يشكو الصيادون في العراق من تدهور أوضاعهم بسبب أزمة الجفاف وانخفاض منسوب الأنهار، الأمر الذي أدى إلى تقلص الثروة السمكية وجعل الصيد أقل جدوى اقتصادية. ويرى الكثير منهم أن الحكومة لا تقدم أي دعم حقيقي لهم، مكتفيةً بإصدار التراخيص دون توفير حلول للأزمة المتفاقمة.
التغيرات المناخية
حذر الصياد والكايد السياحي، رسول نوري، من التداعيات الخطيرة للجفاف الذي يضرب العراق على الثروة السمكية وصيادي الأسماك، مشيرًا إلى أن انخفاض منسوب الأنهار والجفاف المتزايد أديا إلى تراجع أعداد الأسماك بشكل ملحوظ، ما يهدد الأمن الغذائي ومصدر رزق آلاف العائلات التي تعتمد على الصيد.
وقال لـ "طريق الشعب": "إن شح المياه والتغيرات المناخية، بالإضافة إلى السياسات المائية الإقليمية، أدت إلى تقلص المسطحات المائية، مما تسبب في ارتفاع نسبة الملوحة في بعض المناطق، وهو ما أثر سلبًا على التنوع الحيوي للأسماك وأدى إلى نفوق أعداد كبيرة منها".
واشتكى قائلاً: "يبدو أننا لسنا عراقيين، فلا وزارة الموارد المائية تلتفت لمعاناتنا، ولا دول الجوار ترحم عطش أراضينا".
وأضاف أن "الصيادين في مناطق مثل الأهوار ونهر دجلة والفرات يواجهون صعوبات غير مسبوقة، حيث أصبح الصيد أكثر صعوبة وأقل جدوى اقتصاديًا، ما دفع بعضهم إلى ترك المهنة والبحث عن مصادر رزق أخرى، بينما لجأ آخرون إلى أساليب غير قانونية مثل الصيد الجائر لتعويض الخسائر".
وأكد أن "المياه جفت نهائيًا في هور الحويزة، كما أن الإمدادات التي كانت تأتي من إيران تحولت إلى البصرة".
وأشار إلى ضرورة اتخاذ إجراءات عاجلة لمواجهة هذه الأزمة، بما في ذلك إدارة الموارد المائية بشكل أكثر كفاءة، والتعاون مع الدول المجاورة لضمان الحصص المائية، وتشجيع مشاريع الاستزراع السمكي كبديل مستدام للحفاظ على الثروة السمكية وضمان استمرارية مهنة الصيد في العراق.
جفاف قاس
ويشكو الصياد علي الزبيدي من غياب الدعم الحكومي للصيادين، مشيرًا إلى أن الحكومة تكتفي بمنح التراخيص لممارسة الصيد دون تقديم أي دعم فعلي لهم. ويؤكد الزبيدي لـ "طريق الشعب" أن "الأزمة المائية تفاقمت بشكل كبير، مؤثرةً على الصيادين بنسبة تتجاوز 50 في المائة، حيث كانت بعض المناطق مثل هور الدلمج سابقًا تزخر بالمياه صيفًا وشتاءً، ما أتاح لمئات الصيادين الاعتماد على الصيد كمصدر رئيسي للرزق. إلا أن هذه المناطق تعاني من الجفاف القاسي للعام الثالث على التوالي، ما أدى إلى هجرة أغلبية الصيادين الذين كانوا يعتمدون على هذه المسطحات المائية في معيشتهم".
ويشير إلى أن "جهات تنتمي لأحزاب متنفذة تسيطر على 60 في المائة من المسطحات المائية في هور الدلمج بدعم من بعض الجهات الحكومية، مما يؤدي إلى تفاقم الأزمة. فقد أصبحت الأهوار بمثابة "محميات" تسيطر عليها أطراف معينة، وتتحكم بالأنهار والموارد المائية لصالحها، ما يمنع الصيادين المستقلين من الوصول إلى المياه لممارسة عملهم، بالإضافة إلى هجرة المئات من الصيادين بسبب تلك الجهات".
إلى جانب ذلك، تمارس ذات الجهات أفعالًا غير قانونية، حيث يُستخدم الصيد الجائر على نطاق واسع، ليس فقط لاستهداف الأسماك، بل أيضًا لصيد الطيور وبيعها في الأسواق بشكل غير منظم.
ويؤكد الزبيدي أن "في بعض البحيرات داخل الأهوار، يتم اصطياد ما لا يقل عن 200 طائر يوميًا باستخدام طرق صيد غير مشروعة تُعرف محليًا بـ "الدوشة".
ويتابع: "حاليًا، يواجه هور الدلمج وغيره من الأهوار الجنوبية وضعًا حرجًا، حيث لم يتبقَ سوى القليل من مياهه، في حين أن بعض الأهوار الأخرى قد جفت تمامًا. وتعتمد معظم الأهوار في جنوب العراق على المياه القادمة من إيران، إلا أن التغيرات المناخية وسياسات إدارة المياه في المنطقة أدت إلى نقص حاد في التدفقات المائية، ما فاقم من الأزمة".
رؤية جمعية منتجي الأسماك
يؤكد رئيس الجمعية العراقية لمنتجي الأسماك، إياد الطالبي، أن "الصيادين في العراق ينقسمون إلى فئتين؛ الأولى تشمل الصيادين الذين يعتمدون على الصيد في دجلة والفرات والمبازل وفق شروط محددة، منها نوع الشباك المستخدمة وطريقة الصيد، لضمان الحفاظ على الثروة السمكية. أما الفئة الثانية، فتضم الصيادين الذين يلجأون إلى الصيد الجائر بوسائل غير قانونية، مثل استخدام الكهرباء والسموم، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للبيئة المائية. هؤلاء الصيادون يواجهون ملاحقة من قبل الشرطة والقوات الأمنية نظرًا لما يسببه نشاطهم من أضرار جسيمة".
ويتابع بالقول: "أما النوع الآخر من الصيادين، فهم الذين يعملون في المزارع السمكية الخاصة، حيث يتم استئجارهم من قبل أصحاب المزارع بأجور يومية أو وفق نظام الدفع على أساس الوزن. هؤلاء الصيادون يستخدمون أنواعًا مختلفة من الشباك، ويقومون بعملية الصيد والتنظيف والوزن قبل تحميل الأسماك إلى الأسواق. غير أن القرارات الحكومية الأخيرة، وخاصة المتعلقة بردم الأحواض السمكية التي تعتمد على مياه المبازل، أثرت بشدة على هذه الفئة، ما أدى إلى فقدان عدد كبير من فرص العمل.
ويشير الطالبي لـ "طريق الشعب" إلى أن "أكثر من مليوني شخص كانوا يعملون في قطاع تربية الأسماك، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، حيث كانت العديد من العائلات تعتمد على هذه المهنة، مشيرًا إلى أن المزارع السمكية، خاصة تلك التي تستخدم مياه المبازل، كانت توفر فرص عمل لمختلف الفئات، بدءًا من الصيادين والناقلين، مرورًا بأصحاب معامل الأعلاف، وانتهاءً بالعمال في المطاعم ومحال بيع وشواء الأسماك". وأضاف أنه "مع تقليص المساحات المخصصة للمزارع السمكية نتيجة قرارات الردم، فقدت هذه الشرائح مصدر دخلها، ما خلق فراغًا اقتصاديًا كبيرًا".
ويؤكد الطالبي أن "تراجع الإنتاج أدى إلى ارتفاع أسعار الأسماك بشكل ملحوظ، حيث ارتفعت الأسعار من 3,000 إلى 4,000 دينار إلى 8,000 إلى 9,000 دينار، وهو ما انعكس سلبًا على المستهلكين، وفتح المجال أمام زيادة الاستيراد لتعويض النقص في الإنتاج المحلي". وعلى الرغم من أن تطبيق القوانين أمر ضروري للحفاظ على الموارد المائية، إلا أن الطالبي يشدد على ضرورة دراسة موضوع ردم الأحواض السمكية بعناية، خاصة تلك التي تعتمد على مياه المبازل والنهر الثالث، والتي تنتهي إلى البحر دون الاستفادة منها.
ويرى الطالبي أن هناك إمكانية لاستخدام هذه المياه في تربية الأسماك بدلاً من هدرها، ما قد يساهم في إعادة تشغيل قطاع المزارع السمكية وتوفير فرص عمل جديدة للصيادين والعاملين في القطاع، دون التأثير على المياه العذبة المخصصة للزراعة والشرب.