لم تعد البطالة في العراق مجرّد أزمة اقتصادية عابرة، بل أصبحت تحدياً بنيوياً يُهدد الاستقرار الاجتماعي والتنمية الاقتصادية. وعلى الرغم من التصريحات والوعود الحكومية المتكررة حول تراجع نسب البطالة، تشير الحقائق إلى عجز السياسات الاقتصادية عن تفعيل القطاع الخاص، وضعف الاستثمارات التي من شأنها خلق فرص عمل جديدة.
وفي المقابل، أدت التعيينات الحكومية العشوائية إلى تضخم الجهاز الإداري دون أن تسهم في حل المشكلة جذرياً، ومع غياب خطط التنمية المستدامة وضعف دعم المشاريع الصغيرة والمتوسطة، تبقى البطالة واحدة من أبرز القضايا التي تُفاقم معاناة الشباب العراقي.
مليون عراقي سنويا يحتاجون عمل
وفي تقرير لها حول نسب البطالة ومعدلات النمو، قالت صحيفة “ذا ناشونال” إن العراق بحاجة لخلق 350 ألف فرصة عمل جديدة كل عام، لمنع الزيادة السريعة في عدد العاطلين عن العمل، مبينةً أن أعداد من يدخلون إلى السن القانونية للعمل ويحتاجون إلى عمل، تزداد بنحو مليون شخص كل عام.
ووفقاً لتقريرٍ للبنك الدولي، فإن العراق يحتل المرتبة الـ 49 من أصل 50 فيما يتعلق بالضرائب والمنافسة في السوق وإفلاس الشركات، مؤكداً أن التحدي الأخطر الذي يواجه العراق هو النمو السريع في أعداد الباحثين عن عمل، ففي كل عام يكون هناك مليون عراقي في سن يسمح لهم بالعمل.
طريق التنمية.. رافعة للتشغيل
وفي سياق متصل، يقول المستشار المالي رئيس الوزراء، د. مظهر محمد صالح: ان "البطالة هي أحد الهواجس الكبيرة لدى السياسة الاقتصادية في الدولة، في بلد مثل العراق تتدافع الناس فيه اليوم على "الوظيفة العامة العاطلة" بغض النظر عن إنتاجيتها".
ويضيف صالح قائلاً لـ"طريق الشعب"، إنّ هذه المشكلة "يوجد لها حل عبر 3 اتجاهات: الاول هو ما توفره الدولة من وظائف ملحة في القطاع الصحي والامني والقضائي والتعليمي، والاتجاه الثاني هو مبادرات البنك المركزي وصندوق العراق للتنمية والمصارف، بمنح قروض لاقامة مشاريع بالاعتماد على النفس، مع توفير ضمان صحي للعاملين".
وبالنسبة للاتجاه الثالث قال انه "الاكبر والمهم، ويمثل استراتيجية طريق التنمية، اذ سنكون بحاجة ليس الى عمال عراقيين بل حتى أجانب، اذا ما توفرت الفرص الكاملة لتشغيل هذا المشروع الكبير والعملاق. واعتقد انه سيكون حينها رافعة للتشغيل في العراق بشكل كبير جداً".
وبيّن ان "تخفيف التدافع على العمل في القطاع الحكومي، يكون بمساهمة الحكومة وبدعم وتنشيط القطاع الخاص"، مبينا ان "للحكومة شراكة تمويلية بمنح ضمانات سيادية، لتحصيل قروض اجنبية لمشاريع صناعية، فنهضة الصناعة ستمتص 60 في المائة من القوى العاملة".
وخلص الى القول ان "الامل الكبير معقود على طريق التنمية، والذي سيؤدي الى نهضة بثلاث مدن صناعية، ومنطقتين اقتصاديتين، وهذا يحتاج الى قوة عاملة هائلة وملحقاتها، وترتبط بها كل الاعمال الثانوية والمكملة".
تحسين البيئة الاستثمارية
المتحدث الرسمي لوزارة التخطيط، عبد الزهرة الهنداوي، أكد أن "سوق العمل يستقبل سنويا من الخريجين حوالي 300 الف وربما اقل او اكثر، اضافة الى ما يدخل السوق من غير الخريجين، ممن يصلون الى سن العمل"، مبينا "اننا بالنتيجة نحتاج من 250 الى350 الف فرصة عمل، حتى نلبي حاجة الايدي العاملة الداخلة الى سوق العمل سنوياً".
وعلى مستوى السياسات قال الهنداوي لـ "طريق الشعب"، ان "التوجه الان صوب اعطاء مساحة اوسع للقطاع الخاص، ليكون قادرا على تحقيق شراكة في هذا الاتجاه، وتم تشكيل مجلس تطوير القطاع الخاص، الذي يرأسه السيد رئيس الوزراء، ويضم ممثلين عن كل الفعاليات الاقتصادية المنضوية تحت لواء القطاع الخاص، ويتكون من 33 عضوا، وهؤلاء الاعضاء من كل الانشطة والفعاليات الاقتصادية الموجودة في القطاع الخاص".
واكد، ان هناك جهدا حكوميا من أجل تحسين البيئة الاستثمارية في العراق، لتكون أكثر جذباً للمستثمرين على المستويين المحلي والخارجي؛ فكلما كانت هناك حركة استثمارية جيدة في البلد، يتولد لدينا المزيد من فرص العمل للشباب".
واشار الى انه "من المتوقع في ضوء الرؤية والمعطيات الموجودة، أن يوفر القطاع الخاص فرص عمل مناسبة ومهمة، بالاضافة الى المشاريع التي توجهت اليها الدولة، من بينها مشروعا طريق التنمية وميناء الفاو الكبير، ومشاريع المدن السكنية والطرق الحلقية، التي من شأنها أن توفر فرص عمل لائقة للكثير من العاطلين".
وذكر الهنداوي ان "نتائج التعداد العام ستشكل مدخلا مهما للسياسات والخطط و الاستراتيجيات التنموية، لان هدف التعداد تنموي بالدرجة الأولى. ونريد من خلاله أن نؤشر على الفجوات التنموية ومواطن الخلل، وفقا للتركزات السكانية والمزايا المكانية لكل محافظة، فعلى اساسها يتم وضع خطط وسياسات للاستفادة من هذه المخرجات في معالجة المشكلات".
ما هي الحلول؟
من جهته، انتقد المختص بالشأن الاقتصادي صالح الهماشي، عدم قدرة الحكومة على خلق فرص عمل حقيقية للباحثين عنها.
وأضاف الهماشي لـ"طريق الشعب"، أن "سبب هذه المشكلة هو ان الحكومة ما زالت غير قادرة على خلق فرص عمل. وهنا لا نتحدث عن فرص عمل في القطاع العام، بل بتفعيل القطاع الخاص ومنح شهادات استثمار لمشاريع حقيقية، فنسبة 70 في المائة من الاستثمار اليوم ترفيهي، وغير قادر على تغطية هذا العدد الكبير من الايدي العاملة".
وشدد في سياق حديثه على ضرورة ان "تضع الحكومة خطة لجذب استثمار قادر على امتصاص هذا الكم الهائل من الأيدي العاملة سنوياً، وأن توضع خطة خمسية لتوفير كم كبير من فرص العمل، من خلال مشاريع مهمة تحقق هذا الهدف".
وخلص الى ان "صانع القرار حتى اللحظة ليس لديه هذه القدرة والخطة، عدا تخطيط ارتجالي، لم يثمر توفير فرص العمل لجيش العاطلين الذي يُفوج سنوياً".