، ولا تتعلق بمزاج سياسي أو رغبة حزبية»، مشيرا الى ان الرغبة الأساسية في إتمام التعداد تتعلق بعدم امتلاك «البلاد إحصائيات دقيقة حول العديد من التفاصيل الحياتية في العراق، ما يجعل الجميع يعتمد على التقديرات والتخمينات».

ويقول البيدر في حديث مع «طريق الشعب»، أن هناك اعتراضات سياسية ومكوناتية، لأن التعداد السكاني قد يكشف النسب والإحصائيات الحقيقية التي تشكل أساس النظام السياسي في البلاد، ما يتعارض مع التقديرات الحزبية التي تعتمدها القوى المتنفذة في اطار المحاصصة.

ويوضح أن التعداد السكاني يسهم في تحسين نوعية التخطيط ويمنع حالات الفساد وهدر المال العام. كما يعزز ثقة المواطن بالنظام السياسي، مشيرا الى انه «خلال السنوات السابقة استخدم عدد من الحجج التي حالت دون إتمام التعداد السكاني، لكن الان لا يوجد أي عذر مقنع يمكن ان يستخدم من قبل أي طرف لمنعه مجددا».

عرض مقالات: