ينطلق غداً الأربعاء التعداد العام للسكان في العراق، بعد فعاليتين تمهيديتين سبقتا اجراءه، شملت شروع الباحثين الميدانيين بتعريف المناطق المستهدفة وتوجيه الأسر لتجهيز مستمسكاتهم، وتنظيم زيارات ميدانية لجمع معلومات تمهيدية لضمان دقة بيانات التعداد.
ويعد هذا التعداد وهو الأول من نوعه منذ عام 1997، خطوة تهدف إلى سد الفجوة في البيانات الديموغرافية ودعم خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وتأتي العملية بعد سلسلة من التأجيلات التي استمرت أكثر من عقد ونصف بسبب تحديات سياسية وأمنية، وكان لغياب الارقام التي يوفرها هذا الاحصاء العام اثر سلبي على صعد مختلفة.
وسيُشارك في التعداد ١٢٠ الف موظف مدرب على استخدام تقنيات إلكترونية حديثة تشمل أجهزة لوحية لتسجيل المعلومات بدقة وكفاءة. بينما ستهدف التعداد جمع بيانات شاملة عن عدد أفراد الأسر، المستوى التعليمي، الحالة الصحية، والوضع الاقتصادي.
ومع اقتراب موعد التعداد العام، اتخذت الحكومة مجموعة من الإجراءات لضمان نجاح العملية بسلاسة، حيث انه سيستمر ليومي الاربعاء والخميس القادمين، مع إجراءات استثنائية تشمل حظر تجوال لضمان دقة جمع البيانات، مع تجهيز غرفة عمليات خاصة لمتابعة العمل ميدانيًا وإلكترونيًا، ما يتيح مراقبة سير العمليات عن بعد، ويستجيب مركز اتصالات مخصص لاستفسارات الأسر والعاملين في الميدان.
اكتملت الاستعدادات
ويقول المتحدث باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، إن "الوزارة أكملت كافة الاستعدادات اللازمة لإجراء التعداد العام للسكان، والمقرر يومي 20 و21 من شهر تشرين الثاني 2024.
ويضيف الهنداوي في حديث خصّ به "طريق الشعب"، أن "جميع المتطلبات والمراحل تم إنجازها، بما في ذلك عمليات الترقيم والحصر التي انتهت نهاية الشهر الماضي، رغم تأخرها بضعة أيام في إقليم كردستان، إلا أنها أُنجزت هناك أيضا خلال الأسبوع الماضي".
ويشير الهنداوي إلى "اكتمال تجهيز الأجهزة اللوحية اللازمة، وإنشاء مركز البيانات ومركز الاتصالات وغرفة العمليات، التي تم إعدادها لدعم عملية التعداد وتوفير التواصل الفوري والرد على الاستفسارات. كما تم تجهيز 120 ألف باحث من العدادين وتدريبهم جيدًا، ليكونوا مستعدين للبدء في عمليات جمع البيانات".
حدث طال انتظاره
يقول المحلل السياسي ياسين عزيز، أن "إجراء التعداد السكاني في العراق ليس مهمة سهلة، بل تتطلب الكثير من الوقت بالإضافة إلى التوافقات السياسية والترتيبات الإدارية والفنية"، مضيفاً أن "هذا التعداد، الذي طال انتظاره لسنوات عديدة، كان ضرورياً للحكومة الاتحادية بهدف الحصول على صورة دقيقة حول تفاصيل الحياة العامة، عدد السكان، الممتلكات، والاحتياجات الأساسية، وغيرها من الجوانب المتعلقة بالسكان".
ويشير في حديثه لـ "طريق الشعب"، إلى أن هناك "بيئة سياسية أكثر إيجابية لإجراء التعداد مقارنةً بما كان عليه الوضع في الماضي، خاصة فيما يتعلق بالمناطق المتنازع عليها، التي يشملها التعداد، والمعروفة بمناطق المادة 140 من الدستور. غير أن هذه المناطق تثير مخاوف لدى إقليم كردستان؛ حيث يخشى الجانب الكردستاني أن تُستغل العملية لتحقيق أهداف سياسية غير معلنة قد تؤثر سلباً على وضعهم".
ويؤكد انه لتبديد هذه المخاوف "أُجريت مناقشات وتفاهمات بين الحكومة الاتحادية وحكومة الإقليم. وقد اتفق الطرفان على بعض الترتيبات التي هدفت إلى تبديد هذه المخاوف وضمان شفافية التعداد السكاني. ورغم ذلك، لا تزال هناك هواجس قائمة لدى الإقليم من احتمالية عدم نزاهة وشفافية التعداد في تلك المناطق المتنازع عليها". ودعت حكومة إقليم كردستان مواطنيها الى العودة لمنازلهم ومسقط رأسهم يوم التعداد، وذلك لضمان أن تعكس البيانات العددية الحقيقية في المناطق المتنازع عليها.
انعكاسات على العملية الانتخابية
في هذا الصدد، يقول الخبير في الشأن الانتخابي، دريد توفيق، ان التعداد العام للسكان "من القضايا الجوهرية في المشهد الانتخابي العراقي، ويؤثر على تكوين مجلس النواب، حيث يعتمد عدد أعضاء المجلس على قاعدة رئيسية تنص عليها المادة 49 من الدستور العراقي، والتي تحدد أن يكون هناك مقعد واحد لكل 100,000 نسمة. ورغم النص الدستوري الواضح، جاء قرار المحكمة الاتحادية العليا عام 2014 لتجميد عدد أعضاء مجلس النواب عند 329 نائبًا، نظرًا لعدم وجود تعداد سكاني رسمي دقيق يحدد عدد السكان في كل محافظة".
وفي ما يتعلق بانعكاسات إجراء تعداد سكاني جديد على عدد أعضاء مجلس النواب اوضح توفيق انه "سيحمل انعكاسات عميقة على الهيكل الانتخابي وعدد مقاعد مجلس النواب، فبموجب المادة 49، سيتغير عدد الأعضاء وفقًا للتعداد الجديد، ما يعني أن أي زيادة سكانية في محافظة معينة ستترجم إلى زيادة في عدد مقاعدها، وهذا قد يعيد توزيع القوى في مجلس النواب بين المحافظات، حيث ستتمتع المحافظات ذات النمو السكاني المرتفع بتمثيل أكبر، في حين قد تشهد محافظات أخرى استقرارًا أو حتى انخفاضًا في عدد المقاعد إذا كان النمو فيها أقل".
ويرجح الخبير بناءً على التوقعات السكانية، انه "من المحتمل أن تستفيد بعض المحافظات الكبيرة مثل بغداد ونينوى والبصرة من التعداد الجديد، حيث يمكن أن تشهد زيادة ملحوظة في عدد مقاعدها بسبب الكثافة السكانية العالية والنمو السكاني المتزايد فيها. أما المحافظات التي لم تشهد نموًا مماثلًا، فقد تظل نسبة تمثيلها كما هي، وربما تتراجع في حالة بروز تفاوت ملحوظ في النمو بين المحافظات".
ولفت الى ان هناك "تحديات ستواجه الأقليات الدينية والعرقية، وأحد التحديات التي يمكن أن تنبثق عن إعادة توزيع المقاعد، هو كيفية التعامل مع حصة الأقليات الدينية والعرقية، مثل المسيحيين والصابئة والإيزيديين، الذين يحظون بنظام خاص من المقاعد المخصصة لهم ضمن نظام الكوتا"، مبينا انه في حال زيادة عدد المقاعد في المجلس "ستحتاج الكيانات السياسية إلى النظر في كيفية إعادة توزيع حصة هذه الأقليات بشكل يتناسب مع الزيادة العامة، ما يضمن تمثيلهم بشكل عادل وفعال".
وقبل أن يختتم حديثه قال انه من المتوقع أن يشكل التعداد السكاني في حال إجرائه "تحديًا استراتيجيًا للكيانات السياسية، التي ستكون مجبرة على إعادة النظر في توزيع مواردها وجهودها الانتخابية وفق المعطيات الجديدة؛ المحافظات التي ستشهد زيادة في عدد المقاعد ستتطلب اهتمامًا أكبر، بينما قد تضطر بعض الكيانات إلى تقليص جهودها في محافظات أخرى، وسينعكس ذلك بشكل واضح على استراتيجيات الأحزاب وخططها الانتخابية، وسيُعيد تشكيل المشهد السياسي في البلاد".
وخلص الى انه "ستبرز الحاجة إلى آليات تشريعية وإدارية تضمن توزيعًا عادلًا ومنصفًا للأقليات ضمن التركيبة الجديدة، ما سيتطلب تعاونًا واسعًا بين السلطات المختلفة لتحقيق هذا الهدف وضمان استقرار العملية الديمقراطية في العراق".
لمحو الامية حلول اخرى!
وعلى صعيد ذي صلة، قال وزير التربية ابراهيم الجبوري في تصريح صحفي إن وزارته تنتظر نتائج التعداد العام للسكان كي تتوفر لديها إحصائية دقيقة عن أعداد ومناطق المتسربين من الدراسة، وطبيعة المعوقات التي تؤدي الى التسرب من التعليم، وكيفية معالجتها"، مشيرا الى أن "الوزارة فعلت عمل الجهاز التنفيذي لمحو الأمية".
غداً الاربعاء تنطلق أول عملية تعداد عام للسكان
أبدى سكرتير اتحاد الطلبة العام أيوب عبد الحسين استغرابه من تصريح وزير التربية قائلاً: انه “في كل مدرسة هناك سجل خاص للمتسربين من الدراسة، ويعطي معلومات دقيقة وتفصيلية عنهم، وبالتالي فان البيانات التي سيوفرها التعداد السكاني رغم اهمية عملية التعداد، فهي بيانات متوفرة لدى وزارة التربية وتًحدّث سنويا، لكنها لم تتعامل مع هذه البيانات مطلقا، ولم تتخذ اية اجراءات بموجب تلك البيانات المتوفرة”.
ونوه في حديثه لـ”طريق الشعب”، الى ان “انتظار الوزارة لما ستكشفه نتائج التعداد حسب تصريح الوزير، هو محاولة للهرب الى الامام في وقت تتغافل فيه الوزارة عن الاسباب الواضحة للتسرب من التعليم، وتجاهل معطيات موجودة اصلا لدى الوزارة نفسها”، متسائلا عن “مدى جدية الوزارة في معالجة اسباب ظاهرة التسرب، مثل توفير البيئة الآمنة للدراسة وكذلك البنية التحتية وتوفير عدد مدارس كاف في مناطق الارياف، واطراف المدن وحتى في مراكز المدن ايضا؟”.
وخلص الى القول ان “توفر المعلومات من عدمها، يضعنا امام السؤال الاهم حول جدية المنظومة السياسية ورغبتها الحقيقية في معالجة الازمات والمشاكل المختلفة على كل الصعد، والتي لا نعتقد انها متوفرة؟”.
سيوفر بيانات ضرورية
في الجانب الاقتصادي، يقول الخبير في الشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، أن “التعداد السكاني في العراق يحمل فوائد كبيرة على الاقتصاد والتنمية. ويعتقد أن سلبياته تكاد تكون معدومة، باستثناء احتمال تأثيره البسيط على حركة الاقتصاد خلال يومي التعداد”، مضيفاً ان “إجراء التعداد هو خطوة أساسية لتمكين الدولة من فهم احتياجات المجتمع وتوجيه أموالها واستثماراتها نحو الأهداف الصحيحة”، مبينا أن “العراق يفتقر إلى رؤية واضحة في توجيه الإنفاق”. ويجد أن “الدولة في الوقت الحالي لا تعرف من أين تبدأ التنمية، ولا أين تركز مواردها، مؤشرا “وجود مشاكل اقتصادية متعددة تشمل البطالة، أزمة السكن، والتحديات المرتبطة بتنويع الاقتصاد”. ويرى المتحدث أن غياب الاستراتيجيات العليا وسياسات الدولة الواضحة يجعل قرارات الحكومة عشوائية، حيث يعتمد كل مسؤول على رؤيته الشخصية دون مراعاة الأولويات الفعلية للمجتمع.
ووفقاً لحنتوش، فإن التعداد السكاني يوفر بيانات ضرورية حول مختلف الجوانب المجتمعية، مثل عدد العاطلين عن العمل، نسبة من لا يملكون مساكن، القدرة الشرائية للأفراد، توزيع الخدمات، والمشاكل المتعلقة بالعقارات والصحة. وبالتالي فأن توفر هذه البيانات يتيح للحكومة وضع خطط اقتصادية وتنموية تعالج الاحتياجات الفعلية للسكان، مثل إنشاء مدن صناعية، وتعزيز البنية التحتية، وتوفير وحدات سكنية بتكلفة مناسبة.
وفي الختام، شدد الخبير في الشأن المالي والمصرفي، على أهمية استجابة المواطنين للتعداد بكل صدق، معتبراً أن نجاح التعداد سيساعد العراق في التخلص من “الفوضى في الإنفاق” وتوجيه موارد الدولة نحو خطط فعالة تعود بالنفع على الأجيال القادمة، وتدعم تطوير الاقتصاد الوطني.