على الجسور العتيقة وسط العاصمة بغداد كتب الكثير من القصص التي تعود أحداثها الى حقب مختلفة، لكنها اليوم تنتظر من يكتب لها قصتها المأساوية مع الاهمال الحكومي المتعاقب.

 تاريخها

يقول محمد جنيد، باحث في الشأن التاريخي، أن «تاريخ الجسور في العاصمة يشكل جزءا مهما من تطور المدينة عبر العصور»، مشيراً إلى أنّ «الحضارة العراقية وخلال فترة حكم العباسيين، شهدت بناء أول جسر على نهر دجلة، حين اهتموا بالري، وعملوا على صفّ القوارب، وربطها بالحبال ليعبر عليها الناس، وليتنقلوا بماشيتهم ودوابهم بين الرصافة والكرخ».

يشار الى ان هناك 13 جسرا في العاصمة، كل منها يحمل قصة وتاريخا خاصا يبدأ من الألف الثالث قبل الميلاد.

ويشير جنيد في حديث مع «طريق الشعب»، أنه «على مر العصور، كان بناء الجسور في العراق ضرورة للتواصل بين الأحياء على طول مجرى النهرين دجلة والفرات، وأن اكثر من اهتم بذلك هم العباسيون».

ويتابع أنه «في العصر الحديث بدأ الاهتمام ببناء الجسور يتزايد، خاصة مع الحاجة العسكرية إلى تسهيل حركة القوات وتمرير السلع»، مشيرا الى ان «عام 1939 شهد افتتاح اول جسر حديث في بغداد، أطلق عليه «جسر المأمون» ثم سمي لاحقا (جسر الشهداء)»، بعد ثورة 14 تموز التي أدت إلى قيام الجمهورية العراقية عام 1958، وذلك تخليداً للشهداء الذين سقطوا من على هذا الجسر خلال فترة حكم النظام الملكي، حيث احتجت التظاهرات على معاهدة «بورت سموث» التي أبرمتها الحكومة العراقية آنذاك مع بريطانيا.

 معابر لمتظاهري تشرين

ويشير إلى انه «خلال التظاهرات التي اندلعت في تشرين الاول 2019، تحولت الجسور إلى معابر للمحتجين، وسقط فوقها العديد من المنتفضين، حتى بعد إغلاق الحكومة لتلك الجسور بحواجز كونكريتية».

وطبقا للمتحدث، فان العباسيين هم أوّل من اهتموا ببناء الجسور على نهر دجلة، وسبقهم البابليون في بنائها على الفرات في الضفة الغربية من وادي الرافدين التي يُطلق عليها المؤرخون (ميسوبوتامايا)، وهي بلاد ما بين النهرين.

 إهمال

من جانبه، شرح ليث علي (اختصاص هندسة طرق وجسور)، أهمية الجسور وسبب استخدامها، قائلا إنها «استخدمت الجسور في السابق لتسهيل حركة ونقل الجنود والقطعات العسكرية بين الأحياء المختلفة في بغداد. كما ان الفيضانات المتلاحقة أفرزت الحاجة لانشاء هذا الجسور، بالإضافة الى تسهيل نقل السكان بين المناطق».

وأوّل جسر لعبور العربات اُفتتح عام 1902 ببغداد، في عهد الوالي نامق باشا، ويرتكز على دعامات من القوارب الخشبية لكن أحرقه الأتراك في أثناء محاولتهم منع تقدّم الجيش البريطاني الذي احتلّ بغداد عام 1917.

ويقول علي لمراسل «طريق الشعب»، إنّ «الإهمال الذي تعانيه الجسور لا يقل عن الإهمال الذي تتعرض له الطرق والشوارع، حيث يفتقد التأهيل».

ويضيف، ان جسر الأحرار يمكن أن يخرج عن الخدمة في أية لحظة، نتيجة الاهمال، مؤكدا ان هناك ضرورة لتفعيل دور الرقابة على بنية الجسور القديمة للتأكد من سلامتها وتأهيلها، حفاظا على تراثها.

ويروي علي قصة ترتبط بتسمية جسر الأئمة، حيث يقول: «عند بناء الجسر في عام 1957، أراد أهالي الأعظمية تسميته باسم منطقتهم، لكن سكان الكاظمية اعترضوا على ذلك وأصروا على تسميته وفق منطقتهم الخاصة، وحلا لهذا الخلاف، قررت الحكومة آنذاك تسميته بطريقة ترضي الجميع، وبعيدًا عن الخلافات، فاختارت تسميته بـ (جسر الأئمة) لإنهاء الجدل المستمر.»

 جسور جديدة

وبعد سنوات طويلة، قررت الحكومة الحالية بناء عدد من الجسور ضمن مبادرتها لتخفيف الازدحام المروري.

يقول المتحدث باسم وزارة الإعمار والإسكان، نبيل الصفار، إنه «في ما يتعلق بالجسور العابرة لنهر دجلة، فإن الحزمة الأولى تشمل مشروعين؛ الأول هو جسر غزة الذي بدأ العمل به في شهر تشرين الثاني من عام 2023، ويربط شارع الشركات بمنطقة الحارث بالكلدة. ويتضمن المشروع الثاني جسر الجادرية الذي بدأ العمل به في بداية العام 2024، وسيكون جسرًا عابرًا لنهر دجلة».

ويضيف في حديث خصّ به «طريق الشعب»، أنه «على الرغم من وجود ثلاثة عشر جسرًا عابرًا لنهر دجلة في بغداد حاليًا، إلا أن الحكومة تخطط لإنشاء مزيد من الجسور ضمن الحزمة الثانية من المشاريع، بهدف تحسين التنقل وتقليل الازدحام المروري في المدينة. وتشمل هذه المشاريع جسرًا بموازاة جسر الصرافية، الذي تم الإعلان عنه أثناء افتتاح مجسر فائق حسن، وجسرًا يعبر من منطقة الكرخ إلى الرصافة، ما يسهم في تطوير المنطقتين وتحسين حركة المرور».

عرض مقالات: