اخر الاخبار

في خطوة تصعيدية غير مسبوقة، أعلنت نقابة التمريض في العراق تعليق العمل في جميع المؤسسات الصحية والمستشفيات والقطاعات التمريضية، اليوم الثلاثاء، احتجاجاً على ما وصفته بـ"الإهمال الحكومي" تجاه حقوق الكوادر التمريضية. وجاء هذا التحرك في ظل مطالبات مستمرة بضرورة تحسين الأجور، وضمان الحقوق الوظيفية، وتوفير بيئة عمل لائقة وآمنة.

رد حكومي مثير للجدل

في المقابل، ردت وزارة الصحة على الإضراب عبر منشور رسمي استشهدت فيه بالمادة 364 من قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969، والتي تنص على معاقبة الموظفين الذين يمتنعون عن أداء واجباتهم الوظيفية دون مبرر قانوني. غير أن هذا الرد أثار موجة واسعة من السخرية على مواقع التواصل الاجتماعي، حيث تجاوز عدد التفاعلات على المنشور 19 ألف "أضحكني"، في مؤشر واضح على استياء الجمهور من تعامل الوزارة مع مطالب التمريض.

مطالب متراكمة وإهمال حكومي

ووفقاً لوثيقة صادرة عن نقابة التمريض، فإن أبرز مطالب الكوادر التمريضية تشمل: زيادة مخصصات الخطورة إلى 100% بدلاً من 80% الحالية، ورفع التسكين الوظيفي، خصوصاً لخريجي إعدادية التمريض، والشمول بمخصصات الخدمة البحثية.

وطالبت النقابة أيضا، بإدراج التمريض ضمن المجموعة الطبية، الموافقة على فتح الدراسات العليا والبورد العراقي والعربي للتمريض، وتخصيص قطع أراضٍ للممرضين في جميع المحافظات، وصرف البدل النقدي للإعاشة، داعية الى تعيين خريجي الدفعة 24 لسد النقص الحاصل في المؤسسات الصحية.

تصعيد متوقع

وفي حديث لـ"طريق الشعب"، قال مرتضى جعفر صادق، رئيس لجنة الانضباط في نقابة التمريض، إن النقابة تعاملت مع وزارة الصحة منذ تأسيسها عام 2020 بأسلوب الحوار والتواصل الرسمي، إلا أن هذا النهج لم يقابل بأي استجابة جدية. وأوضح: "أبلغنا الوزارة مراراً أن استمرار تجاهل المطالب سيدفعنا إلى التحرك الشعبي، وقد حذرنا سابقاً من الوصول إلى منزلق خطير، وهو ما نعيشه اليوم".

وأشار صادق إلى أن التمييز في مخصصات الخطورة بين الممرضين والأطباء يمثل أحد أبرز المشاكل، متسائلاً: "كيف يعقل أن نعمل في الظروف نفسها، بينما يحصل الأطباء على مخصصات أعلى؟ نحن نطالب بالمساواة فقط". كما لفت إلى أن مشكلة التسكين الوظيفي مستمرة منذ 14 عاماً، مؤكداً أن "مجلس الشورى والبرلمان أقرّا تعديلات على قانون ملاكات الدولة، لكن أحد عناوين التمريض لم يشمله التعديل، وهو خريجو إعدادية التمريض الذين ما زالوا يُعيَّنون ضمن الدرجة الرابعة، في حين تم تعديل تشكيلات الدبلوم والبكالوريوس. هذا تمييز واضح".

انتقادات لاذعة لوزارة الصحة

وانتقد صادق بشدة تهديد وزارة الصحة، واصفاً استنادها إلى المادة 364 من قانون العقوبات بـ"التهديد القانوني الفارغ". وأضاف: "نحن لم نتغيب عن الدوام، بل علّقنا العمل بشكل رسمي، وهو إجراء قانوني. أقصى إجراء يمكن اتخاذه هو قطع الراتب في حال الغياب، لكن الوزارة اختارت التهديد بدلاً من الحوار".

وأشار إلى ازدواجية تعامل الوزارة مع الاحتجاجات، قائلاً: "عندما أضرب الأطباء ليوم واحد عام 2020، لم تهددهم الوزارة، بل دعمهم الوزير ونقل مطالبهم إلى مجلس الوزراء. لماذا نحن نُعامل بهذه الطريقة المختلفة؟ هذا تمييز طبقي واضح". كما كشف عن استعداد الكوادر الطبية الأخرى للتصعيد تضامناً مع الممرضين، مشيراً إلى إمكانية تعليق العمليات الجراحية وإغلاق بعض الردهات إذا استمر التجاهل.

شهادات من قلب الأزمة

من جهتها، تحدثت شهد الأميري، إحدى موظفات التمريض، عن حجم المعاناة داخل المؤسسات الصحية، مؤكدة أن الممرضين هم الأكثر تماساً مع المرضى، ورغم ذلك لا يحصلون على امتيازات توازي حجم مسؤولياتهم. وقالت لـ"طريق الشعب": "خطورة عملنا لا تُحتسب كما تُحسب للأطباء والصيادلة، رغم أننا الأكثر عرضة للأمراض والاعتداءات اللفظية والجسدية". وأضافت أن التمريض يعاني من التهميش الإداري، حيث لا يتسلم أي ممرض منصباً إدارياً مثل مدير مستشفى أو معاون مدير، مشيرة إلى عدم وجود دائرة رسمية تُعنى بشؤون التمريض في وزارة الصحة.

كما انتقدت واقع البدلات والحوافز، مؤكدة أن "الإعاشة النقدية غير متوفرة، وحتى الإعاشة العينية التي تصلنا غير صالحة للأكل. لا توجد حوافز للعمل الإضافي أو في الأزمات مثل كورونا، كما لا تُمنح عوائل شهداء التمريض أي حقوق".

وختمت بالقول: "مطالبنا عادلة، وكل ما نريده هو الإنصاف والاعتراف الحقيقي بدورنا في إنقاذ الأرواح داخل المؤسسات الصحية".

ما القادم؟

وأكدت نقابة التمريض أن تعليق العمل اليوم كان خطوة أولى، مع إبقاء 50% من خدمات الطوارئ والعناية المركزة مستمرة حرصاً على حياة المرضى. لكن في حال استمرار تجاهل الوزارة، فإن التصعيد قادم، وقد يشمل شللاً تاماً في المؤسسات الصحية خلال الشهر المقبل.

عرض مقالات: