اخر الاخبار

شهدت محافظات عدة موجة احتجاجات شعبية متصاعدة، عكست عمق الأزمات الخدمية والمعيشية التي يعاني منها المواطنون منذ سنوات، وسط اتهامات واضحة للسلطات بالتقصير والتهميش المتعمد.

الهارثة وسلسلة مطالب مشروعة

وفي شمال محافظة البصرة، عاد الحراك الشعبي مجددًا إلى قضاء الهارثة، حيث خرج المواطنون احتجاجًا على الواقع الخدمي المتردي الذي يرزح تحته القضاء منذ سنوات طويلة.

ووصف الأستاذ الجامعي محمد الياسري الوضع في الهارثة بأنه "تاريخ طويل من التهميش المزمن ونقص حاد في الخدمات الأساسية"، مشيرًا إلى تلوث مياه الشرب، تهالك الشوارع، وتراجع التعليم بسبب قلة المدارس وضعف مستواها.

وأكد الياسري، أن المرافق الحيوية تُركت دون رعاية حكومية، وأن المؤسسات الصحية تعاني نقصًا في الإمكانات، بينما تُركز الموارد المالية في مركز المحافظة على حساب الأقضية الأخرى.

فيما عدّ الناشط عمار عبد الحي، أحد منظمي الحراك، مبررات الحكومة المحلية بأنها "غير مقبولة"، في إشارة إلى تبريرها عدم تنفيذ مشاريع خدمية في الهارثة بدعوى كون أراضيها زراعية أو تابعة للنفط.

وطالب عبد الحي بإصدار وثائق رسمية تعكس التزامات حقيقية، متحدثًا عن "تمييز واضح" لصالح أقضية قريبة من مركز المحافظة مثل أبي الخصيب.

وشملت مطالب المحتجين في الهارثة: الإسراع بافتتاح مستشفى القضاء العام، تأهيل المراكز الصحية، تفعيل خطوط الإسعاف الأولية، استكمال الترتيبات الإدارية، وتفعيل مكتب التشغيل لتوفير فرص عمل. كما دعوا إلى تبليط وتوسعة شارع بغداد لفك العزلة عن القضاء وتحسين المعيشة.

خريجو التخصصات الهندسية والنفطية

في السياق ذاته، تظاهر العشرات من خريجي الأقسام الهندسية والنفطية والجيولوجيين أمام شركة نفط البصرة في موقع "المكينة"، للمطالبة بالتوظيف ضمن العقود الوزارية لشركات النفط. وأكد المتظاهرون استمرار حراكهم لليوم الثالث على التوالي، مشددين على أن مطالبهم قانونية ومشروعة، وأنهم قادرون على تطوير القطاع النفطي العراقي، فيما أكدوا عزمهم الاستمرار في الاحتجاج حتى تحقيق المطالب.

المثنى: الخدمات غائبة

وفي محافظة المثنى، تظاهر العشرات من سكان المناطق الواقعة بين مدينة السماوة وقضاء الخضر أمام مبنى مجلس المحافظة، احتجاجًا على تدهور الخدمات الأساسية، وخصوصًا الكهرباء، ومياه الإسالة، والطرق المهملة منذ سنوات.

وقال مشاركون، إن تدهور الخدمات أضرّ بحياتهم اليومية، لا سيما في ظل الارتفاع الحاد بدرجات الحرارة ونقص مياه الشرب، مهددين بتصعيد الحراك الشعبي في حال استمرار التجاهل الرسمي.

كما شهد الطريق العام جنوب المحافظة تظاهرات مماثلة لسكان القرى المجاورة، عبروا فيها عن استيائهم من تجاهل مطالبهم السابقة، مؤكدين استعدادهم للاستمرار في التصعيد.

وفي منطقة آل عزام جنوب المثنى، نظّم مواطنون وقفة احتجاجية قرب محطة ضخ النفط PS2، مطالبين بشمول منطقتهم بمشاريع المنافع الاجتماعية للنشاط النفطي، وتوفير فرص عمل لأبنائهم وتنفيذ مشاريع خدمية، محذرين من استمرار التهميش.

احتجاجات سائقي الشاحنات

أما في شمال البلاد، فقد أقدم مئات من سائقي الشاحنات على غلق طريق دهوك – الموصل عند سيطرة سد الموصل، احتجاجًا على إيقاف إجراءات الترسيم الجمركي لعجلاتهم، ما تسبب في شلل جزئي بحركة المرور.

المحتجون استخدموا شاحناتهم والحجارة لإغلاق الطريق، احتجاجًا على توقف العمل بترسيم العجلات من قبل إدارة النقطة الكمركية، بانتظار تعليمات جديدة حول التعريفة، الأمر الذي أدى إلى منع مرور المركبات والمسافرين، وتطلب تدخل القوات الأمنية لفتح الطريق.

السليمانية: إضراب بسبب الرواتب

وفي إقليم كردستان، دخل عدد من موظفي المؤسسات الحكومية في السليمانية بإضراب مفتوح احتجاجًا على تأخر صرف الرواتب، في خطوة تصعيدية تسلط الضوء على الأزمة المالية الحادة في الإقليم.

وشمل الإضراب موظفين في مديريات المياه والبلدية وجامعة السليمانية، مؤكدين أنهم يعانون من ضائقة معيشية خانقة، ومتهمين الحكومة بعدم الوفاء بوعودها. وهددوا باستمرار الإضرابات في حال عدم معالجة الأزمة.

كما نظم عدد من الأطباء غير المعينين تظاهرة أمام مديرية الصحة العامة في السليمانية، مطالبين بتعيينهم ورفض الإجراءات العقابية ضد زملائهم الذين امتنعوا عن الدوام.

وأكد الطبيب سيفر قادر، أن نحو 788 طبيبًا خريجًا لم يتم تعيينهم رغم حاجة المؤسسات الصحية إليهم، مطالبًا بإنهاء حالة اللامبالاة والتمييع في الملف الصحي.

وفي أربيل وسوران، أعلن الأطباء المقيمون مقاطعتهم للدوام احتجاجًا على تغيير نظام التصنيف الطبي وعدم تعيين الأطباء الجدد. ووجهوا بيانًا إلى مجلس الوزراء، حمّلوا فيه وزارة الصحة مسؤولية تدهور الأوضاع الصحية، محذرين من تداعيات الإهمال المستمر لمطالبهم القانونية.

المشهد العراقي الراهن يكشف تصاعد الاحتجاجات في أكثر من محافظة، يجمعها قاسم مشترك هو التدهور الخدمي، والتمييز بين المناطق، وتأخر الحقوق المالية، وسط صمت رسمي وغياب حلول جذرية. ويبدو أن الرسالة الشعبية باتت واضحة: الكيل قد طفح، والمطالب لم تعد قابلة للتأجيل.

عرض مقالات: