في إطار الجهود المبذولة لإعادة النظر في كفاءة عمل المؤسسات المالية في البلاد، أُعلن عن البدء بهيكلة مصرف الرافدين بعد دراسة وتقييم شاملين تنفذهما شركة دولية متخصصة. وتهدف هذه الخطوة إلى معالجة التحديات التي تواجه المصرف، بما في ذلك البيروقراطية وسوء الإدارة، وتحسين أدائه بما ينسجم مع متطلبات السوق المتزايدة.
وتأتي هذه الخطوة وسط انتقادات بشأن ضعف النظام المصرفي العراقي وتأثيره السلبي على التنمية الاقتصادية، ما يطرح تساؤلات حول جدوى هذه الإجراءات ومدى جديتها في تحقيق إصلاح مصرفي حقيقي.
في المراحل الاخيرة
في هذا الصدد، اكدت شركة إرنست ويونغ للخدمات المهنية، ان هيكلة مصرف الرافدين وصل الى 74في المائة.
وقال فراس كيلاني، الخبير في مشروع الهيكلة من الشركة البريطانية، إن "مشروع الهيكلة تقدم بشكل كبير جداً منذ بدئه في أيلول من عام 2024 ووصل حالياً إلى 74 في المائة، وسيتم الانتهاء من ذلك نهاية الشهر الجاري، والانتقال إلى مرحلة متقدمة في هذا المشروع". وجاء ذلك في بيان للبنك المركزي.
مقدمة الاصلاح المصرفي
المستشار المالي لرئيس مجلس الوزراء، د. مظهر محمد صالح، قال ان "مصرف الرافدين، هو اول مصرف حكومي تجاري بتاريخ العراق، أسس عام 1941، وكان له وزن في اقتصاديات الشرق الاوسط، بالاضافة الى العراق".
واضاف قائلاً لـ"طريق الشعب"، ان المصرف "تحمل اعباء كثيرة وكبيرة، بسبب الحروب والصراعات التي دخل بها النظام المباد، اضافة للديون والنهب والتعثرات الكثيرة"، مبينا انه "بعد كل هذا اصبح مصرفا كبيرا لكن نشاطه ثقيل".
واوضح صالح، ان المصرف "يستحوذ على 66 في المائة من عمل المصارف، لكن في ذات الوقت تحتاج عملياته الى اصلاح كبير"، مشيراً الى ان "سياسة الاصلاح الاقتصادي المصرفي تبدأ من المصرف الكبير".
وتابع قائلاً: "لوحظ ان هذا المصرف يقوم بالعمليات المالية المصرفية للحكومة بالدرجة الاساس، والمواطنين بدرجة ثانية، وحتى نعزل العمليات المصرفية الحكومية المصرفية عن عمليات السوق، فأننا نحتاج ان نُقيّم المصرف". وبين في سياق حديثه، أن "المصرف اليوم يخضع للتقييم من قبل شركة استشارية أجنبية معروفة، لكي تقسمه الى مفصلين؛ الاول (مصرف) يكون وكيلاً مالياً للحكومة، و يتولى العمليات المصرفية الحكومية، خصوصاً وان حجم اسهام الحكومة بالناتج المحلي الاجمالي يبلغ 65 في المائة وهذا كبير. والمفصل الثاني سيقوم بعمليات السوق".
وعدّ المستشار الحكومي، ان ذلك مهم جدا في "ضبط المالية العامة وتدفقاتها ونشاطاتها من خلال مصرف كبير بفروعه، ولذلك ستكون الهيكلة باتجاهين: الاول مصرف يخدم المالية العامة في العراق وحركة الدولة المالية ليكون الوكيل المالي للدولة، والاتجاه الاخر مصرف يتولى عمليات تمويل التجارة الخارجية والقطاع الخاص ويمنح الائتمانات ويتلقى الودائع".
ونوه بان هناك "نقطة مشتركة ستبقى بين المصرفين الجديدين. هناك حقوق وحاجة للودائع، لذا فإن الشركة تنظر في آلية لن تتسبب فيها باي ضرر. اي ان المصرفين سيكونان قويين ويخدمان الاقتصاد الوطني، ولا سيما ان المصرف الذي سيكون مع السوق سيخدم السوق المصرفية مع بقية القطاع المصرفي والاهلي بالذات". واوضح ان "الدراسة ستنتهي الشهر الجاري، وستقيم الاصول و المخاطر و الاعضاء وما للمصرف وما عليه، اضافة لوضعه القانوني في حال تقسيمه وملكيته، وما هو رأسماله والمساهمات والشريك الاستراتيجي. كل هذه التفاصيل سيتم عرضها في الدراسة".
وواصل حديثه، ان "سياسة الاصلاح المصرفي الحكومي، تعتبر مقدمة للاصلاح المصرفي العام".
خطوة جيدة
ويرى المختص في الشأن المالي والمصرفي مصطفى حنتوش، ان "اعادة هيكلة مصرفي الرافدين والرشيد ممتازة، سيما وانهما من اكبر المصارف في العراق، وفيهما مدخرات تعادل القطاع المصرفي كاملا".
ونبه حنتوش في حديثه لـ "طريق الشعب"، الى ان "مشكلة المصرفين، هي انهما دخلا في عام 1991 القائمة السوداء، وعليهما ديون واعتمادات مفتوحة منذ الحرب العراقية الايرانية، لصالح بعض دول الخليج بقيمة 41 مليار دولار، ولم تسدد".
ونوه الى ان هناك "بعض المشاكل بما يخص داعش وسقوط بعض الخزائن وغيره، و بالنتيجة هذا يدفع لعملية هيكلتهما. والهيكلة هنا تعني بقاء المصرفين، ولكن يقلص ويقسم الى مجموعة فروع من مصرف الرافدين ومجموعة فروع من مصرف الرشيد، بحساباتها و بأرقامها لتدمج وتكون مصرفا جديدا".
واشار الى ان المصرف الجديد سيكون ضخماً وقد يكون المصرف الحكومي الاكبر في العراق، ويفتح حسابات في city bank و J.P. Morgan و يكون له مستقبل"، مبينا انه "سيكون يد الحكومة و يساعد مصرف TBI في العمل. وفي المستقبل سيتم تعديل حساباتهما واعادة رأسمالهما، لفك الديون الخارجية عليهما".
وخلص الى القول: ان "هذه الفكرة جيدة وقد ينشأ عنها مصرف حكومي جديد وقوي ويكون ذراعا للدولة، كونه مقيدا الان بكثرة اعمال الدولة".
تحديات عدة
وعن إعادة الهيكلة كتب د. دكتور هيثم محمد مطلك انه "من المتوقع لإعادة الهيكلة ان تقوم بتحسين اداء المصرف، بما يعمل على اعادة تأهيله ليكون قادرا على زيادة كفاءته في إدارة ميزانيته العمومية وتحسين قدرته على بلوغ مؤشرات الربحية وملاءة رأس المال ومؤشرات توظيف الموارد.
واوضح انه "من خلال إعادة تصميم الهيكل التنظيمي للمصرف، واستحداث أقسام جديدة ودمج الحالية بأخرى جديدة، يمكن ان ينجم عنه تطوير ادوات واهداف المصرف بهدف تحسين أداء هيكلية المصرف في البنية التحتية للتنظيم والرقابة وقواعد الملاءة والسيولة وسياسته الاقراضية وصياغة علاقاته مع المصارف الاخرى من جانب، والوحدات الحكومية وغيرها من جانب آخر".
وتابع مطلك قائلاً انه "من المحتمل على المستوى النظري بعد اجراء عملية اعادة الهيكلة، تحسن اداء المصرف وزيادة انتاجيته على الامدين القصير والطويل ورفع كفاءته المالية والتشغيلية. ويتوقع ان يستهدف الهيكل الجديد تجنب افلاس الائتمان عبر الحد من تراكم الارصدة غير الفعالة، وتجنب أزمة الائتمان".
وأردف كلامه ان "عملية اعادة الهيكلة تواجه عدة تحديات من اهمها، صعوبة استقطاب وجذب رأس المال الكافي المطلوب، وانخفاض معدلات الادخار وضعف سوق رأس المال وارتفاع تكلفة التقنية الحديثة وتطوير النظم المتعلقة بها، وارتفاع تكلفة تدريب العاملين في القطاع المصرفي".
ودعا المطلك برنامج اعادة الهيكلة الى ان يتجه الى تأمين متطلبين استراتيجيين؛ الاول: يتمحور حول هدف اعادة هيكلة جانب التشغيل بهدف تحقيق استقراره المالي".
وبالنسبة للمتطلب الثاني فانه "يتضمن هدفين الاول يختص باعادة هيكلة المصرف طبقا لخطة دقيقة وواضحة للامد القصير والمتوسط والطويل في الجانبين المؤسسي والتشغيلي، بما يضمن للمصرف التناغم مع شروط السوق وخدمة العملاء ووفقا لمتطلبات التحوط الواردة في قانون المصارف وقانون البنك المركزي العراقي، ومتطلبات الامتثال والمنافسة. اما الثاني فيختص بتعديل القوانين واللوائح والتعليمات التي تنظم عمل المصارف العراقية بما يؤهلها للعمل". في ظل المعايير والمؤشرات المصرفية الحديثة للالتحاق بمتطلبات السوق وتعزبز آفاق ومتطلبات النمو والاستقرار وبما يخدم عملية الاصلاح المصرفي.