اخر الاخبار

الرفيقات والرفاق، الصحفيات والصحفيين، الأصدقاء والحضور الكريم،

نحييكم باسم الحزب الشيوعي العراقي، وباسم لجنة الإعلام المركزي، تحية حمراء مغمّسة بالحبر السرّي، وممهورة ببصمات أولئك الذين كتبوا الحقيقة وهم يطوونها بين أضلاعهم خوفاً من الرقابة، وحباً للناس.

نلتقي اليوم، لا لنحتفي بالماضي، بل لنواصل ما لم ينقطع: تسعون عاما من الحبر المقاوم للصحافة الشيوعية في العراق. لم تكن يوماً أداة محايدة، بل أداة صراع، وموقفاً منحازاً للطبقات المهمشة من شغيلة الفكر واليد.

منذ تموز 1935، يوم صدرت "كفاح الشعب" ، كانت الكلمة الحمراء أوّل صوت يقضّ الصمت في ليل الاستعمار. لم تكن تلك الصحيفة صفحةً مطبوعة، بل شرارة نضالية تنظيمية، و رفيقاً في الجبل وأداة مقاومة في الزنزانة.

لقد تلتها  "الشرارة" ، و "القاعدة" ، و "الى الأمام" ، و "اتحاد الشعب" ، وصولاً إلى "طريق الشعب" ، لتشكل ذاكرة الحزب والوطن، ومدرسة تصوغ الوعي، وتربط النظرية بالممارسة والكفاح اليومي، لتواجه الأنظمة الاستبدادية المتعاقبة، وتفضح التبعية.

صحافتنا لم تكن ترفاً، ولا رفاهاً مؤسساتياً، بل مخاطرة وجودية. لم تمر يوماً عبر بوابات التمويل السلطوي، بل عبر المطابع السرية، والمنافي، والمعتقلات، وتحت الرصاص.

في زمن يُشترى فيه الموقف ويُسوَّق للحياد الكاذب، تحتل صحافتنا الشيوعية موقعاً أخلاقياً وجمالياً نادراً.  لا تبرّر الخراب، ولا تهادن. ولهذا تصطدم اليوم، كما الأمس، بجدران السلطة الفاسدة، وبنادق السلاح المنفلت، ودهاليز المال السياسي.

أن تكون صحفياً شيوعياً اليوم، يعني أن تكتب ضد هذا التيار، أن تفتّش عن الحقيقة بين الركام، وتفكك لغة السلطة بناء على ما يعانيه الناس، من الفقر والبطالة والحرمان. أن تكتب "الفساد" لا بوصفه خللاً إدارياً، بل بوصفه بنيةً طبقية، وأن تقول  "الاستغلال" حيث يقول غيرك "أزمة سوق العمل".

لقد كانت صحافتنا ميداناً لصقل الكوادر، واختبار حي للانضباط. كل افتتاحية كانت خارطة طريق لنضال يتجاوز اللحظة، وكل مقال لبنة في بناء الموقف، وكل عمود أداة تحليل تغوص في بنية الحدث الطبقية والسياسية. ولهذا، ظلّت جسراً بين الفكر والتحريض ضد المنظومات الرجعية، والردة النيوليبرالية.

التنوير في مشروع صحافتنا لم يكن ترفاً معرفياً، بل مواجهة للجهل المصنّع، والإعلام المضلل. ومنذ لحظتها الأولى، حملت مهمّة مزدوجة:  أن تكون صوتاً للطبقة العاملة، ومنصة لإنتاج وعي مقاوم. التنوير هنا ليس بديلاً عن النضال، بل امتداده الثقافي. لم تحول الماركسية إلى دعاية جامدة، بل أبقتها ديالكتيكاً حياً، يُصارع الواقع، يطرح الأسئلة، ويربط الفلسفة بالعدالة والمساواة، والأدب والفن بالمجتمع.

ولا بد من استحضار العلاقة العضوية بين الصحافة والذاكرة السياسية. فقد كانت صحافتنا وما زالت أرشيفاً حياً لنضالات حزبنا والجماهير. سجلت المجازر، والملاحقات، والانتصارات، والانكسارات، ورافقت المنعطفات الكبرى لليسار العراقي، كمحطات تحليل وتقييم ومراجعة.

إن موقع صحافتنا في خارطة الصحافة العراقية كان دوماً في الطليعة: في مواجهة الاستبداد، وربط النضال الوطني بالاجتماعي، والدفاع عن حرية التعبير والعدالة. أثّرت في الصحافة الوطنية التقدمية، وكانت رافعة فكرية لصحفيين كثر تجاوزوا حدود الحزب ونهلوا من مدرسته.

كما أنها، منذ بداياتها، لم تكن صوتاً معزولاً، بل حاضرة في النبض الأممي: تضامنت مع حركات التحرر، وواكبت نضالات الشعوب من موقع الانحياز الطبقي. ولأنها أممية المعنى، ظلت تُقمع محلياً.

لا يمكن الحديث عن تاريخ الصحافة الشيوعية دون التوقف عند حضور نسائها. فمنذ بدايات النشر السرّي، كان للشيوعيات دورٌ كبير، إيماناً بأن العدالة لا تكتمل دون صوت النساء في نقد النظام القائم على التمييز والعنف والقهر الطبقي والأبوي معاً.

نشهد اليوم جيلاً جديداً من الكاتبات والكتاب الشيوعيين، لا يملكون مطابع سرّية، لكنهم يخوضون معركة الكلمة في فضاءات رقمية محاصَرة، تضيق بالتحليل الطبقي. هم امتداد لأولئك الذين كتبوا من المعتقل، وتحت الرصاص. فرق الأدوات لا يُلغي وحدة المهمة: تفكيك خطاب السلطة، وتحرير المفردة من الاستلاب والانهيار المعرفي.

أيها الحضور الكريم

لا يمكن الحديث عن تاريخ صحافتنا دون الانحناء أمام من دفعوا أعمارهم ثمناً للحقيقة، شهداء الكلمة، شهيدات النشر السري. لم تكن صحافتنا يوماً فعلاً تنظيمياً فحسب، بل مخاطرة وجودية خاضها رفاق أطفأتهم الرصاصات أو بددتهم المنافي. هؤلاء مفخرة للصحافة العراقية والضمير الإنساني الحي.

ذكرى التسعين عاماً لميلاد الصحافة الشيوعية، هي مناسبة لتجديد العهد بأن تبقى "طريق الشعب" جبهة دائمة ضد الهيمنة والاستغلال، وسلاح في يد من لا يملكون سوى وعيهم. وكل من يكتب فيها اليوم، إنما يردّ الدَّيْن لتاريخ كُتب بحبرٍ لا يجفّ: حبر النضال والتنوير.

فلنكتب كما نناضل:  بصلابة، وصدق، وانحياز بلا تردد.

هكذا نحفظ جذوة المسار، شعلة لا تُساوَم.

عاش نضالُ صحافتِنا الشيوعيةِ: جبهةُ وعي، وشُعلةٌ لا تَخْبُو.