تواجه محافظة واسط تحديات بيئية واقتصادية حادة، تهدد استدامة قطاع الثروة الحيوانية في المنطقة؛ فبسبب شح المياه وارتفاع أسعار الأعلاف، يعاني مربو المواشي من تراجع كبير في إنتاجهم، ما يضعهم في موقف بالغ الصعوبة، ويهدد الأمن الغذائي المحلي. كما أن غياب الدعم الحكومي، خصوصًا في ما يخص توفير الأعلاف والأدوية، يزيد من معاناة المربين، في الوقت الذي تتزايد فيه المنافسة من المنتجات المستوردة التي تضغط على القطاع المحلي.
شحّ مائي
أركان مريوش، مدير زراعة محافظة واسط، قال إن "القطاع الزراعي في العراق، وخاصة في محافظة واسط، قد تأثر بشكل كبير بسبب الشحة المائية التي يعاني منها البلد منذ سنوات، ما أثر بشكل مباشر على الإنتاج النباتي والحيواني في المنطقة".
وأضاف مريوش في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "المحافظة تمتلك أراضي زراعية واسعة، إلا أن خططها تقتصر حاليًا على حوالي 550 ألف دونم فقط، وهو ما يمثل نحو 20 في المائة من المساحة الزراعية المتاحة. ويعود ذلك إلى الشحة المستمرة في المياه، حيث كانت المساحات الزراعية في السنوات السابقة أكبر بكثير بفضل وفرة المياه".
وتابع، أن "الشح المائي يؤثر على جميع جوانب العملية الزراعية، سواء في الإنتاج النباتي أو في قطاع الثروة الحيوانية. حيث أن نقص المياه أثّر بشكل كبير على المراعي الطبيعية، ما جعل المربين يواجهون صعوبة في توفير الأعلاف والمراعي للحيوانات، وهو ما أدى إلى انخفاض أعداد المواشي في المحافظة. وتابع قائلًا: "في السنوات الماضية كانت أعداد الحيوانات تصل إلى مليون رأس، لكن الآن هذه الأعداد بدأت في التناقص بسبب الشحة المائية ونقص الأعلاف".
وواصل مريوش القول: أن القطاع الزراعي في المحافظة يواجه تحديات جسيمة، خاصة مع غياب الأمطار في المناطق الشرقية التي تحتوي على المراعي الطبيعية، ما يجعل من الصعب تلبية احتياجات القطاع الحيواني. كما أشار إلى أن السياسة الزراعية في البلد تفتقر إلى استراتيجية واضحة لدعم هذا القطاع الحيوي.
وأشار إلى أن القطاع الزراعي والحيواني يعدان من الركائز الأساسية للاقتصاد المحلي في المحافظة، حيث يوفران فرص عمل، ويسهمان في الأمن الغذائي للمجتمع المحلي، مشددا على أهمية استمرار الجهود من قبل الحكومة الاتحادية والحكومة المحلية في توفير الدعم اللازم لاستدامة هذا القطاع المهم.
وفي ختام حديثه، دعا مريوش إلى اتخاذ حلول فعالة وسريعة لتجاوز التحديات التي تواجه القطاع الزراعي والحيواني في المحافظة، بهدف الحفاظ على استدامته وتوفير المنتجات الاقتصادية التي تساهم في تحسين مستوى المعيشة للسكان المحليين.
قلة الأدوية واللقاحات
محمد غازي فهد، رئيس مهندسين زراعيين ومدير قسم الخدمات الحيوانية، وصف محافظته بأنها من المحافظات المتميزة في قطاع الثروة الحيوانية مقارنةً بغيرها، حيث تضم مختلف أنواع الثروة الحيوانية من دواجن وأسماك، إضافة إلى المواشي مثل الأبقار والجاموس والأغنام والماعز والإبل.
وبيّن فهد في حديث لـ "طريق الشعب"، انه "رغم هذه الأهمية، إلا أن هذا القطاع يواجه تحديات كبيرة أبرزها نقص الأعلاف وعدم توفر الدعم الكافي لها، ما قد يفاقم الأعباء على المربين، إلى جانب المنافسة الشديدة من المنتجات المستوردة. كما تعاني المحافظة من شحٍّ في الموارد المائية، ما يؤثر سلبًا على المراعي الطبيعية التي يعتمد عليها مربو الماشية في تغذية حيواناتهم".
وأشار فهد إلى أن "قلة الأدوية واللقاحات المستوردة من دول مختلفة تثير مخاوف بشأن انتشار الأمراض التي تهدد الثروة الحيوانية. كما أن ارتفاع أسعار الوقود يشكل عائقًا إضافيًا أمام استمرار الإنتاج، حيث يُباع لتر مادة الكاز لأصحاب المشاريع الحيوانية بسعر 750 دينارا".
وزاد بالقول: ان "مزارعي الأسماك في البحيرات الطينية، يواجهون بدورهم مشكلة شح المياه وتطبيق نظام الرَّي الحصصي المفروض على المزارعين، ما يحد من قدرتهم على تربية الأسماك بكفاءة".
وفي ختام حديثه، شدد فهد على ضرورة تقديم الدعم الحكومي لهذا القطاع من خلال توفير الأعلاف والأدوية واللقاحات بأسعار مدعومة، فضلاً عن تسهيل حصول المربين على الوقود والمياه لضمان استدامة الإنتاج الحيواني في المحافظة.
تغير مناخي حاد
وأكد فاضل سيف، ناشط محلي من أبناء المحافظة، أن "شح المياه ونقص الدعم الحكومي تسببا بتراجع حاد في إنتاج الثروة الحيوانية، ما أدى إلى زيادة الاعتماد على الاستيراد الأجنبي لتغطية الاحتياجات المحلية".
وقال سيف لـ "طريق الشعب"، إنّ "قرار منع زراعة الحبوب أثر بشكل كبير على توفر الأعلاف، ما أدى إلى ارتفاع أسعارها بشكل ملحوظ، ما يهدد أغلب مشاريع الثروة الحيوانية في المحافظة بالتوقف، الأمر الذي ستكون له تداعيات خطرة على الأمن الغذائي المحلي".
وأضاف، أن "التغيرات المناخية الحادة، من جفاف وارتفاع درجات الحرارة في الصيف، وصولًا إلى تقلبات الشتاء، انعكست سلبًا على سكان المحافظة"، مضيفًا أن "المربي المتضرر يضطر إلى بيع المواشي بأسعار مرتفعة لتعويض خسائره، ما يدفع القصّاب إلى رفع أسعار اللحوم، فتزداد الأعباء على المستهلك".
وأوضح، أن "إنتاج الألبان شهد تراجعًا كبيرًا نتيجة ضعف الإنتاجية لدى المواشي، بسبب انتشار الأمراض المرتبطة بالتغيرات المناخية وقلة الموارد العلفية"، مؤكدا أن "هذه الأزمة ليست محصورة في واسط فقط، بل تعاني منها مختلف المحافظات العراقية، ما يتطلب تدخلًا حكوميًا عاجلًا لوضع حلول مستدامة للحد من آثار التغيّر المناخي والجفاف، وضمان استمرار مشاريع الإنتاج الحيواني، وتعزيز الأمن الغذائي الوطني".
مطالبة بتوفير الأعلاف
فيما قال أحمد المياحي، مربي أغنام من أبناء المحافظة، إنّ "الوضع الذي نعيشه اليوم في قطاع تربية المواشي أصبح أكثر صعوبة من أي وقت مضى. ارتفاع أسعار الأعلاف بشكل مستمر وغياب الدعم الحكومي يمثلان أكبر التحديات التي نواجهها".
وأضاف أنه "في السابق، كنا نتمكن من تحمل بعض الأعباء، لكن اليوم مع ارتفاع التكاليف، أصبح من الصعب علينا الاستمرار في هذا المجال"، مشيرا الى أن "المشكلة الأخرى التي تؤثر بشكل مباشر على عملنا هي شحة المياه، التي تجعل من الصعب تأمين الرعي الجيد لمواشينا. نحن نواجه أزمة حقيقية، في وقت نجد الحكومة تعتمد بشكل كبير على استيراد اللحوم بدلًا من الاهتمام بدعم المربين المحليين".
وأكد المياحي، ان "الأزمة الاقتصادية التي نمر بها الآن تؤثر على دخلنا بشكل كبير، وإذا لم يكن هناك تدخل سريع من الحكومة لتوفير الأعلاف بأسعار مناسبة، وفرض الدعم على القطاع المحلي، فإن مستقبل قطاع الثروة الحيوانية سيكون مهددًا".