اخر الاخبار

ضمن فعاليات مهرجان "طريق الشعب" التاسع، ضيّفت خيمة الندوات الرفيق رائد فهمي، سكرتير اللجنة المركزية للحزب الشيوعي العراقي، للحديث عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية في العراق، وتطورات العدوان الصهيوني على دول المنطقة.

أدار الحوار معه الإعلامي صالح الحمداني.

تحدث الرفيق فهمي عن أبرز التحديات التي تواجه الشيوعيين والقوى الوطنية والديمقراطية على طريق تحقيق التغيير المنشود في منهج إدارة الدولة وبناء مؤسساتها، كما أشار إلى القلق   من امتداد العدوان الصهيوني ليشمل دولًا أخرى، من بينها العراق. وفي أدناه نص الحوار:

صالح الحمداني: في هذه المناسبة الجميلة أقول: تُعتبر جريدة طريق الشعب واحدة من أهم الصحف، إن لم تكن الأهم في تاريخ العراق. نحن كصحفيين وإعلاميين نعتز بهذه الصحيفة المهمة، بكتابها وأساتذتنا والرجال المناضلين الذين كتبوا فيها. اللقاء مع الشيوعيين له طعم خاص.

أنا صالح الحمداني، صحفي في قناة العراقية، وأَنحدر من سوق الشيوخ ومدرس في أحد الأحياء الريفية في كربلاء، أشعر بأني قريب من الشيوعيين، أصدقائي وأساتذتي. هناك من يقول لنا إننا يساريون بالفطرة بسبب ميولنا ومطالبنا، ولذلك نشعر بأنهم الأقرب إلينا، وقد لا نصل إلى نضالهم، لكن نحاول أن نقتدي بهم.

هذا لا يعني أن الندوة ستكون فيها مجاملات للأستاذ رائد فهمي، فهي ندوة إعلامية سنطرح فيها الكثير مما يخص الحزب ومستقبله وحرية التعبير والأحداث التي تجري الآن. وكما تعلمون، كما للسياسيين كواليسهم، فإن للصحفيين والإعلاميين أيضاً كواليس. وبسبب ما يحصل في العراق الآن، لا يُنقل الكثير من الأحداث ولا يعلم بها الناس، وهذه النقطة التي سنفتتح بها الجلسة مع رائد فهمي، عن رؤية الحزب الشيوعي بما يخص وضع حرية التعبير في هذه الأيام والسنتين الأخيرتين.

هناك خشية من الكلمة الحرة

رائد فهمي: شكراً للأستاذ صالح الحمداني على مقدمته الرائعة. هذا الاحتفال فرصة للاستمتاع بما هو موجود من فن وثقافة، ونأمل أن تكون الندوة غير ثقيلة على الحضور.

واقع الحريات وانحسارها يعززه الكثير من المعطيات، ولا يزال الصحفيون يتعرضون لأشكال متعددة من التضييقات، تصل إلى حد صدور عقوبات بحقهم وكذلك الدعاوى، وكأن هناك من يقف لهم بالمرصاد على الكلمة، ويحاسَب المتحدثون من الإعلاميين وغيرهم. نلاحظ أن أشكال حرية التعبير الأخرى، سواء التظاهرات أو الاحتجاجات، تتعرض للعنف غير المبرر، بالرغم من أنها تحمل الطابع السلمي.

السؤال المطروح هنا: حينما نتحدث عن الوضع الراهن والاستقرار الذي تؤكده الحكومة، وهي حكومة خدمات، وكذلك الحديث عن توجيه البلد إلى الأفضل، لماذا هذه الخشية من الكلمة الحرة والتعبير الحر؟ هذا يقودنا إلى أن هذا التضييق على الحريات لا يأتي عبثاً، حيث يبدو أن شبح تشرين يطوف في عقول قوى السلطة، ولذلك يخشون أن أي بدايات لظهور أي نشاط احتجاجي أو نشاطات حرة أو كلمة حرة يمكن أن يتطور إلى حركة أوسع. فلماذا يخشون من ذلك إذا كان الحديث الحكومي يؤكد أن الوضع مستقر وأن هناك إعمار وتنمية ومشاريع متتالية؟

هذا يعبر عن حقيقة أن الوضع السياسي والمنظومة الحاكمة في أزمة، ورغم كل هذا الحديث عن التطور والنمو والمشاريع وغيرها، نلاحظ أن الكثير من القضايا التي أطلقتها انتفاضة تشرين لا تزال حاضرة.

بالتالي، هم يخشون من الكلمة الحرة التي تسلط الضوء على الأوضاع وهموم الناس ومشاكلهم وتطلعاتهم، وتكشف الفجوة الكبيرة بين ما يقال ويتم تداوله وواقع الحياة. هذه الفجوة بدأت تنعكس في الثروة ونمط الحياة، فنحن لسنا أمام فجوة فقط، بل أمام واقعين مختلفين. ويبدو أن المنظومة الحاكمة تعيش في أبراج عاجية لا ترى الناس، هم ينظرون فقط إلى الواقع من خلال التمثيلات الذهنية، لكن ليس لديهم تصور عن الواقع المعيشي. في مناطق معينة، أصبحت لقمة الخبز صعبة على الناس، ناهيك عن توفير مدرسة جيدة أو تطبيب جيد وخدمات وسكن مناسبين. هذه النواقص يعاني منها الملايين. إذا أخذنا فقط العشوائيات، فإن أكثر من ثلاثة ملايين يعيشون هذا الواقع المزري.

أعتقد أن هذه الخشية من الكلمة الحرة ومن الحريات والحقوق الدستورية التي هم من وضعها، أصبحت يُنظر إليها كقيد عليهم خوفاً من إزاحتهم.

صالح الحمداني: بمناسبة ذكر انتفاضة تشرين ٢٠١٩، برأي الحزب، أين أخطأ وأين أصاب ممثلو تشرين الذين فازوا في البرلمان، وكذلك المستقلون؟

أهمية التواصل مع العمق المجتمعي

رائد فهمي: الانتفاضة ليست ملكًا لأي طرف، حزب أو شخص، فهي أكبر من الجميع بأبعادها المختلفة، وشهدت مشاركة جمهور واسع أعتقد أنه بالملايين، جزء منهم كان في ساحات الاحتجاج، وجزء تضامن بأشكال مختلفة. أما من فاز من الشباب في البرلمان، فالسؤال هو: هل كانوا أوفياء كليًا للانتفاضة؟ وهل أدّوا دورهم كاملاً في موقعهم كنواب من أجل تبني تشريعات تلبي مطالب تشرين؟

في الواقع، هناك فجوة بين التوقعات حول ما يمكن تحقيقه، وبين الممارسات الفعلية. السلطات القائمة حاولت خلال الانتفاضة وما بعدها قمع المحتجين بطرق مختلفة، منها العنف والاختفاء القسري والتهجير، إضافة إلى أساليب الترهيب الأخرى. يبدو أن للسلطة استحقاقاتها، ولا أعتقد أن المستقلين يمكن اعتبارهم جميعا ضمن صفوف المنتفضين التشرينيين. بعض النواب ربما كانوا مشاركين، وكنا نتوقع منهم مقاومة أكبر للإغراءات وتفاعلاً أفضل مع الحركة الاحتجاجية.

إذا لم يكن هناك ترابط بين العمل البرلماني والحراك الاحتجاجي، فمن الصعب تحقيق تقدم؛ فالعمل البرلماني وحده غير قادر على مواجهة الضغوط السياسية والمال السياسي الذي استقطب العديد من أنصار السلطة إلى البرلمان، بالإضافة إلى حالة العزوف الواسعة. لكن، الصوت لا يقاس بالعدد، وإنما بقدرته على التعبير عن هموم الناس ومطالبهم، وبعمق مجتمعي، مما يمنحه قوة مضاعفة تفوق الكم العددي.

هذه العلاقة بين العمل البرلماني والعمق المجتمعي، سواء من حيث القضايا التي يتبناها أو طريقة التواصل مع المجتمع، لم تتحقق بالشكل المطلوب. نعتقد أن أي عمل برلماني مستقبلي لن يتمكن من تحقيق شيء بمفرده؛ التغيير الجاد يتطلب تواصلاً مستمرًا مع العمق المجتمعي وضغطًا شعبيًا.

صالح الحمداني: ضمن الأربعين نائباً الفائزين في انتخابات ٢٠٢١، هناك شخصية بارزة تستحق الذكر، وهي النائب سجاد سالم، الذي تميز بمواقفه الشجاعة والصلبة، وهو من القلة الذين لم ينجرفوا إلى السلطة ومالها. فما هو رأيكم كحزب في هذه الشخصية البارزة بين المستقلين؟

نحذر من إغراءات السلطة

رائد فهمي: نحن خلال الحديث السابق لم نقلل من دور أي نائب في البرلمان، وقلت إنه كان من الممكن بذل جهد أكبر. قسم منهم استطاع أن يعبر عن مواقف معينة، منهم سجاد سالم، ونحن من الداعمين له، سواء فيما يتعلق بحصر السلاح بيد الدولة أو التجاوزات على الحقوق. نحن ندعم هذه المواقف سواء كانت من سجاد أو غيره. على سبيل المثال، بعض النواب برزوا في دعم مطالب تحالف 188 وكان لهم موقف جيد، وهذا نرحب به وندعمه ونتفاعل معه. نحن نؤيد أي شخص يتبنى مطالب الناس، سواء كان سجاد أو غيره.

الآن، حين تكون هناك مساومات وحسابات أخرى، نحن نحذر منها، وقد تكون هناك خطورة وإغراءات السلطة. حصانة النائب تكمن في أن تكون صلته وثيقة بالوسط الشعبي، وهي قوة مضافة ستعزز وجوده. حيث لا يُنظر له كنائب فرد أو يُحاصر بوسائل الدولة، أما النائب أو النائبة ذو الامتداد لعمق شعبي فسيكون له حساب آخر وكلمته مؤثرة، وحتى يكون عنصر ردع لمن يحاول الضغط عليه.

صالح الحمداني: تعديلات قانون الأحوال الشخصية التي وصلت إلى مرحلة التصويت بسلة واحدة مع قوانين أخرى وتأجلت الأمور، برأيكم بعيداً عما قيل في مختلف الوسائل والإعلام التعبوي والتحشيد للضغط، وهذه القضية تمس العائلة، ما الذي يجعل أعضاء البرلمان في 2024 يطرحون تعديلات على قانون الأحوال الشخصية؟ هل يوجد شيء نحن غير فاهمين له؟ هل فعلاً هناك مشاكل موجودة ونحن لم نطلع عليها أو هناك قضية معينة؟ سابقاً كانت القوانين تفصل على مقاسات المسؤولين، فهل هذا القانون له نفس الشيء؟ ما الذي يدعو إلى الإصرار على تغيير مثل هذا القانون؟

المنظومة الحاكمة تسعى إلى الهيمنة الثقافية أيضا

رائد فهمي: يبدو أن هناك نوعاً من محاولة الثأر من قانون 188 لعام 1959، فقد لاحظنا على مدى هذه العقود محاولات كثيرة لتغييره. إلى جانب ذلك، هناك نظرة إلى بناء المجتمع طائفياً وتكريس ذلك في بنية المجتمع ونقله إلى بنية الدولة. دعنا ننظر إلى زاوية أخرى، حيث أن المنظومة تمتلك العديد من السلطات، وتكاد تملك كل مفاتيح السلطة السياسية. وكذلك السلطة المالية في قطاع الدولة والقطاع الخاص لديهم المليارات، وحتى في الإعلام لهم اليد العليا، دون الحديث عن السلاح. لكن ما ينقص هؤلاء هو نوع من المشروعية. فمثلاً، حين لا يشترك أكثر من 80 في المائة في الانتخابات، فهو نوع من الرفض. ولا نقول إنهم كلهم يعبرون عن الرفض، لكن جزءا كبيرا منهم رافض لهذه المنظومة. وبالتالي فان القاعدة الاجتماعية للمنظومة لا تمثل أكثر من 10 في المائة، لأن الـ 20 في المائة قد صوتت لكل البرلمان ولكل الكتل. والملاحظ هنا رغم كل هذا النفوذ والصلاحيات، لكن قاعدتها ضيقة.

إذن، هم يريدون إلى جانب الهيمنة السياسية والمالية، يريدون الهيمنة الثقافية. هذا صراع مجتمعي موجه ضد هذا القانون، يدعون أن التعديلات لتلبية حاجة "الشيعة" وليس موضوع فئة معينة، ويريدون تكريسها قانونياً لتصبح سلطتهم لا ترتكز على السلطة السياسية فقط، بل هيمنة أيضا على البعد الثقافي.

يريدون التأسيس للبقاء ليس بناءً على الأغلبية في السلطة، بل بالعقول أيضاً. نحن لذلك نخوض صراعاً متعدد الأبعاد ليس في الجوانب السياسية فقط، وتحالف 188 أخذ هذه المهمة اليوم.

نذكر أن في هذا القانون بعد للدولة، ويردون إدخال عنصر المكونات الطائفية، وفي هذا الوقت يدفعون البلد والمجتمع إلى توسع قاعدة الهيمنة. لذلك، الصراع أوسع بكثير من موضوع النساء والحضانة أو غيره أو سن الزواج، وهي مهمة لكنها أوسع.

لذلك نلاحظ أنهم يمكن أن يقدموا تنازلات في هذه الجوانب، حيث بدأوا يتحدثون عن أنهم ليس لديهم مانع في أن يبقى سن الزواج الموجود في قانون 188، لكن لا يتراجعون عن وجود التعديلات التي تهدف إلى تقسيم المجتمع طائفياً. هذا هو الهدف الرئيسي، وهذا يبتعد عن مفهوم الدولة والمواطنة والدولة المدنية، وهذه خطورة التعديل.

صالح الحمداني: هل يؤكد هذا وجود بيئة حاضنة للتغيير السياسي في المنطقة أو في العراق؟ فالجميع يسمع عن تغييرات قادمة، وقد سمعنا ذلك مرارًا، لكن التغييرات تأتي غالبًا بطريقة سلبية. هل هذه القوانين تهيئ لحاضنة متشددة؟ وهل التغيير الذي يحدث قد يؤدي إلى انتكاسة إلى الوراء؟ هل هناك مؤشرات على أن الأطراف تستعد لتوجه أكثر تشددًا، وأن العراق وجنوبه قد يصبحان أكثر عزلة؟

مساع لتاجيج الصراعات الطائفية

رائد فهمي: عندما يحتدم الصراع، تضيق المساحة الوسطية ويحدث استقطاب مع تطرف الأطراف بمشاريعها الكاملة. حتى الصراع العربي الإسرائيلي، على مدى سنوات، كان يُدار في حدود تراعي الإمكانيات السلمية وقواعد اشتباك معينة لا يمكن تجاوزها. حتى عندما كانت إسرائيل تهاجم، كانت تضطر إلى التوقف عند حد معين. لكن اليوم، بعدما تم تجاوز جميع السقوف، أصبح هناك كلام يُقال لم يكن يقال سابقًا، حيث يقومون الآن بخطوات تضرب عرض الحائط مبادئ حقوق الإنسان.

إذا اعتبرنا الصراع صراع وجود، فإنك في هذه الحالة تحاول جمع قواك للحفاظ على مشروعك الأساسي، عندما تضيق المساحات الوسطية؛ فإما يحدث استقطاب، أو يكون هناك فرز. أرى أن هذه الخطوات إما أنها دفاعية أو أنها تحمل إشارات إلى ما هو أسوأ. دفاعية بمعنى أن سلطتهم مبنية على قاعدة ضيقة، ومع وجود رياح إقليمية ودولية وأزمات داخلية، يصبح هذا البناء هشًا. وبالتالي، يسعون لتوسيع هذه القاعدة بتأسيسها على أساس طائفي أوسع، يقفز على التمايزات الاجتماعية ويؤجج الصراع الطائفي، وذلك لتأمين الصمود أمام أي محاولات للتغيير. كما أن دفاعهم يظهر عبر تطبيق برنامجهم ورؤاهم بصورة تبدو أكثر حماسة واندفاعًا مما كانت عليه سابقًا.

صالح الحمداني: في سياق الحديث عن الصراع العربي الصهيوني، هناك حديث في الأوساط الصحفية لا يمكن الاستهانة به، حيث ظهرت معلومات تفيد بأن الإيرانيين قد يحاولون ضرب إسرائيل من العراق، وأن الإسرائيليين قد يردون على هذه الضربة. كما يتم الحديث عن وجود ورشة عمل في أربيل تستعد بالتعاون مع الأمم المتحدة لاستقبال النازحين من سنجار بسبب التحشيد هناك. هذه المعلومات قد تكون إعلامية فقط وربما غير دقيقة، إلا أن الحديث يدور حول تحشيد لضرب إسرائيل، وقد ينتج عن ذلك نزوح من هذه المناطق. ما هو رأي الحزب في كيفية تصرف الحكومة العراقية حيال هذا الوضع القادم حتى لا يصل الأمر إلى استهداف العراق بسبب توسع الصراع الإيراني الإسرائيلي؟

مقاومة الاحتلال الصهيوني مشروعة

رائد فهمي: نناقش هذا الموضوع من زاويتين: مبدئية وتكتيكية. أولاً، من الناحية المبدئية، إذا كان الحديث عن مقاومة الكيان الصهيوني، فإن المقاومة مشروعة، لأن الاحتلال الإسرائيلي يمارس العنف وينتهك أبسط المبادئ الإنسانية وحقوق الشعب الفلسطيني. والمقاومة تتعدد أشكالها، ونحن لا نرى ضرورة لحصرها في شكل واحد من أشكال النضال، كالكفاح المسلح، بل يجب أن تأخذ بعين الاعتبار الظروف والإمكانيات ولا تكون مجرد إرادة فردية. المقاومة ليست انتحارية، بل يجب أن تكون مستدامة.

إسرائيل لم تفتح أي إمكانية للشعب الفلسطيني للوصول إلى حلول سلمية، بل أغلقت الأبواب أمام المبادرات التي كانت قد وافقت عليها سابقاً، ما دفع الشعب الفلسطيني للدفاع عن نفسه، وخاصة بعد موجة التطبيع في دول المنطقة العربية. بذلك، إذا انعدمت البدائل السلمية، فإن الكفاح المسلح يصبح مشروعاً لعدم وجود خيارات أخرى. ولكن هل هذا يعني أن على كل الدول العربية خوض هذا الكفاح؟ بالتأكيد لا، فالشعب الفلسطيني نفسه لم يقتصر على الكفاح المسلح، بل تبنى أشكالًا مختلفة من النضال.

أما بالنسبة للنقطة التكتيكية، فيتعلق الأمر بكيفية تقديم العراق الدعم والتضامن مع نضال الشعب الفلسطيني. نحن نؤمن بإمكانية العراق استخدام أدوات الضغط السياسي والاقتصادي، مثل استغلال حجم استيراداته الكبيرة وعلاقاته التجارية مع الدول الكبرى، لتشكيل وسيلة ضغط لدعم حقوق الشعب الفلسطيني. هناك العديد من الوسائل المتاحة لتقديم الدعم حيثما أمكن.

قرار الحرب والسلم يتوجب حصره بيد الدولة

وفيما يخص قرار الحرب والسلم، فهذا القرار يعود للدولة، ومن غير المعقول أن تقوم جهة معينة بعمل ما دون أن تتحمل وحدها نتائجه، بل يتحملها البلد بأكمله. مثلاً، إذا ادعت إسرائيل وجود عمليات من داخل العراق، يجب على الدولة أن تكون واضحة بشأن استعدادها لتحمل هذا الأمر، سواء بالتأكيد أو النفي، فمن غير المنطقي أن تحدث عمليات من دون علم الدولة وقد تؤدي إلى ردود أفعال أشمل.

نحن نرى بضرورة التنسيق مع الدولة العراقية، وإذا كانت هناك شكوك حول جدية الحكومة أو اعتبارها متواطئة، فلابد من اتخاذ موقف تجاهها، كما حدث في فترات سابقة حين كان يُنظر إلى الحكومة على أنها متحالفة مع الاستعمار. أما أن يكون هناك تعاون معها في جوانب متعددة ثم تُتخذ إجراءات تؤدي إلى نتائج معينة يتحملها الشعب العراقي، فهذه معادلة غير منطقية.

حاليًا، يبدو أن الموقف الرسمي للحكومة العراقية وحتى قوى الإطار التنسيقي هو النأي عن المواجهة المسلحة مع تقديم أشكال أخرى من الدعم. ومن غير الواقعي أن تتبنى جهة أخرى موقفًا مختلفًا تمامًا دون موافقة الدولة، فهذا وضع غير مستقر.

إيران أعلنت أنها لن تستخدم الأراضي العراقية في عملياتها ضد إسرائيل، لكنها أكدت أنها سترد على أي اعتداء دون تحديد طبيعة الرد. هذا الوضع يتطلب وضوحًا؛ إذ لا يمكن أن يتحمل العراق ازدواجية الخطاب أو التحركات غير الرسمية. إذا كان هناك موقف مقاوم، فيجب أن يكون من الشعب العراقي ودولته، وليس من تنظيم أو جهات محددة.

صالح الحمداني: المشكلة في السياسة الإسرائيلية هي أنها تتبع أسلوبًا عدوانيًا غير متوقع، على عكس ما شهدناه من الجانب الأمريكي الذي يتبع نهجًا مختلفًا في ضرب الأهداف. فعندما نشاهد الاعتداءات على لبنان وغزة، نجد قسوة في تعامل إسرائيل بلا احترام لأي معايير، حيث دمرت أكثر من 30 بلدة بالكامل. ولو أن مواجهتنا معها تشبه طريقتها، ستكون التكلفة البشرية عالية للغاية.

ندعم مقاومة مشروع الشرق الأوسط الكبير

رائد فهمي: إحدى سمات الحرب الحالية أن نتنياهو، في ظل الواقع الجديد وأحداث صراع أكتوبر وطوفان الأقصى، يسعى إلى تصفية جذرية للقضية الفلسطينية، وليس مجرد تسويات، بما يحقق أهدافًا صهيونية. يعتقد أنها فرصة تاريخية للقضاء على القضية الفلسطينية بشكل يخدم مصالحه، متجاوزًا القيود الدولية، مما أدى إلى حرب إبادة بخصائص تلائمهم. في لبنان، يسعى إلى تهجير المنطقة الفاصلة بالكامل، وهو ما سيترتب عليه تكلفة بشرية كبيرة.

يستغل نتنياهو الظروف الحالية، إذ أن الموقف العربي ضعيف وغير قادر على اتخاذ موقف قوي، بينما حصل على دعم دولي من الولايات المتحدة وجزء كبير من أوروبا، وانشغال روسيا بأوكرانيا، والصين بقضايا أخرى. كل ذلك يعطيه نافذة سياسية للقضاء على القضية الفلسطينية. نحن ندعم أي شكل من أشكال المقاومة ويجب أن تستمر القوى المقاومة مثل حزب الله، لمنع تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، الذي يسعى لتحويل الصراع إلى بوابة اقتصادية تهيمن عليها إسرائيل مدعومة من الولايات المتحدة. هذا المشروع يشمل العراق، ويحظى بدعم قوى سياسية محلية نظرًا لمصالحها.

صالح الحمداني: رسالة السيد علي السيستاني الأخيرة، هناك اختلاف في تفسيرها. البعض يراها داعمة للحكومة، بينما يراها آخرون ناقدة للأداء الحكومي في الفترة الأخيرة، مشيرين إلى أنها توجيه لعدم استيفاء الالتزامات المطلوبة.

ما زال الفساد يعصف بمشاريع الدولة

رائد فهمي: رسالة السيد السيستاني الأخيرة، إذا أخذناها في سياقها، تدعو إلى حصر السلاح بيد الدولة، ووضع الشخص المناسب في المكان المناسب، ومراعاة مصالح الناس، وتقديم الخدمات، وانتقاد التدخلات الخارجية. رغم أن هذه المبادئ موجودة منذ 20 عامًا، فإنها تبرز كأن الحكومة الحالية لم تقم بشيء حيالها. فبينما يدّعون تحقيق الاستقرار وحل المشكلات، لا يزال الفساد يعصف بالمشاريع، ولا يمكن لأي حكومة جديدة النجاح دون تصحيح الهيكل الذي يمنع أي إدارة سليمة.

الحكومة قدمت إحصاءات تزعم تقليل الفقر وتوسيع برنامج الرعاية الاجتماعية، لكن هل وفروا للمواطنين العلاج المجاني، النقل، التعليم، والصحة؟ إن الفقر منظومة تتطلب تأمين متطلبات العيش الكريم، بينما نلاحظ اليوم تفاوتًا هائلًا، حيث يعيش بعض الأفراد حياة الترف، بينما يواجه آخرون ظروفًا معيشية صعبة.

نحتاج إلى تغيير شامل

ما نحتاجه ليس إجراءات جزئية بل تغييرا شاملا للنهج، خصوصًا مع بدء تشغيل مشاريع صناعية، فهذا جيد ولكنه لا يكفي. يجب إعادة هيكلة الاقتصاد العراقي بحيث لا يعتمد على النفط وحده. تنويع الموازنة عن طريق الضرائب والرسوم يضيف عبئًا على المواطن ولا يحل المشكلة بعمق.

المواطن بدء يفقد الثقة بالديمقراطية والمؤسسات ويشعر بعدم جدواها، فالحكومة تتشكل بناءً على توافق بين قادة، وليس وفق نتائج الانتخابات الحقيقية. هناك خطورة على مستقبل الديمقراطية في البلاد، حيث تتآكل الثقة الشعبية بالنظام الحالي، وقد يكون اللجوء لأساليب غير سلمية وديمقراطية خيارًا متاحًا للبعض.

مستقبل العراق في خطر ما لم يحدث تغيير جوهري في النهج. البلد يعاني من ظواهر فساد واسعة، حيث تحال المشاريع بتكاليف باهظة ويذهب الفارق إلى جيوب الفاسدين، مما يؤدي إلى استنزاف الموارد الوطنية دون تحقيق تطور فعلي في بنية الدولة.

صالح الحمداني: السؤال حول الحزب الشيوعي العراقي يشمل مستقبله وتحدياته الداخلية، بالإضافة إلى الحديث عن دماء جديدة تتواجد في بغداد والمحافظات، إذ نرى شبابًا يتبنون حكمة الكبار ونضالهم وصبرهم الذي اشتهر به الشيوعيون. فما هو المخطط للمستقبل وللمؤتمر القادم؟

علينا الوصول إلى شرائح مجتمعية أوسع

رائد فهمي: نعتقد أن البلاد بحاجة إلى حزب كالحزب الشيوعي، وهذه حاجة موضوعية وسط محاولات تكريس الانقسام والتفكك. العراق بحاجة إلى تبني المواطنة والمشروع الوطني والعدالة الاجتماعية، ويملك الحزب الشيوعي سجلًا نضاليًا طويلًا، ورجالًا خالين من الشوائب التي تلوث العديد من العناصر السياسية الحالية، وهذا ما يجعل الحزب حاجة موضوعية أحيانًا يشير إليها حتى غير الشيوعيين.

لكن هذا لا يعني أن الحزب الشيوعي لا يواجه تحديات كبيرة في التعامل مع واقع متغير سريعًا على الصعيدين العراقي والعالمي. نحن كشيوعيين نتبنى نظرية وفكرًا ثوريًا، لكننا لا نتعامل معه كفكر نصي ثابت يمتلك خارطة طريق أبدية، بل لدينا منهج تحليلي للواقع يقف في كل مرحلة ليرسم برامج وأهدافًا ووسائل لتغييره نحو الأفضل. لذلك، سياساتنا في حالة مراجعة دائمة من ناحية الأهداف والحلول، ومن ناحية الآليات والتكتيكات والاستراتيجيات؛ أي هناك عملية تجديد مستمر.

التجديد لدينا لا يقتصر على الشباب فقط؛ فليس كل شاب يحمل روح التغيير الإيجابي، ونرى حركات كثيرة يقودها شباب لكنها قد لا تحمل ديناميكية البناء الإيجابي. نرى التجديد كعملية تشمل ضخ دماء جديدة، وفي نفس الوقت تحديث النظرية، مع الحفاظ على منطلقاتها وثوابتها الأساسية، ولكن بناءً على دراسة دقيقة للواقع العراقي وإيجاد الحلول المناسبة واعتماد التكتيكات الملائمة.

الحزب الشيوعي هو من أكثر القوى ثباتًا في الدفاع عن عراق وطني وديمقراطي موحد، عراق يحترم جميع أطيافه ومكوناته ويوفر مشاركة متكافئة في إدارة شؤون البلاد. نحن ندعو إلى مفهوم المواطنة الذي يراعي التركيب القومي للعراق، بحيث يؤمّن مشاركة عادلة لكل القوميات، ويعكس الدستور العراقي جزءًا من هذه المفاهيم. إننا حريصون على ترسيخ المواطنة في إطار مشروع مدني وطني ديمقراطي.

لا لتنويع الاقتصاد على حساب المواطن

أما الاقتصاد العراقي، فإنه يسير باتجاه الرأسمالية بوتيرة متصاعدة، لكنها رأسمالية تعتمد على اقتصاد سوق غير منظم وتفتقد لآليات الإنتاج، ما يخلق التفاوت ويهدر العدالة التي تتحقق عادة من خلال دور الدولة، حتى في الدول الرأسمالية. وهنا يكمن الخطر؛ فالدولة في العراق ضعيفة، وكذلك ضوابط السوق غائبة، مما يحوّل السوق إلى مافيات، وهناك آليات لمركزة رأس المال والسلطة تُنتج أوليغارشيات تتحدث بالديمقراطية لكنها تستغلها بشكل جائر.

في ظل هذه المتغيرات، الحزب الشيوعي يواجه تحدي الانفتاح، فهو حزب منفتح، لكن ربما لم يكن انفتاحه بالقدر الكافي لخلق رأي عام مؤثر يحقق طموحات وآمال القواعد الشعبية. هناك مسؤولية على الحزب الشيوعي لتحقيق انفتاح أوسع للوصول إلى هذه الشرائح المجتمعية.

ما نعنيه بالانفتاح هو استهداف شريحة واسعة من المجتمع لها مصلحة حقيقية في التغيير، لكن هذه الشريحة مشتتة ومبعثرة، والمنظومة الحاكمة تسعى لمنع تجمعها عبر فرض قيود وضوابط تكبح حرية التعبير والتنظيم. لدينا تصور حول كيفية خلق توافق بين هذه الشرائح، ليتمكنوا من التعبير عن أنفسهم كقوة سياسية ومادية.

وفقًا لدراسة أعدها أحد الرفاق، شهد العراق ما بين 900 إلى 1000 حركة احتجاجية خلال العام الماضي، ما يدل على أن المجتمع يحاول التعبير عن نفسه، لكن لم يتحقق التعبير الكامل بطريقة سياسية متكاملة. إذا استطعنا جمع هذه الأصوات وتحويلها إلى تيار واحد وحركة واسعة، سنحصل على قدرات هائلة قادرة على إحداث تغيير جذري في البلاد.

عرض مقالات: