شهدت عدة محافظات، خلال الأيام القليلة الماضية، سلسلة من الاحتجاجات والتظاهرات الشعبية، تعكس حجم الإحباط والغضب الاجتماعي لدى المواطنين والمجموعات المختلفة، على خلفية القضايا التعليمية، الاقتصادية، والبنى التحتية، بالإضافة إلى ملفات سيادة البلاد والقوانين المحلية.
اتفاقية خور عبد الله
ونظم العشرات من الناشطين والأهالي في مدينة الكوت تظاهرة ليلية انطلقت من ساحة تموز وجابت شوارع المدينة الرئيسية، للمطالبة بإلغاء اتفاقية خور عبد الله وإيداع قرار المحكمة الاتحادية لدى الأمم المتحدة والمنظمات الدولية.
وأكد المتظاهرون استعدادهم للتصعيد حتى تحقيق مطالبهم.
وقال فالح الموسوي، أحد منظمي التظاهرة، أن هذه الاحتجاجات تهدف إلى دفاع عن سيادة البلاد وإعادة الحقوق المسلوبة، بينما حذر المتظاهرون من استمرار التسويف الذي يشمل ملفات أخرى مثل تظاهرات الخريجين والتحقيق في حريق الهايبر ماركت.
اتحاد المقاولين يشكو التهميش
من جهته، شكا رئيس اتحاد مقاولي البصرة حسين المالكي من "الظلم والتهميش" الذي يواجه مئات الشركات المحلية بسبب احتكار العقود لشركات محدودة، وتعطيل قرارات مجلس الوزراء.
وقال المالكي خلال مؤتمر صحفي في مقر الاتحاد: إن "مئات الشركات البصرية حُرمت من فرص العمل لسنوات طويلة، بينما تمنح المشاريع لشركات محدودة، مع تمييز واضح وعدم شفافية في توزيع المشاريع، فضلاً عن تعطيل قرارات مجلس الوزراء التي يفترض أن تُنصف الجميع".
وأضاف أن "الوعود التي أطلقها محافظ البصرة بإشراك الشركات المحلية لم تتحول إلى واقع، وبقيت نفس الشركات السابقة هي المستفيد الوحيد بينما ظلت مئات الشركات الأخرى مهمشة".
وطالب المالكي بـ"كسر الاحتكار وتحقيق العدالة في توزيع المشاريع، والالتزام بتنفيذ قرارات مجلس الوزراء ووزارة التخطيط، وفتح حوار مباشر وشفاف مع محافظ البصرة لإيجاد حلول عاجلة"، مؤكداً أن "إنصاف الشركات البصرية هو حق أصيل وضمانة لتنمية حقيقية، وعند عدم تحقيق هذه المطالب سيتم اتخاذ خطوات تصعيدية ومفاجئة تسبق المظاهرات والاعتصامات".
احتجاج في "الشهداء والأسرى"
وناشد أهالي وشيوخ ومثقفو حي الشهداء وحي الأسرى الحكومة المحلية وشركة النرجس المنفذة لمشروع البنى التحتية بعدم تهميش منطقتيهم مقارنة ببقية مناطق البصرة.
وأكد الأهالي أن الشركة لم تباشر العمل في المنطقتين رغم المطالبات المتكررة، ورفضوا الأعذار المتعلقة بوجود تجاوزات أو غياب الموافقات، وطالبوا بالإسراع في تنفيذ المشروع لإنهاء معاناتهم المستمرة.
احتجاج على تردي المياه في النجف
وخرج عشرات المواطنين من النساء والرجال في تظاهرة أمام مجسرات ثورة العشرين احتجاجاً على تردي نوعية المياه التي تصل إلى منازلهم، والتي وصفوها بأنها ذات رائحة كريهة ولون مائل للاخضرار، مؤكدين أنها تهدد صحتهم وصحة أطفالهم، محذرين من مخاطر انتشار بكتيريا خطيرة تسبب التهابات وأمراضاً حتى مع الاستخدام اليومي.
وطالبت المتظاهرة سهاد سالم، الحكومة المحلية والوزارات المعنية بالإسراع في معالجة الأزمة عبر تركيب منظومات وفلاتر تمنع دخول الملوثات، قائلة: "الماء الذي يصلنا ملوث فلا نستطيع أن نغسل به ولا أن نشرب منه، أبسط الحقوق تُسلب منا، أخرجونا من هذه المعاناة وأعطونا حقوقنا التي نستحقها".
خريجو جامعة كرميان
ويواصل خريجو جامعة كرميان في قضاء خانقين اعتصامهم المفتوح منذ 16 يوماً، احتجاجاً على عدم الاعتراف بشهاداتهم من قبل الحكومة الاتحادية نتيجة الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل، ما انعكس سلباً على مستقبلهم الأكاديمي والمهني.
وقال منسق الاعتصامات رازان ماجد، إن "الخريجين يعانون من غياب الإنصاف مقارنة بزملائهم في جامعات الوسط والجنوب وحتى جامعات إقليم كوردستان، حيث رُفض الاعتراف بشهاداتهم الصادرة من الكليات التابعة للجامعة، رغم أن الجامعة معترف بها على مستوى حكومة الإقليم والحكومة الاتحادية".
وأضاف أن "الأسباب وراء عدم الاعتراف قد تكون سياسية بالدرجة الأولى، وجزءاً من تداعيات الخلافات المستمرة بين بغداد وأربيل، وهو ما انعكس سلباً على مستقبل الخريجين، حيث لم تشمل أكثر من 7 آلاف درجة وظيفية خُصصت لمحافظة ديالى أي خريج من جامعة كرميان، فضلاً عن حرمانهم من التعيينات الخاصة بالأوائل في العراق وكوردستان".
وأشار ماجد إلى أن "المعتصمين نصبوا الخيام منذ أكثر من أسبوعين وواصلوا إضرابهم عن الطعام دون أي استجابة فعلية من الجهات الرسمية، على الرغم من زيارات وفود حزبية وحكومية"، مؤكداً أن "الاعتصام سيستمر وقد يتجه إلى مراحل تصعيدية إذا لم يتم إيجاد حل عادل ينصف أكثر من 17 ألف خريج".
من جانبه، قال الناشط المدني علي صوفي إن "هذه الاحتجاجات يجب أن تكون درساً لجميع القيادات السياسية والحكومية في حكومتي الإقليم وبغداد بأن الشعب لن يسكت بعد الآن عن المطالبة بحقوقه المسلوبة". وأضاف أن "المحتجين لن يستقبلوا بعد الآن أي مسؤول يأتي إلى خيام الاعتصام ليتظاهر بدعم القضية، بل يريدون دعماً حقيقياً يتمثل بالذهاب إلى بغداد وأربيل والعمل على إنصاف حقوق الخريجين".
وتكشف أزمة خريجي جامعة كرميان جانباً من التحديات المتراكمة التي يواجهها قطاع التعليم العالي في العراق، حيث تتحول الخلافات السياسية بين بغداد وأربيل إلى عقبة مباشرة أمام مستقبل آلاف الطلبة. ويؤكد مراقبون أن استمرار تجاهل مطالب الخريجين قد يوسع فجوة الثقة بين المواطنين والمؤسسات الرسمية، ويحوّل الاحتجاجات الطلابية إلى سابقة ضاغطة.
احتجاج في كركوك
الى ذلك، تظاهر العشرات من أهالي ناحية تازة خورماتو وقرية بشير جنوبي كركوك، احتجاجاً على قرار نقل عدد من أفراد الشرطة المحلية إلى تشكيل جديد ضمن قيادة شرطة المحافظة.
وقال أحمد أصغر جواد، منسق التظاهرة، إن "الأهالي نظموا وقفة احتجاجية سلمية قرب مركز شرطة ناحية تازة للتعبير عن رفضهم لإجراءات نقل المنتسبين"، مشيراً إلى أن "قوات الشرطة المحلية في تازة وبشير لعبت دوراً محورياً في تعزيز الأمن وحماية الأهالي منذ سنوات، وأي تغيير في مواقعهم قد يترك فراغاً أمنياً يهدد استقرار المنطقة".
من جانبه، قال أحد المتظاهرين ويدعى (أبو علي التازلي)، إن "أكثر من 50 منتسباً من قصبة بشير وشرطة تازة جرى نقلهم إلى قوة جديدة مشكلة داخل قيادة شرطة كركوك تحت اسم قوة فرض القانون"، مطالباً بوقف القرار والإبقاء على عناصر الشرطة في مناطقهم لخدمة الأهالي وحمايتهم.
ويخشى سكان المنطقة أن يؤدي هذا الإجراء إلى إضعاف المنظومة الأمنية المحلية التي طالما اعتمدت على معرفة عناصر الشرطة بطبيعة المنطقة والعشائر والعلاقات الاجتماعية، وهو ما ساهم في تقليص المخاطر الأمنية ومنع تكرار الخروقات خلال السنوات الماضية.
وتعكس الاحتجاجات والتظاهرات في البلاد، تنامي الإحباط الاجتماعي والغضب الشعبي بسبب الإهمال الحكومي، سواء في مجالات التعليم العالي، المشاريع الاقتصادية، البنى التحتية، أو السيادة الوطنية. كما أن استمرار تجاهل مطالب المواطنين قد يؤدي إلى تصعيد الاحتجاجات وتحويلها إلى ضغوط سياسية واجتماعية مباشرة على الحكومة المحلية والمركزية، في وقت يطالب فيه المتظاهرون بخطوات عملية وحقيقية بدل التصريحات والشعارات الإعلامية.