اخر الاخبار

الأستاذ الناقد فاضل ثامر في كتابه (إشكالية العلاقة بين الثقافي والسياسي – المثقف العراقي شاهداً) يخصص ورقة ً مهمة ً عن الأدب الشعبي بعنوان (الأدب الشعبي بوصفه جزءاً من ثقافتنا الوطنية).

وتكتسب هذه الورقة أهميتها، كونها تصدر من ناقد ومثقف كبير يقف في الصف الأول من مشهد النقد العراقي، إضافة إلى أنَّ الكتاب بمجمله يُعتبر كتاب مقاومة، حيثُ كتبت جميع فصوله بعد عام 2003 بصوتٍ عالٍ وبإحساس وانحياز وطنيين يدللان على عمق تجربته وأصالته، وموقفه بالضد من كل ما يسلب حرية الانسان ويقوّض تطلعاته الإنسانية في حياة أنقى ووجود أبقى وعالم أرقى. إنه الكتاب الوطني المقاوم لناقد وطني مقاوم.

إن وصفه للأدب الشعبي كجزء من ثقافتنا الوطنية، دليل ثقافي ومعرفي كبير، يشير إلى وعي الناقد بالتاريخ النفسي والاجتماعي والأدبي والسياسي للمجتمع العراقي. كما أنّه يضع ستاراً فاصلاً بوجه تخرصات واهية عليلة الصدق، تلك التي ترى الأدب الشعبي غير قادر على أن يكون جزءاً من الهوية الثقافية الوطنية.. يقول الناقد في استهلال الورقة:

"تبرز الحاجة في الوقت الحاضرإلى إيلاء اهتمام أكبر بدراسة أدبنا الشعبي، بما فيه من موروثات وأمثال وحكايات وأغاني الاطفال، فضلاً عن اغاني الرعاة والملاحين والبحارة وقصائد الأغاني الشعبية بشكل عام، ودراسة الشعر الشعبي بشكل أخص. ومن المؤسف أن تتعرض دراسات علوم الفولكلور في العراق إلى التجاهل والإهمال وأحياناً المحاربة".

كما انه يُشخّص في فقرة أخرى من الورقة غياب حركة نقدية منهجية منظمة تتولى فحص وتقييم تجارب الشعر الشعبي العراقي، والكشف عن قيمته الفنية والتعبيرية والإسلوبية.

ولذا فنحن اليوم في أمّس الحاجة إلى تطوير آليات نقدية حديثة لدراسة القصيدة الشعبية، تفيد من المنهجيات الحديثة وتبتعد عن المناهج التقليدية المتداولة التي تعنى غالباً بفحص المضامين والثيمات والموضوعات بطريقة خارجية، أو تقتصر على فحص البنى العروضية وضروب الشعر الشعبي المختلفة، دونما فحص متأنٍ للبنى النصية واللسانية والإسلوبية الداخلية للخطابات الشعرية الشعبية. وهذا الحكم لا يصادر بالتأكيد الكتابات النقدية التي تنهض بدور كبير في سد جزء من الفراغ الذي نعاني منه.

وأود هنا أن أُشيد بالدور الكبير الذي اضطلعت به في هذا المجال مجلة متخصصة مرموقة هي مجلة التراث الشعبي، وعدد من الصفحات الثقافية التي فتحت أبوابها أمام الأدب الشعبي. 

وفي مفتتح آخر أشار الناقد بصوت ٍ عالٍ إلى ضرورة اعتراف المثقفين العراقيين أنفسهم بالأدب الشعبي وعدم الاستهانة به، ومن ثم إدراجه ضمن المتن النقدي للثقافة الوطنية والتخلص كليّاً من المنظور الشوفيني المتطرف الذي يرى أنَّ الأدب الشعبي يتعارض والحفاظ على نقاء اللغة العربية.

ولم تقتصر دعوة الناقد هذه على الأدب الشعبي المكتوب بلغة / لهجة عربية، وإنما تتعدى إلى كل ما هو عراقي وبالتعددية الثقافية العراقية الشاملة (كورد، تركمان، سريان – كلدو آشور) مما يسهم بمرور الزمن في تعميق وترسيخ مفاهيم الهوية الوطنية.

إنَّ الناقد في ورقته هذه عن الأدب الشعبي العراقي وبخاصة الشعر الشعبي العراقي، وبالتأكيد أنه يعني الشعراء المثقفين والنماذج المتقدمة فنياً وجمالياً، يضع النقدية العراقية أمام سؤال حرج ينتظر الرد والاستجابة العملية لدعوته من اجل دراسة الشعر الشعبي العراقي الحديث، الذي توازى ومنذ نهاية الخمسينيات مع تحولات الشعر العراقي الحديث، حيث التجربة النوابية الرائدة والتجارب الريادية اللاحقة لها. ولا نبالغ حينما نقول أنَّ الشعر الشعبي العراقي الحديث، بشعرائه المثقفين ونماذجه العالية يمثل الجناح الانشط في جسم طائر الشعر العراقي.

ورقة الناقد الكبير فاضل ثامر حول الأدب الشعبي العراقي في كتابه المقاوم (إشكالية العلاقة بين الثقافي والسياسي – المثقف العراقي شاهداً)، تؤكد بأنه هو المثقف العراقي الشاهد ومن يملك المفتاح الذهبي، الذي تنتظره الصناديق المغلقة، كما فعل في كتابه الآخر (شعر الحداثة – من بنية التماسك الى فضاء التشظّي).

عرض مقالات: