اخر الاخبار

يُفترض بالأجهزة الأمنية في أي دولة أن تكون الضامن الأول لحماية المواطن وصون حقوقه، غير أن الواقع العراقي كشف خلال السنوات الماضية ،عن تكرار حالات اعتداء بعض ضباط الشرطة والجيش على المواطنين، سواء بالضرب أو الإهانة أو ممارسة التعسف في استخدام السلطة. إن خطورة هذه الظاهرة لا تكمن فقط في الانتهاك المباشر لكرامة الإنسان، بل في غياب المحاسبة الجدية والرقابة الفاعلة، مما يجعلها أقرب إلى السلوك الممنهج منه إلى الأخطاء الفردية.

أولاً: السياق القانوني

ينص قانون العقوبات العراقي رقم 111 لسنة 1969 المعدل على حماية المواطن من أي اعتداء، حتى وإن صدر من موظف حكومي أو رجل أم. فالمادة 322 تعاقب الموظف أو المكلف بخدمة عامة إذا تجاوز حدود وظيفته واستعمل القسوة ضد الأفراد. أما المادتان 412 و413 فتجرمان الاعتداء الجسدي والإيذاء، وتحددان عقوبات تصل إلى السجن في حالة الجروح أو الكسور. ولا تكمن الإشكالية في النصوص القانونية، بل في ضعف إنفاذها، حيث تُحال معظم الحالات إلى لجان تحقيق إدارية داخل الوزارات، لتُغلق غالبًا بقرارات شكلية مثل التنبيه أو النقل، بعيدًا عن القضاء المستقل.

ثانياً: انعكاسات الظاهرة:

تؤدي هذه الممارسات إلى:

  1. تآكل الثقة بالدولة حيث يشعر المواطن بأن القانون لا يحميه إذا كان خصمه رجل أمن.
  2. إضعاف شرعية المؤسسات الأمنية، إذ يتحول الجهاز المفترض أن يحفظ الأمن إلى مصدر تهديد.
  3. تغذية العنف المضاد، فغياب العدالة قد يدفع بعض الأفراد أو الجماعات إلى الرد خارج إطار القانون.
  4. الإساءة لصورة الأغلبية المنضبطة، حيث تُشوَّه سمعة مؤسسات كاملة بسبب تجاوزات أقلية من عناصرها.

ثالثاً: أسباب غياب المساءلة

  1. اللجان التحقيقية الشكلية تفتقر إلى الشفافية.

  2. الخوف من تقديم الشكاوى بسبب احتمالية التعرض لانتقام أو مضايقات.

  3. ضعف دور الادعاء العام ومفوضية حقوق الإنسان في متابعة القضايا، لغياب الإرادة السياسية والموارد.

  4. ثقافة الإفلات من العقاب التي تجعل رجل الأمن يعتقد أن موقعه الوظيفي يمنحه حصانة.

رابعاً: آليات الإصلاح المقترحة

  1. إحالة القضايا مباشرة إلى القضاء المدني لضمان استقلالية التحقيق والمحاكمة.
  2. تعزيز الرقابة البرلمانية والإعلامية على أداء الأجهزة الأمنية.
  3. إدماج مفاهيم حقوق الإنسان في المناهج التدريبية للجيش والشرطة.
  4. تفعيل نظام حماية المشتكين والشهود لضمان قدرة المواطن على المطالبة بحقوقه دون خوف.
  5. إصدار تقارير دورية علنية عن حالات الانتهاك والإجراءات المتخذة بحق مرتكبيها، لإعادة الثقة بين الدولة والمجتمع.
عرض مقالات: