شن جيش الاحتلال الإسرائيلي، أمس الاثنين، هجوما واسعا وغير مسبوق على جنوبي لبنان وشرقه، ما أدى إلى سقوط مئات الشهداء والجرحى، في عدد كبير من المدن والقرى، وسط تهديد بتوسيع دائرة القصف والغارات، فيما ردّ حزب الله بقصف مواقع عسكرية في الجليل المحتل ومستوطنات في الضفة الغربية.
وفي اليوم الـ353 للحرب على غزة، ارتكب الصهاينة مجازر جديدة، أسفرت عن استشهاد 23 فلسطينيا في القطاع.
وأعلن جيش الاحتلال الإسرائيلي عن قصف أكثر من 400 موقع في لبنان، ليفتح بذلك صفحة جديدة من صفحات تاريخه الدموي الأسود، بينما لا يزال يتلقى دعما مطلقا من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها.
وبين أنقاض المنازل المهدمة وأصوات الطائرات الحربية، لا تزال قرى الجنوب اللبناني تتنفس الصمود في وجه العدوان الصهيوني، خاصة بعد ان تحول الأطفال والنساء، المسعفون والمزارعون، إلى أهداف لغارات العدو.
وحتى ساعة اعداد هذا التقرير في ساعة متقدمة من مساء أمس، أعلنت وزارة الصحة اللبنانية من خلال مركز عمليات طوارئ الصحة العامة أن حصيلة العدوان الإسرائيلي على القرى الجنوبية ارتفعت إلى 274 شهيدًا و1024 جريحًا، بينهم أطفال ونساء ومسعفون. في الوقت الذي تواصل فيه فرق الإسعاف والإغاثة والدفاع المدني جهودها في البحث عن الناجين وإزالة الأنقاض.
غارات لا تتوقف
وفي آخر التطورات الميدانية، تعرضت بلدة بريقع، جنوبي لبنان، الى غارة جوية، أدت إلى تدمير عدد من المنازل ووقوع عدد كبير من الضحايا. فيما شهدت بلدة النميرية غارة أخرى، حيث تم تدمير منزل بالكامل.
وأفادت التقارير بأن عائلة كاملة لقيت حتفها نتيجة هذا الهجوم الجبان. كذلك، تم استهداف منزل في بلدة أرنون، ما أدى إلى سقوط عدد من الضحايا، بينما تواردت الأنباء عن إصابات في بلدة الدوير وبلدة يحمر الشقيف جراء الغارات المكثفة.
استهداف البنية التحتية
ولم تقتصر الغارات على القرى والمنازل، بل امتدت لتستهدف طرقًا رئيسة تربط بين القرى الجنوبية. فقد تعرض الطريق الذي يربط بلدة طورا ببلدة معركة لقصف مكثف، كما أغارت طائرات الاحتلال الصهيوني على المنطقة بين برج رحال والعباسية وبلدة المنصوري، بالإضافة إلى السكنونية قرب النجارية وأطراف بلدة عيتيت. ولم تزل أخبار الغارات تتواصل مخلفة مزيدا من الضحايا والأضرار في الجنوب اللبناني.
حزب الله يرد بالصواريخ
وفي خضم التصعيد المستمر، أعلن حزب الله اللبناني عن قصف المقر الاحتياطي للفيلق الشمالي وقاعدة احتياط فرقة الجليل، بالإضافة إلى مخازن لوجستية في قاعدة عميعاد ومجمعات صناعات عسكرية تابعة لشركة "رفائيل" في منطقة "زوفولون" شمال مدينة حيفا المحتلة.
وأكد الحزب أن هذا الاستهداف يأتي دعمًا للشعب الفلسطيني ومقاومته في غزة، وردًا على الاعتداءات الإسرائيلية التي طالت مناطق في الجنوب والبقاع.
احتجاجات عالمية
ووسط هذا المشهد الدامي، خرج الآلاف من المحتجين في تظاهرات حول العالم رفضًا للحرب الإسرائيلية وجرائم الاحتلال في كل من غزة ولبنان. وطالب المحتجون بوقف الحرب ونددوا بالتواطؤ الدولي مع الاحتلال. ففي مدينة تورنتو الكندية، رفع المحتجون أصواتهم رفضًا لـ "حملة الإرهاب" التي تشنها إسرائيل ضد الشعب اللبناني، مطالبين الحكومة الكندية بتعليق صفقات بيع الأسلحة للاحتلال الإسرائيلي. وفي العاصمة اليابانية طوكيو، اجتمع المتظاهرون في ساحة هاتشيكو تضامنًا مع الفلسطينيين. أما في باريس، فقد تظاهر المواطنون بمشاركة نواب من البرلمان الفرنسي، معبرين عن إدانتهم للعدوان الإسرائيلي.
دعم غزة ولبنان
وشهدت بريطانيا احتجاجات أخرى أمام مقر هيئة "بي بي سي"، حيث طالب المحتجون بالعدالة للشعب الفلسطيني ووقف الاعتداءات الإسرائيلية، موجّهين انتقادات لتغطية وسائل الإعلام الغربية بسبب ازدواجية المعايير في تغطية الأحداث. وفي مالمو السويدية، خرجت مظاهرات حاشدة تطالب بوقف الحرب ودعم غزة ولبنان. كما شهدت العاصمة الأميركية واشنطن تظاهرة أمام السفارة اللبنانية ضد الاعتداءات الإسرائيلية والدعم الأميركي للاحتلال، حيث أشعل المحتجون الشموع وأقاموا صلاة على أرواح الشهداء.
موقف المرجعية الدينية في العراق
وفي العراق، أعربت المرجعية الدينية العليا عن تضامنها مع الشعب اللبناني في مواجهة هذا العدوان الصهيوني المستمر.
وطالب المرجع الأعلى السيد علي السيستاني بوقف العدوان وحماية الشعب اللبناني من آثاره المدمرة، داعيًا إلى ضرورة بذل الجهود لتخفيف معاناتهم وتأمين احتياجاتهم الإنسانية.
اعتداءات تستهدف المدنيين
وفي ظل التصاعد المستمر للأحداث في لبنان، أكد عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي اللبناني، عمري ديب، أن البلاد تشهد تضامنًا واسعًا مع الشعب الفلسطيني والمقاومة في غزة منذ السابع من تشرين الأول الماضي، مشيرا إلى أن "العدو الإسرائيلي يقوم بعمليات عسكرية متواصلة واعتداءات على لبنان، تستهدف المدنيين في الجنوب بهدف ارغامهم على التهجير القسري".
في تصريح لـ"طريق الشعب"، قال ديب إن حكومة نتنياهو المتطرفة أخذت قرارًا بفتح المواجهة على مستوى المنطقة بالكامل"، موضحًا أن "إسرائيل ترى في هذه المرحلة فرصة لضرب جميع خصومها، بما في ذلك حزب الله في لبنان".
ديب أوضح أن "هذا العدوان لا ينفصل عن المشروع الأمريكي في المنطقة"، مؤكدًا أن "هناك تغطية أمريكية كاملة لهذا الهجوم، بما في ذلك التسليح والدعم السياسي في مجلس الأمن، وسط صمت كامل من الجانب الأوروبي والعربي الرسمي".
تضامن دولي مع الشعب اللبناني
وأعاد ديب التأكيد على موقف الحزب الشيوعي اللبناني في مواجهة العدوان الإسرائيلي، مشيرا إلى أن الحزب الشيوعي لديه تاريخ طويل في مقاومة الاحتلال منذ إطلاق جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية في 1982، مضيفا أن الحزب سيواصل التصدي لهذا العدوان بقدر إمكانياته المتاحة، خاصة في حال حدوث تقدم بري على الأراضي اللبنانية.
ودعا ديب إلى "تفعيل عمل الإغاثة والدفاع المدني"، مشيرًا إلى أن "الحزب الشيوعي اللبناني يعمل على دعم الجرحى والضحايا ومساعدة النازحين الذين يتعرضون للتهجير بسبب الاعتداءات الإسرائيلية".
ولفت إلى أن الأحزاب الشيوعية واليسارية الصديقة في الدول العربية وحول العالم، بما في ذلك الحزب الشيوعي العراقي، تقدم دعمًا سياسيًا وإعلاميًا وماديًا للحزب الشيوعي اللبناني في مواجهة هذه الاعتداءات، مؤكدا أن هذه المعركة تمتد من فلسطين إلى لبنان وهي جزء من حركة التحرر الوطني في المنطقة.
واختتم ديب تصريحه بتأكيده على أهمية الوحدة الوطنية اللبنانية في مواجهة هذه المعركة الصعبة، داعيًا إلى تجاوز الخلافات الداخلية والتركيز على التصدي للاحتلال الإسرائيلي.
وخلص الى أن "إرادة الشعوب تنتصر دائمًا على الاحتلال"، معربًا عن تفاؤله بوقف حرب الإبادة الجماعية على الشعب الفلسطيني في غزة.
سيطرة وتحكم
من جانبه، أكد المحلل السياسي اللبناني سعود محمد أن "العدو الصهيوني يسعى للسيطرة والتحكم بالمنطقة"، مشيرًا إلى أن هذا المخطط لم يعد سرًا، بل أصبح معلنًا".
وأوضح محمد في حديثه لـ"طريق الشعب" أن إسرائيل تعمل على خلق "شرق أوسط جديد" يشمل إعادة تشكيل الخرائط من لبنان إلى سوريا والعراق وصولًا إلى إيران.
وأضاف محمد، أن إسرائيل أظهرت تفوقا تكنولوجيا ملحوظا، حيث تمكنت من خرق جهاز الاتصالات الخاص بحزب الله، ما أدى إلى تفجير عدد كبير من البيجرات وأجهزة الاتصال. وأوضح، أن هذا الهجوم استهدف بين 3 إلى 5 آلاف جهاز، متسببًا في سقوط أكثر من 3000 مصاب وعدد كبير من الشهداء. كما استهدفت إسرائيل قيادة قوة الرضوان، وهي القيادة العسكرية المركزية لقوة النخبة في حزب الله.
موجة نزوح وضغط اقتصادي
محمد أشار إلى حجم الدمار الذي خلفته الاعتداءات الإسرائيلية على القرى الجنوبية، بهدف إنشاء شريط حدودي بعمق خمسة كيلومترات يفصل بين لبنان وإسرائيل. ووصف محمد المشاهد في تلك قرى الجنوب اللبناني بأنها تشبه ما يحدث في غزة، حيث تم تدمير عدد كبير من البيوت والقرى بالكامل.
وأردف المحلل السياسي بأن الغارات الإسرائيلية الأخيرة كانت غير مسبوقة في لبنان، ما أدى إلى نزوح كبير من الجنوب باتجاه بيروت والمناطق الجبلية. وحذر من أن هذا النزوح سيشكل ضغطًا كبيرًا على العاصمة والمناطق المحيطة، خاصة في ظل الوضع الاقتصادي المتدهور.
وأشار إلى أن 80 في المائة من اللبنانيين يعيشون تحت خط الفقر، وسط تضخم كبير، حيث تعيش بعض العائلات على دخل لا يتجاوز 100 دولار شهريا.