اخر الاخبار

عرفته شاعرا معطاءً وانسانا مبدعا وعاطفياٌ يألفه ويحتضنه الجميع لمحبته وعطائه. وكان من اهدافه اعلاء شأن مدينته وديمومتها مع كل الأصدقاء، ومحبته لهم والاشادة بهم بما يستحقونه من اطراء. يعرفه اغلب شعراء ومثقفي مدينته والاخرون بما عليه من استحقاق فني وشعري..عاصر اغلب الشعراء الشعبيين المعروفين بعطائه‍م وتأريخهم من مدينته وغيرها من المدن العراقية، وهو ابن البصرة - محلة الجمهورية. تعرفت عليه منذ نهاية الستينيات من القرن الماضي بعد ان انشغلت في متابعة الشاعر الكبير ذياب گزار والمعروف بابو سرحان، ومن الذين عرفتهم لاحقا وهم قامات شعرية محترمة امثال الراحلين فالح الطائي ..فوزي السعد..عبد الهادي الشاوي..عطا عوده الشهد..صابر خضير ..علي الكعبي..علي العضب ..كامل السعد..عطا اخميس والحاضرين منهم.. عبد الامير الديراوي....كامل الركابي. وداخل الحلفي. شاكر العطار... واخرين لا تحضرني اسماؤهم لحظة كتابة هذا الموضوع.

بعد اطلاعي على مجموعته الشعرية الاخيرة “رباعيات سودانية” حاولت ان اكون استقرائيا وشاهداّ على ما احسسّته فيه من رغبة وحضور شدني الى ان اكون مصغيا، لمعرفة الاهداف التي كتب من اجلها حتى لحظة اصداره هذا المطبوع المعافى وانجاز المهمة التي ابتغاها. وهو مشروع لكتابة قصائد نعرفها عنه كما هي في قصيدة الحريهً، التي كتبها في السبعينيات، وقصيدة گتلي من تعطش ترويّك الچفوف وغيرها من النصوص الغنائية، امثال بين جرفين العيون اغرگت والروجه رمش التي غناها الفنان سامي كمال وكذلك كلما تغيب الشمس اظهرلك اهلالين التي غناها الفنان فاضل عواد وقصيدة الصفصاف للفنان سعد ون جابر وغيرها من الاناشيد و الاغاني المعروفة.. ولقد تعامل مع اغلب الملحنين والمطربين حيث كان غزيرا في نتاجاته ولا زال يواصل عطاءه الفني..

وقد وظف جل اهتمامه وعطاءه في هذه المجموعة الشعرية “رباعيات سودانية” وهي الاقرب الى مشروع قصائد اختزلها لتزاحمها عنده، ورغب ان تكون بهذا الوجه الذي قد يرغبه القارئ والعارف بسلوكه واسلوبه الشعري والابداعي.. والغنائي. وهو كما اراد ان لا يجهد القارئ في التفكير والبحث عن المراد واضعا نصب عينيه المشاركة في كل همومه وامانيه . وأود ان اشير الى المقدمة التي كتبها الشاعر والاعلامي عبد الامير الديراوي وهي بيان رأي واشادة بالمطبوع المتحدث عنه “رباعيات سودانية” والشاعر مهدي السوداني وكما يبدو انه كان رافضا لزمنه كما نحن كذلك.

اختلطت الاوراق والليل انچلب..

الرؤيا ضاعت حيل واليفرزّ تعب

ياشعبنا ايعينك الله ابمحنتك..

عالجرالك ما صبر مثلك شعب

انه بهذا المنحى الواضح الذي يحسه ويشاهده المتلقي والقارئ .. يدلل على الامور التي لا تطيقها الاغلبية . ومع هذا ابتعدت عن التأشير على كل الاهداف التي يتوخاها دون التعليق على الجوانب الفنية الاخرى المطلوبة منه في الكتابة والتدوين الشعري وما يدور في ذهنه، حيث تركتها الى القارئ الكريم ليكون له رأي في هذا المطبوع، وليضع الملاحظات التي يراها مناسبة عن الشاعر. وكما يلاحظ فان المشاهدات احزنته حد البكاء وإلاّنين والمزيد من الجروح التي لا تندمل.

ما انصفت ياوكتي وياي..باطل يوكتي وياي باطل

طول العمر الهط ابدنياي.. ويه القهر والعوز اماطل

ابمنجل وألّه وبندقيتي..ابني الوطن واحرس واقاتل

ومن نفطي بس حصتي الدخان..اتعب واجوع وغيري ياكل..،،!

كذلك هي الرباعيات السودانية التي اختارها رغبة منه بهذا الشكل المرغوب لبعض الناس والمتلقين في تبويبها. وفي انتقالة اخرى الى الجانب الاهم ، العاطفي والانساني، وهو الادق في التعبير عن حالات تؤرقه دوما وهي ما تلح عليه فعلا:

ليش السلام الحلو.. ايلوگ بس للحلو

ابوحدچ عشيرة حسن.. وجيوش حامض حلو

وشفتين ثغرچ عسل.. وشفايفي الهن دلو..!

السكّر ابجسمي صعد.. منّ گلي صوتك ألو..!،،

والشاعر رغم قدرته الشعرية الاكثر فعلا واهتماما ارادها ان تكون صرخة لغرض الاستماع والشعور بالقضية . والشاعر ما اراد للفعل الفكري ان يكون متواجدا في اغلب قصائده، مبتعدا عن التشكيلات الصورية، انما جاء تركيزه على الشعور بالحضور والتواجد الآني. ولانه صادق التجربة والاحساس فقد كان بارعا في اختياراته الممهدة لمشاريعه المستقبلية.

كلهن جربتهن وحده وحده

وبيهن چنت اغربل صار مده

بأول هزه طاحن طيحة اتراب

ورجع غربيلي خالي بيدي وحده

يگلبي انته غشيم وافقر الناس

جرحك لا يوشل گوم شده

الحب ما هو نخوه وگوه ميصير

وعمر الحنظله متصير ورده..،،

ان الشاعر مستمر في معايشته الامور واللحظات الواقعية ولا يهمه البعد الزمني في هذه التجربة في المجموعة الشعرية التي اعتمد فيها البساطة، وهي الاقرب الى الحدث في تكوين بيته الشعري لملامسة الفهم والتلقي.. والدنيا في مفهومه هي اخذ وعطاء.. وقد جسدها في ذلك شعرا.

الدنيا جيب وهاك موكله جيب..

هذا قانون الحياة الدائم

واليسلّم واجب انردله السلام

وفرق بين اليسّلم وميسالم

وانه اسلّم ومحّد ايردلي السلام

الناس تكره وأنه عالحب راهم،،

ان للحنين المشتعل في قلب الشاعر ورأيه جعله ان يكون واضحا و طموحا. وللعلم ان الشاعر مهدي السوداني عطاؤه دائم ولا ينضّب وكما يراه الاخرون في تصورهم. وهو لا زال في وعيه وعطاءه الشعري واهدافه وبالحقيقة اراد ان يكون متنوعا وواقعيا اكثر من التراكيب والالفاظ الشعرية المصطنعة والغير مرغوبة والتي اتعبتنا وسئمناها واضاعت ملوحة الشعر وهيبته وناسه ومنحاه. دعاؤنا ان يرجعوا الى رشدهم وطريقهم الاصح في المسير والاحترام وان يستذكروا ويحترموا الرموز والقامات والاجيال السابقة وحسب الاهمية. ان للتواجد الحضوري للشاعر مهدي السوداني قيمته واحترامه، وهو من الاسماء اللامعة الشعرية حسب ما شاهدته ورأيته في اغلبية المحافل والاجتماعات الشعرية ذات الاهمية والواقعية.

عرض مقالات: