اخر الاخبار

أعرب ناشطون ومدوّنون على مواقع التواصل، من محافظات كربلاء والنجف وبابل، عن مخاوفهم بشأن رصد تلوّث بكتيري في مياه الشرب، محذرين من تداعيات إهمال هذا الملف وما قد يسبّبه من أمراضٍ تتفشّى بشكل سريع يصعب السيطرة عليه.

هذا التحذير دفع الجهات المعنيّة في تلك المحافظات إلى اتّخاذ الإجراءات اللازمة للحفاظ على جودة المياه، بعد أن أقرّت بحقيقة تلوث مياه الشرب.

في حين نفت وزارة الموارد المائية، في بيان لها أول أمس الجمعة، ما تردد في بعض وسائل الإعلام حول تلوث مياه الشرب في عدد من محافظات البلاد، مؤكدة أن الفحوصات المختبرية أثبتت صلاحيتها للاستخدام البشري.

وقالت أن "فرقاً فنية متخصصة من وزارتي الموارد المائية والصحة والبيئة أجرت فحوصات مختبرية دورية ومستمرة لعينات مياه الشرب، للتأكد من مطابقتها للمواصفات القياسية العراقية والمعايير الصحية"، مضيفة أن "نتائج الفحوصات أكدت أن المياه صالحة للاستخدام البشري".

وأكدت أن "ما يتم تداوله بشأن تلوث المياه لا أساس له من الصحة".

ويعاني العراق تلوّثا متزايدا في المياه في ظل تراجع مناسيب نهري دجلة والفرات على إثر التغير المناخي وقلة الإيرادات المائية القادمة من دول الجوار. وتؤدي قلة المياه إلى ترسّب وتركّز الملوّثات الكيميائية والبيولوجية في الأنهر ومسارات المياه نحو محطات المعالجة، ما يهدد صحة الناس، لا سيما إن عمليات المعالجة ليست بالمستوى المطلوب – وفقا لمراقبين.

النجف ترصد تلوثا

حسب ما نقلته وكالات أنباء عن بيان صدر أخيرا عن مديرية ماء النجف، فإنه جرى رصد حالات تلوّث طرأت على مياه نهر الفرات وأدت إلى انحرافاتٍ في المسارات المعتمدة في عمليّتَي التصفية والتعقيم، ضمن المشاريع والمجمعات الضغطية.

وأشارت المديرية في بيانها إلى انها رصدت طحالب عشبية خيطية ومواد عضوية أخرى ظهرت في الآونة الأخيرة في المياه. بينما أرجعت ظهور هذه الشوائب إلى "إطلاقات المياه الرديئة جدّاً والآسنة من المخزون الوطني القديم"، لافتة إلى تأثر لون المياه ورائحتها بفعل تلك الشوائب، ما أثر بالتالي على مسار عملية التعقيم.

وبيّنت أنّها قامت بـ"مضاعفة كميات مواد التعقيم المستخدمة، والتي تساهم في معالجةٍ جزئية للظاهرة. حيث انّ مشاريعنا ومجمّعاتنا المائية غير مصمّمة لمعالجة حالات تلوث مثل هذه".

وشهدت مجسرات ثورة العشرين وسط النجف، أول أمس الجمعة، تجمهر عشرات المواطنين نساء ورجالا، محتجين على تردي نوعية المياه الواصلة إلى بيوتهم، والتي وصفوها بأنها ذات رائحة كريهة ولون مائل للاخضرار، مشيرين إلى أن ما يحصل يمثل انتهاكاً لحقوقهم الأساسية وتهديداً مباشراً لصحتهم وصحة أطفالهم.

وحذّر المحتجون من انتشار بكتيريا خطيرة في المياه، تسبب التهابات وأمراضاً حتى مع أبسط الاستخدامات اليومية، مطالبين الحكومة المحلية والوزارات المعنية بالإسراع في معالجة الأزمة عبر نصب منظومات وفلاتر تمنع دخول الملوثات.

بين النفي والتأكيد!

من جهتها، أفادت دائرة صحة محافظة كربلاء بأنّ "الفرق الصحية تقوم بعمليات فحص في معظم مناطق المحافظة عبر لجان التعزيز الصحي في الدائرة. فقد جرى فحص المياه من مصدرها الرئيس، ولا تزال العمليات مستمرة، وحتى الآن لم تؤكد الفحوصات تلوّث المياه"!

وفي المقابل عقدت الدوائر الصحية والبيئية والمائية في كربلاء، أخيرا، اجتماعاً موسعاً برعاية المحافظ، لمناقشة أزمة المياه في المحافظة واتخاذ إجراءات عاجلة لضمان سلامة المياه، أبرزها زيادة الإطلاقات المائية من نهر الفرات وتعزيز عمليات التعقيم والفحوصات المختبرية المستمرة.

أما مديرية ماء بابل، فقد أكدت، وفقا لوكالات أنباء، أن "الماء الخام في المحافظة يحتوي على عكورة (كثافة) عالية جداً، بالإضافة إلى نوع من الطحالب، والسبب أن هذه المياه واردة من مخزون السدود. لذلك، نواجه تحدياً واستنفاراً كاملاً لكوادرنا بهدف تصفية المياه، كما أن المياه المخصّصة للشرب تخضع لفحوصٍ مختبرية لقياس نسبة الكلور".

بدورها، قالت دائرة صحة بابل أنّها اتّخذت إجراءات عاجلة لمعالجة تلوّث المياه. وأعلنت في بيان لها أنها شكّلت، بمشاركة قطاعات الرعاية الصحية الأولية، فرقاً ميدانية لجمع نماذج من مياه المجمّعات والمشاريع، بهدف ضمان خلوّها من المسبّبات المرضية.

وذكرت أنّه جرى "إرسال عيّنات إلى مختبر الصحة العامة لإجراء الفحوص الكيميائية والبكتيريولوجية، والتأكد من سلامتها للاستهلاك البشري".

وعلى أعقاب ذلك، قالت خلية المتابعة في مجلس بابل، أن "الدوائر الرقابية أخذت نماذج أرسلت إلى المختبرات لفحصها بخصوص الزرع الميكروبي والعناصر الثقيلة، والنتائج الأولية إيجابية وتؤكد أن المياه المجهزة ضمن المحددات الطبيعية".

مختبر الصحة العامة: الأمر لا يدعو للقلق!

من جانبه، قال مدير مختبر الصحة العامة في وزارة الصحة سامر رحيم الحسيني، في بيان صحفي، أن "نتيجة فحص المياه لمحافظة مجاورة لبابل، والتي انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأظهرت وجود نوعٍ من البكتيريا، هي نتيجة لا تدعو للقلق".

وبيّن أنّ "البكتيريا الزائفة الزنجارية (Pseudomonas) موجودة أصلاً في الطبيعة، أي في التربة والمياه السطحية وحتى أحياناً في أنابيب المياه القديمة، وأنّ معظم سلالاتها غير ممرضة للإنسان السليم، ولا تسبّب مشكلة إلا إذا كانت بأعداد كبيرة جدّاً أو عند الأشخاص ذوي المناعة الضعيفة كمرضى السرطان ومرضى العناية المركزة ومن خضع لزراعة الأعضاء"، مشيراً إلى أنّ "ارتفاع نسبة العكورة يساعد على نمو هذه البكتيريا مؤقتاً، لكنه لا يعني أن المياه غير صالحة للشرب في حال كانت نتائج بقية الفحوص الكيميائية والبيولوجية ضمن الحدود القياسية".

ولفت الحسيني إلى أنّ "الركود أو الترسّبات في الشبكات أو الخزانات كلّها عوامل قد تؤدّي إلى ظهور هذه البكتيريا. وهذه النتيجة غالباً مرتبطة بالتوزيع والخزانات أكثر ممّا هي مرتبطة بالمصدر الأساسي للماء".

وطمأن الأهالي بأنّ "المياه تخضع يوميّاً لفحوصٍ كيميائية وبيولوجية في كلّ المحطات"، مشيرا إلى أن "النتائج بأكملها لا تزال لغاية الآن ضمن الحدود العراقية والعالمية".

جدير بالذكر، ان أعدادا كبيرة من العراقيين تعاني أمراضا سرطانية، فضلا عن الأمراض المزمنة وضعف المناعة وغيرها، لذلك أن هؤلاء معرضون لأمراض خطيرة موشكة فيما إذا شربوا مياها ملوثة بـ "البكتيريا الزائفة"، التي يرى الحسيني ان أضرارها تشتد على حاملي مثل تلك الأمراض أكثر من غيرهم.

في حين يبدو التلوّث في المصادر المائية واضحا للعيان. إذ ان مشاهد النفايات المتراكمة على ضفاف الأنهار ومياه الصرف الصحي والمخلفات الصناعية التي تودع في تلك المصادر، باتت ظاهرة يومية لا تُخفى على أحد، هذا بالإضافة إلى تقادم الكثير من محطات معالجة المياه وخزّاناتها وأنابيبها – وفقا لمتابعين.

ذروة الخطورة

إلى ذلك، رأى الاختصاصي في الشأن البيئي عدنان العامري، أنّ "ملف المياه بلغ ذروة الخطورة، وأنّ غياب المعالجة الحكومية في تلك المحافظات، يدلّ على عجز الحكومة"، مضيفا في حديث صحفي قوله: "أنّنا اليوم بحاجة إلى تحرك حكومي تجاه الدول المتشاطئة مع العراق لإيجاد حلول للملف. أمّا الحلول الترقيعية التي تتحدّث عنها مديريات المياه والصحة فهي غير مجدية".

وشدّد على ضرورة تعزيز إطلاقات المياه في الأنهار، قبل أن تتفاقم الأزمة وتشمل محافظات أخرى.

وسبق أن سجّلت مياه محافظة البصرة تلوّثاً هو الأقسى على مدى العقود الماضية. حيث وصلت المياه إلى المنازل محمّلةً بالشوائب والديدان والطحالب.

وكانت وزارة الموارد المائية قد أفادت الأربعاء الماضي، بأنّ المخزون الاستراتيجي للمياه في البحيرات وصل إلى حدّه الأدنى في تاريخ الدولة العراقية منذ ثلاثينيات القرن الماضي. فيما حذّر اختصاصيون من كوارث بيئية وإنسانية في المستقبل القريب، جرّاء هذا التراجع في المخزون المائي.