منذ سنين يدور الحديث عن إنهاء إدارة مؤسسات الدولة الوكالة، وقد ضُمّن ذلك في قانون موازنة عام 2021، وعاد مجلس النواب ليضمّنه في قانون الموازنة للعام الحالي، مع تحديد 30 من تشرين الثاني الماضي كآخر يوم لاستمرار الصلاحيات القانونية والمالية المناطة بأكثر من 5 الاف درجة خاصة في مختلف مؤسسات الدولة، تدار عبر الوكالة.
وبرغم أن حكومة السيد محمد شياع السوداني تعهدت في منهاجها الحكومي بإنهاء هذا الملف من خلال إعادة تقييم عمل اصحاب تلك المواقع الوظيفية، إلا انها بدلا من ذلك ذهبت باتجاه المحكمة الاتحادية لاصدار امر ولائي بإيقاف تنفيذ المادة 71 من الموازنة، وحصلت على مرادها بعد ان أصدرت المحكمة الاتحادية العليا، الاحد الماضي، أمراً ولائياً باستمرار الصلاحيات المالية والإدارية لمؤسسات الدولة التي تدار بالوكالة “لحين حسم الدعوى”، التي تقدمت بها الحكومة.
وجاء في الأمر الولائي للمحكمة الاتحادية العليا، “إيقاف تنفيذ عبارة (تقوم الدوائر المعنية بإيقاف جميع المخصصات المالية والصلاحيات الإدارية في حالة استمرارها بعد التاريخ المذكور) في المادة (71) من قانون الموازنة العامة الاتحادية رقم (13) لسنة 2023 مع بقاء التزام الحكومة بتنفيذ ما ورد في المادة المذكورة بخصوص إنهاء العمل بالوكالة ولحين حسم الدعوى المقامة أمام هذه المحكمة بالعدد (223/اتحادية/2023) للطعن بدستورية المادة آنفة الذكر وذلك لضمان استمرار عمل المرافق العامة وعدم تعطيلها”.
الحكومة تريد حسم الملف؟
مصدر حكومي قال ان “مجلس الوزراء صوت على المناصب في ثلاث وجبات منهم 442 من المديرين العامين الذين تم تقييمهم في الوجبتين الأولى والثانية، وأضيف لهم 12 في الوجبة الثالثة التي تم التصويت عليها في جلسة مجلس الوزراء قبل أيام، من اصل اكثر من 5 الاف من شاغلي هذه المناصب”.
وأضاف المصدر، الذي رفض كشف هويته للاعلام، أن “الحكومة لديها رغبة في حسم هذا الملف، لكن الموضوع لا يسير بالسهولة التي يتصورها البعض، إذ أن عملية تقييم أصحاب هذه الدرجات تواجه تحديات كبيرة وتحتاج الى مزيد من الوقت من أجل حسمها”، موضحا أن “الحكومة تريد إسناد هذه المناصب لأصحاب الكفاءة والمهنية، وفي نفس الوقت هناك استحقاقات للكتل السياسية عليها مراعاتها، وبالتالي لا بد من خلق حالة من التوزان وعدم تعطيل مؤسسات الدولة، كما ورد في قانون الموازنة الذي طعنت الحكومة ببعض مواده من بينها المادة (71)”.
يشار الى ان العمل بالوكالة بدأ منذ العام 2006.
الإقالة تهدد أصحابها دوما
من جهته، انتقد عضو مجلس النواب هادي السلامي، استمرار العمل بإدارة المناصب بالوكالة، مؤكدا أن الكثير من المواقع لا تشغل أصالة وإنما بالوكالة وتسيير الأعمال مما يؤثر على مستويات وجودة الأداء.
وقال السلامي ان “المناصب بالوكالة دائما ما تتعرض لابتزاز أما الإقالة وأما تمرير قضايا مخالفة للقوانين”، معتبرا ان “استمرار إدارة المناصب بالوكالة خطر يهدد الدولة العراقية”.
«الكتل تنتظر صفقات تبادل الكراسي»
يقول الدكتور اياد العنبر الاكاديمي، أكاديمي ومراقب للشأن السياسي، ان “حسم الدرجات الخاصة لا يتعلق بالجانب القانوني، انما هو خاضع لوجهة نظر رئيس الحكومة الذي يدرك ان فتح هذا الملف يعني فتح المجال امام الكتل السياسية لعقد صفقات لتبادل المناصب في ما بينها وحدوث سجالات سياسية وسيكون للمحاباة دور كبير على حساب التقييم الحقيقي للعمل”، معتقدا ان “الموضوع لا يحتل أولوية لدى السوداني الان”.
ويضيف العنبر في حديث مع “طريق الشعب”، ان “المناصب العليا لا يمكن ان تدار بالوكالة، لانها استغلت من قبل رؤساء الحكومات المتعاقبين في لعبة التدوير والتغيير من دون العودة الى مجلس النواب”، مؤكدا ان “السوداني يحاول أيضا استثمار هذا الامر”.
ويشير الى ان “القوى السياسية تحاول جهد الامكان الحصول على المناصب العليا في الدولة وتقاسمها”، مردفا “اذا ما رهن هذا الموضوع بشرط الاصالة فإن هذه المناصب ستصبح مقاطعة حصرية لهم”.
و”لأن الموضوع يخلق إشكالية كبيرة لرئيس الحكومة، فان موضوعة الانتخابات صارت شماعة لتعليق حسم هذا الملف”، وفقاً للعنبر.
ويخمّن المتحدث بأن فتح الباب أمام الكتل السياسية للصراع على هذه المناصب “يجعل الحكومة في حرج كبير، وربما يجبرها على القبول بشخصيات لا تمتلك أي مؤهل لإدارة المناصب، مثلما حدث في موضوع تشكيل الحكومة وعملية فرض بعض الوزراء، وهذا ما سيزيد من حالة الإرباك في عمل الحكومة”.
ويخلص العنبر الى أن “القوى المتنفذة فشلت في تقدم رجالات دولة حقيقيين للمناصب العليا في الدولة”.
إصرار على المحاصصة
المحلل السياسي وسام المالكي، يذكّر بالمنهاج الحكومي للسيد السوداني الذي تضمن فقرة تخص إنهاء العمل بالوكالات، خلال مدة زمنية محددة، وقد صوت مجلس الوزراء على بعض المناصب في ثلاث وجبات، مردفا ان “تأخر حسم الموضوع مرتبط بضغوطات وتدخلات القوى السياسية المتنفذة، وإصرارها على مواصلة اعتماد نهج المحاصصة”.
ويقول المالكي لـ”طريق الشعب”، ان تشبث القوى المتنفذة بالمحاصصة في اختيار أصحاب الدرجات الخاصة “يسهم بشكل مباشر في وصول شخصيات لا تتمتع بالكفاءة والنزاهة والمهنية الى أعلى المناصب في الدولة، وبالتالي إدامة التجربة المريرة المستمرة منذ 20 عاما”.
ويشير المالكي الى ان “الدستور العراقي لم يتطرق للمحاصصة في إدارة الدولة، انما الكتل السياسية المتنفذة اعتادت على توزيع هذه المناصب وفقا للعرف السياسي”، مبينا ان “الاحزاب السياسية المشتركة في تشكيل الحكومة منشغلة بقضية انتخابات مجالس المحافظات، وربما تعود الى توزيع وتقاسم المناصب في مرحلة ما بعد الانتخابات المحلية”.
ويختتم المتحدث كلامه بان “إدارة المناصب بالوكالة تجعل المؤسسات ضعيفة امام المنعطفات والازمات السياسية والاقتصادية والامنية، لكونها لا تضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وتفتح بابا اوسع لاستشراء الفساد، وتعزل الاشخاص المهنيين والكفوئين ومن يتمتعون بالنزاهة، لذا ليس امام الحكومة خيار غير مراعاة اختيار الأشخاص المناسبين وفق رؤية منهجية، وانهاء ملف الادارة بالوكالة في أقرب وقت”.