مع تصاعد عمليات جماعات المعارضة المسلحة في سوريا، وتقدمها في اتجاه مناطق عديدة، بدأ العراق حراكاً دبلوماسياً لإيقاف تمدد تلك الجماعات من جهة، ومنع تأثير ذلك على الحالة العراقية من جهة أخرى، وسط تحذيرات من خطط دولية تؤسس لنظام إقليمي جديد يوفر حماية كافية للكيان الصهيوني.
وتتضارب الأنباء حول تقدم مجاميع ارهابية صوب مناطق سيطرة الحكومة السورية، وسط تكذيب رسمي سوري لمقاطع فيديو بثتها منصات تابعة للجماعات المسلحة تظهر سيطرة عناصرها على مناطق في ريف العاصمة السورية دمشق.
وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف استمرار بلاده في تقديم الدعم العسكري لسوريا من خلال قاعدة حميميم، مؤكدا أن موسكو وطهران وأنقرة اتفقت على تسهيل وقف الأعمال القتالية في سوريا.
وجاءت تصريحات لافروف بعد اجتماع صيغة أستانا الذي عقد في العاصمة القطرية الدوحة حول التسوية السورية، حيث التقى مع نظيريه التركي هاكان فيدان، والإيراني عباس عراقجي.
وقال لافروف أمس السبت، إن "روسيا ستواصل محاربة الجماعات الإرهابية في سوريا حتى لو ادعى هؤلاء أنهم لم يعودوا إرهابيين"، مضيفا أنّ "عملنا ليس التنبؤ بما سيحدث، بل عدم السماح للإرهابيين بالسيطرة والانتصار".
وأكد، أنّ الشعب السوري أصبح هدفا لتجربة جيوسياسية، مشددا على أنّ استخدام الإرهابيين في أغراض جيوسياسية هو أمر "غير مقبول".
ويوم الجمعة الماضي، جدّد وزراء خارجية العراق وسوريا وإيـران، رفضهم لتواجد التنظيمات الإرهابية في سوريا، فيما اكدوا ضرورة حفظ سيادة البلد من التهديدات الخارجية.
وذكر بيان مشترك (عراقي – سوري – إيراني) أن "الاجتماع تطرق إلى التحديات التي تواجهها المنطقة بشكل عام والتطورات الأمنية الأخيرة في سوريا"، مبيناً أنّ "وزراء خارجية العراق وسوريا وإيران الذين اجتمعوا في بغداد تشاركوا وجهات النظر التي ركزت على خطورة الأحداث في سوريا وحساسيتها لجميع الأطراف في المنطقة، واحتماليات توسع أبعادها التي ستشكل خطراً شديداً على الدول الثلاث، وتهدد أمن شعوبها والمنطقة برمتها".
وجدد الوزراء بحسب البيان، "إدانة المشاركين للإرهاب بكافة أشكاله وصوره المصنفة من قبل مجلس الأمن، وأكدوا على العمل الجماعي للتصدي له"، فيما دانوا الاعتداءات الإسرائيلية المستمرة على سوريا وكذلك على غزة ولبنان.
وأشار الوزراء بحسب البيان الى أن "تهديد أمن سوريا يشكل خطراً عاماً على استقرار المنطقة برمتها، ولا خيار سوى التنسيق والتعاون والتشاور الدبلوماسي المستمر لإبعاد جميع مخاطر التصعيد في المنطقة".
وأكد البيان أنه "تم التأكيد على حشد جميع الجهود العربية والإقليمية والدولية من أجل التوصل إلى حلول سلمية للتحديات التي تواجه المنطقة عموماً وسوريا على وجه الخصوص".
قوات الأمن في حالة تأهب
وعلى صعيد الاستنفار الأمني، زار رئيس أركان الجيش الفريق أول قوات خاصة الركن عبد الأمير رشيد يارالله، ونائب قائد العمليات المشتركة، الفريق أول الركن قيس المحمداوي، منفذ القائم الحدودي، وتفقدا الشريط الحدودي بين العراق وسوريا.
وذكرت قيادة العمليات المشتركة في بيان أن "هذه الزيارة تأتي في إطار إكمال خطط المناورة والانفتاح وتفقد القطعات لمجابهة جميع التحديات الأمنية".
ونقلت وكالة الانباء الرسمية عن مصدر أمني رفيع، بأن العراق استقبل امس أكثر من ألف جندي من الجيش السوري عبر معبر القائم في محافظة الأنبار.
فيما أكد عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية، محمد الشمري، أن "الحدود العراقية السورية مؤمّنة بشكل كبير، حيث اتخذت القوات العراقية خطوات عسكرية وأمنية عديدة لضمان السيطرة الكاملة على الشريط الحدودي"، مضيفاً أن "العراق يراقب الحدود على مدار الساعة لضمان عدم تسلل أي عناصر إرهابية".
واردف الشمري بأنه "رغم تأمين الحدود، فإن العراق يتأثر بالأحداث داخل العمق السوري، مما دفعه لرفع جاهزيته للتعامل مع أي طارئ".
هل تتحرك الخلايا النائمة؟
بدوره، تحدث الخبير الأمني أحمد الشريفي، عن احتمالية أن يحفز ما يجري في سوريا الخلايا النائمة في العراق على شن هجمات، قائلا: اذا قرر العراق الانخراط في الصراع السوري، فإن "الخلايا النائمة قد تُحرَّك"، موضحًا أن "النأي بالنفس" والتعامل بحذر مع المعطيات السياسية سيحافظ على استقرار الجبهة الداخلية.
وقال الشريفي لمراسل "طريق الشعب"، أن "الحصانة الفعلية للجبهة الداخلية لا يمكن أن تتحقق دون تأمين الجبهة الخارجية"، مشيرًا إلى أن "هذه الأخيرة تتعرض لصراع إرادات وتقاطع مصالح إقليمية وليس لتهديد تقليدي".
وأضاف الشريفي، ان "الأزمة السورية تحتاج لحلول سياسية أولًا، يليها جهد أمني وعسكري كداعم لهذا النهج".
وبحسب الشريفي، أنّ "اللقاءات الجارية في قطر تسهم في تأسيس نظام إقليمي جديد، موضحا أن صانع القرار السياسي الحكومي يجب أن يعي التوازنات الإقليمية والدولية بشكل دقيق ويستشرف المستقبل السياسي والعسكري للعراق".
وأشار إلى أن "التوازنات الإقليمية الدولية تؤثر بشكل كبير على الوضع في العراق، مؤكداً أن النصر والهزيمة مرتبطان بالقرار السياسي".
وبيّن الشريفي، أن "الوضع في سوريا يشير إلى اتجاه نحو "أقلمة سوريا" في إطار نظام فيدرالي، وهو مشروع يحظى بدعم إقليمي ودولي"، مشيرا إلى أن "تقسيم سوريا ليس خيارًا مطروحًا، بل هناك توجه نحو توسيع الإدارة الذاتية ضمن إطار فيدرالي".
إضعاف دول المنطقة
فيما أكد السياسي والقاضي المتقاعد وائل عبد اللطيف، أن ما يحدث في سوريا هو "جزء من مشروع أوسع يهدف إلى إضعاف المنطقة وتقسيمها، وذلك في إطار السعي للهيمنة على مقدراتها".
وأضاف عبد اللطيف في تصريح خاص لـ"طريق الشعب"، أن "العراق ليس بعيدًا عن تطورات الوضع في سوريا"، مشيرًا إلى أن "أي تأثير يحدث في سوريا سيطال العراق بشكل أو بآخر، وخاصة إذا سقطت سوريا بالكامل في يد الجماعات الإرهابية المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل".
وأوضح عبد اللطيف، أن "الدعم الذي تقدمه القوى الدولية لهذه الجماعات يهدف إلى زعزعة استقرار المنطقة وخلق أزمات تؤدي إلى إضعاف دول المنطقة"، محذرا من أن "هذا الدعم قد يجعل الإرهاب أقرب إلى الحدود العراقية، ما يهدد الأمن القومي".
وأشار إلى أن "مشروع تقسيم المنطقة يهدف إلى ضمان حماية الكيان الصهيوني وتعزيز أمنه في ظل التهديدات المتزايدة من عمليات طوفان الأقصى والمعارك في لبنان".
قمة بغداد الطارئة
أما رئيس مركز التفكير السياسي د. إحسان الشمري، فقد رأى أن انعقاد القمة الطارئة في بغداد بين وزراء خارجية العراق وإيران وسوريا يعكس حسابات استراتيجية عراقية، يهدف إلى تعزيز محور ثلاثي دبلوماسي بين الدول الثلاث
وقال الشمري، إنّ "القمة جاءت في ظل تصاعد الهجمات الإرهابية على الأراضي السورية"، مشيراً إلى أن "العراق اتخذ موقفاً واضحاً بالاصطفاف إلى جانب سوريا في مواجهة هذه التحديات"، مضيفا أن "الاجتماع ركز على محاولات الضغط على أطراف فاعلة في الأزمة السورية، خاصة أن العراق يحتفظ بعلاقة مميزة مع الولايات المتحدة، ما قد يتيح فرصة لدفع نحو تسوية مقبولة لدى سوريا وإيران".
وأضاف الشمري، أن "العراق سيعمل على تفعيل مستويات التعاون مع سوريا وإيران، بما يتجاوز التصريحات الدبلوماسية التي طُرحت في المؤتمر الصحفي المشترك"، مؤكدا أن هذا "التعاون قد يشمل تقديم دعم أمني واستخباراتي، أو إنشاء منطقة عازلة لمنع تسلل التنظيمات المسلحة، وحتى توجيه ضربات جوية إذا استشعر العراق تهديداً على حدوده".
وفيما يتعلق بالدور الأمريكي، أشار الشمري إلى أن "الولايات المتحدة تضغط على العراق لعدم التدخل في الشأن السوري"، معتبراً أن "أي طلب عراقي للتوسط في حل الأزمة قد يُقابل باستغراب أمريكي!".
واختتم الشمري حديثه بالتأكيد على أن العراق لن يقبل بتنفيذ أي شروط أمريكية، وسيواصل سياسته المستقلة في التعامل مع الملف السوري بما يحقق مصالحه الاستراتيجية.