شهدت محافظات عدة من أقصى الجنوب لأقصى الشمال، تصاعدًا لافتًا في وتيرة الاحتجاجات الشعبية، نتيجة تراكم الأزمات الخدمية والمعيشية التي لم تجد الحكومات المحلية والمركزية حلولًا فعلية لها.
وتوزعت تلك التظاهرات على محافظات ميسان والمثنى والديوانية وواسط والنجف والسليمانية، حيث عبّر المحتجون عن غضبهم من تدهور الواقع الخدمي، لاسيما في قطاعات الكهرباء والمياه والصحة، إضافة إلى البطالة وقرارات حكومية وصفت بـ"الظالمة".
إغلاق طريق ميسان – البصرة
في ناحية العزير، جنوب محافظة ميسان، أقدم محتجون غاضبون على إغلاق الطريق العام الرابط بين ميسان والبصرة، احتجاجًا على الانقطاع المستمر للتيار الكهربائي لساعات طويلة، في ظل ارتفاع درجات الحرارة.
وانطلقت شرارة الاحتجاجات وسط مدينة العمارة، وسرعان ما تصاعدت لتشمل إغلاق الطريق المحاذي لقرية الجمشة، حيث أضرم المحتجون النيران في إطارات السيارات، وأغلقوا الطريق بشكل كامل أمام حركة المركبات. واستمرت الاحتجاجات حتى ساعات المساء، وسط غياب الحلول الفعلية من الجهات المعنية.
خريجو النفط والغاز
وفي العمارة أيضا، نظّم العشرات من خريجي كلية اقتصاديات النفط والغاز، تظاهرة حاشدة أمام مكتب تيار الفراتين، مطالبين بتوفير فرص عمل بعد سنوات من المطالبات المستمرة التي لم تلقَ استجابة.
وقال عدد من المتظاهرين إنهم يواصلون تنظيم هذه التظاهرات منذ أربع سنوات دون أي نتيجة ملموسة، مشيرين إلى أن مطلبهم الأساسي يتمثل بتوفير فرص عمل لهم، سواء عبر التعيينات الثابتة أو العقود ضمن ملاك الشركات النفطية العاملة في البلاد.
وأكد المحتجون، أنهم يمتلكون كتابًا رسميًا صادرًا عن كليتهم يُثبت أن تخصصهم مطلوب وحيوي في سوق العمل، خصوصًا في مجالات الطاقة والصناعات الاستخراجية. كما أبدوا خيبة أملهم من عدم تمكنهم من لقاء رئيس الوزراء خلال زيارته الأخيرة إلى المحافظة بسبب الإجراءات الأمنية المشددة.
وبيّن المتظاهرون، أن اختيارهم لمكتب تيار الفراتين، الذي يمثل التيار السياسي لرئيس الوزراء محمد شياع السوداني، كموقع للاحتجاج، جاء في محاولة لإيصال صوتهم بشكل مباشر إلى رئاسة الحكومة، معربين عن أملهم في التجاوب مع مطالبهم بعد سنوات من الانتظار والوعود الحكومية غير المنفذة.
احتجاجات في المثنى
وفي محافظة المثنى، شهد قضاء الوركاء تظاهرة شعبية نظمها عدد من الأهالي مطالبين بتحسين واقع الكهرباء، في ظل استمرار معاناة المواطنين من ضعف التجهيز والانقطاعات المتكررة.
ورفع المتظاهرون شعارات تطالب الحكومة المحلية ووزارة الكهرباء باتخاذ خطوات عاجلة لتحسين مستوى الخدمة، خصوصًا مع اقتراب فصل الصيف وارتفاع درجات الحرارة.
وفي قضاء السوير، نظم عشرات المواطنين وقفة احتجاجية أمام محطة كهرباء آل عبس، مطالبين بتحسين واقع التيار الكهربائي في المنطقة.
ورفع المحتجون لافتات تطالب الجهات المعنية بالتدخل الفوري لمعالجة ضعف التجهيز والانقطاعات المتكررة التي تؤثر سلبًا على حياتهم اليومية، مؤكدين أن منطقتهم تعاني منذ سنوات من تراجع واضح في مستوى الخدمة دون وجود حلول جذرية.
وفي الشافعية أيضا
وفي قضاء الشافعية غربي محافظة الديوانية، نظّم العشرات من أبناء القضاء، تظاهرة شعبية احتجاجًا على الانقطاع المتواصل للكهرباء والماء، إضافة إلى نقص حاد في الخدمات الأساسية.
وقال شهود عيان، إن المتظاهرين خرجوا إلى الشارع الرئيس في القضاء، مؤكدين على ضرورة توفير مقومات الحياة الأساسية، مطالبين الجهات المعنية بإيجاد حلول سريعة لمعاناتهم المستمرة.
وتعاني الشبكة الكهربائية من تراجع كبير في ساعات التجهيز، مع ارتفاع درجات الحرارة وزيادة الأحمال، إضافة إلى انخفاض ضغط الغاز الإيراني المغذي لمحطات الكهرباء، مما تسبب بفقدان نحو 3500 ميغاواط من القدرة الإنتاجية.
وطالب المتظاهرون الحكومتين المركزية والمحلية بإجراءات فاعلة وسريعة لإنهاء معاناتهم وتوفير الحد الأدنى من الخدمات الضرورية.
المشخاب تندد بالجفاف
وفي جنوب قضاء المشخاب، خرج العشرات من أهالي منطقة شلال في تظاهرة ليلية غاضبة احتجاجًا على أزمة الجفاف التي دمرت مزارعهم وتسببت في نفوق مواشيهم.
وأبدى المحتجون استغرابهم من حرمانهم من حصص المياه من نهر المشخاب المجاور، معبرين عن امتعاضهم من غياب أي تحرك رسمي لتحمل المسؤولية وإنقاذ الموسم الزراعي المتبقي.
وأكد المتظاهرون، أنهم لن يتوقفوا عن الاحتجاج حتى تنفيذ مطالبهم، مهددين بخطوات تصعيدية إذا استمر الإهمال، وحددوا الجمعة القادمة موعدًا لتجمع واسع قرب ناظم المشخاب القديم، حيث ينوون إغلاق بواباته في حال عدم الاستجابة.
وأشاروا إلى أن ناظم المياه مغلق منذ أكثر من عام، وأن البديل المتوفر يبعد حوالي 40 كيلومترًا، ما يزيد من معاناة أهالي شلال عطشة والمناطق المجاورة.
غلق صالة العمليات؟
وفي جنوب محافظة النجف، نظم العشرات من أهالي المناذرة والمناطق المجاورة، وقفة احتجاجية أمام مستشفى المناذرة العام، مطالبين بإعادة افتتاح صالة العمليات الجراحية المغلقة منذ أكثر من عام دون وجود بديل.
وقال المحتجون، إن استمرار الإغلاق يشكل تهديدًا مباشرًا لحياة السكان، بسبب اضطرارهم لقطع أكثر من 40 كيلومترًا إلى مستشفيات النجف أو كربلاء عند وقوع أي حالة طارئة.
زيد الفتلاوي، أحد المتظاهرين من المشخاب، قال ان "المستشفى يخدم مناطق واسعة من جنوب النجف، لكن أي حالة طارئة تحتاج لعملية تُضطر لقطع أكثر من 40 كم، وهذا يهدد حياة المرضى، خاصة في الليل أو الحالات الحرجة".
أما عدنان الكلابي، من أهالي المناذرة، فأشار إلى أن الوعود الحكومية بإعادة تأهيل الصالة بقيت حبرًا على ورق، مضيفًا انه "منذ سنتين نسمع وعودًا بإعادة تأهيل الصالة، لكنها بقيت حبرًا على ورق، ولم نرَ أي تحرك جدي".
ورفع المحتجون لافتات تطالب بإنهاء الإهمال الحاصل في القطاع الصحي، مؤكدين أنهم يمنحون الجهات المعنية مهلة 72 ساعة فقط للشروع بحل المشكلة، ملوحين باعتصام مفتوح في حال عدم الاستجابة.
تجار الحي يغلقون محالهم
وفي قضاء الحي جنوب محافظة واسط، نفّذ أصحاب المحال التجارية في السوق المسقف إضرابًا واسعًا، احتجاجًا على قرار بلدية القضاء برفع أجور جباية الخدمات، التي قالوا إنها بلغت ما يصل إلى 300 ألف دينار شهريًا لبعض المحال.
وأغلق التجار محالهم وعلّقوا لافتات احتجاجية، معلنين اعتصامًا مفتوحًا، ومطالبين بمراجعة القرار والتراجع عنه.
كرار علي، أحد أصحاب المحال، قال: "قررنا تنظيم اعتصام مفتوح مع غلق محلاتنا احتجاجًا على رفع أجور الجباية التي وصلت إلى 300 ألف دينار شهريًا، بينما إيجار بعض المحال لا يتجاوز هذا المبلغ سنويًا. في بغداد ومدن أخرى لا تتجاوز أجور الجباية 6 آلاف دينار شهريًا، فلماذا هذه الفروقات؟"
وجاء في بيان للمعتصمين: "أغلقنا محلاتنا اليوم لإيصال رسالة إلى الجهات المعنية حول الظلم الواقع علينا جراء رفع جباية النفايات بشكل غير منطقي. نأمل في استجابة عاجلة لوضع حد لهذه المعاناة".
ويُعد السوق المسقف في قضاء الحي من أقدم المراكز التجارية وأكثرها نشاطًا، ويضم عشرات المحال التي تخدم سكان المنطقة.
احتجاج على تسعيرة الكهرباء
أما في محافظة السليمانية، فقد نظم العشرات من المواطنين تظاهرة احتجاجًا على التسعيرة الجديدة للكهرباء التي أقرتها حكومة إقليم كردستان ضمن مشروع "روناكي" الوطني للطاقة.
وحمّل المحتجون المشروع مسؤولية فرض أعباء مالية إضافية عليهم، معتبرين الأسعار الجديدة كبيرة وغير منصفة.
وقال متظاهرون إن "الوعود الحكومية بتقليل الفواتير مقارنة بالمولدات الأهلية لم تتحقق، وإن الشريحة الأكبر من السكان ستتأثر سلبًا بسبب نظام التسعير التصاعدي الذي أقره المشروع".
وكانت حكومة الإقليم قد أعلنت رسميًا في 15 أيار الجاري عن إطلاق مشروع "روناكي"، وأوضحت أنه يهدف إلى توفير طاقة كهربائية بتسعيرة عادلة لأغلبية المواطنين، ويعتمد نظام الشرائح التدريجي لتحديد أسعار الكهرباء المنزلية. وتظهر هذه الموجة من الاحتجاجات اتساع رقعة الغضب الشعبي في مختلف مناطق العراق، بسبب تدهور الخدمات وغياب العدالة الاقتصادية وارتفاع نسب البطالة. وبينما تختلف الأسباب المباشرة لكل تظاهرة، فإن القاسم المشترك بين جميعها هو شعور المواطنين بالتهميش والخذلان من قبل السلطات، والمطالبة بحقوق أساسية باتت صعبة المنال في ظل استمرار الأزمات.