يُواجه العراق صعوبات على صعد مختلفة، حيث أخذ المشهد الراهن في المنطقة يزيدها تعقيدا، بينما تظهر القوى السياسية المتحكمة بالسلطة ضعفاً واضحاً في مواجهة مشروع "الشرق الأوسط الجديد"، الذي يقع العراق في قلب أهدافه الاستعمارية.
وفي ظل ارتهان تلك القوى لأطراف خارجية، دولية وإقليمية، يستمر التدخل الأجنبي في شؤون بلدنا على حساب سيادته واستقلاله وقراره الوطني المستقل.
ويشدد الحزب الشيوعي العراقي على ضرورة تبني خطوات جادة وفعّالة لحماية بلدنا من المخططات والاطماع، ومن التداعيات السلبية المحتملة على أمنه واستقراره، بما يضمن تقوية مؤسسات الدولة الديمقراطية الاتحادية، واستكمال سيادتها الوطنية، التي تبقى منقوصة في ظل التدخلات الخارجية السياسية والعسكرية منها، واستمرار انتشار السلاح المنفلت.
تعزيز البناء الوطني الداخلي
وقال الرفيق ياسر السالم عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي، ان التطورات والتغيرات التي حصلت في المنطقة، لا سيما بعد الاحداث العاصفة التي شهدتها سوريا، تضع امام العراقيين تحديات وأولويات لا تحتمل المناورة ولا التأجيل أو الالتفاف عليها.
وأضاف السالم في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الصهيوني ضد الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية، والعدوان على لبنان، وصولاً إلى المتغير السريع في سوريا، أفرزت تداعيات ثقيلة على بلدنا"، منوها الى ان تلك الاحداث المتتالية سعت من خلالها إسرائيل وحليفتها الولايات الامريكية، وحلفاء الناتو في اوروبا والمنطقة، إلى تغيير موازين القوى في إطار مشروع ما يسمى «الشرق الأوسط الجديد»، الذي يقع العراق في قلب أهدافه شبه "الاستعمارية".
ومع هذا الحال، شدّد السالم على ضرورة "اتخاذ خطوات جادة وفعّالة لحماية بلدنا من المخططات والاطماع، ومن التداعيات السلبية المحتملة على أمنه واستقراره"، مشيرا الى ان "في مقدمة تلك التدابير، تعزيز البناء الوطني الداخلي، عبر سلسلة من الإجراءات الملموسة لحل المشكلات السياسية العالقة على أسس الدستور والعدالة الاجتماعية، بما يقود إلى تقوية الدولة الديمقراطية الاتحادية، واستكمال سيادتها الوطنية، التي ستبقى منقوصة في ظل استمرار التدخلات الخارجية السياسية والعسكرية منها، وفلتان السلاح أيا كان عنوانه".
ونوّه إلى أن "تأمين الحدود ومنع الاختراقات من الجماعات المسلحة والإرهابية، برغم أهميته يبقى إجراءً قاصراً ما لم يؤخذ بنظر الانقسامات والتحديات الداخلية التي يعيشها العراق، بسبب منهج الحكم الذي يستند إلى المحاصصة، واتساع ظاهرة الفساد، اللذين أبعدا شرائح اجتماعية واسعة عن المنظومة السياسية الحاكمة، وأضعف الثقة بالعملية السياسية برمتها".
وبيّن أنه "بات مطلوباً الآن، ومن دون تأخير، معالجة جادة وجذرية لأزمة نظام الحكم وجذور التوترات السياسية، بما يدفع نحو تغيير شامل، يفتح الأفق لبناء الدولة الديمقراطية، القائمة على أساس المواطنة والمشاركة الشعبية الواسعة"، مشدداً على "ضرورة أنّ تأتي معالجة جوانب الأزمة الاقتصادية جنباً إلى جنب مع المعالجات السياسية، من خلال تعزيز الدعم للفئات الفقيرة والمهمشة، وإطلاق التنمية الاقتصادية الشاملة على أساس تنويع مصادر الدخل الوطني، بما يسمح بتوفير فرص عمل للعاطلين، وإنهاء مشكلات البطالة وتداعياتها".
وشدّد على أن "إرادة العراقيين الموحدة، وحدها القادرة على كسر إرادات المشاريع الخارجية، ولجم الاختراقات المحتملة، وهو ما يجب السعي إليه والارتكاز عليه لمنع الارتدادات السلبية لأوضاع المنطقة".
تحييد الفصائل المسلحة
من جانبه، أكد الأكاديمي د. مجاشع التميمي، أن العراق اتخذ سلسلة من الإجراءات منذ اندلاع "طوفان الأقصى" في تشرين الأول 2023، بهدف منع الجماعات المسلحة العراقية من الانخراط في الحرب التي امتدت إلى غزة ولبنان ووصلت إلى سوريا.
وقال التميمي، إن الحكومة نجحت في تحييد بعض من الفصائل المسلحة عن المشاركة في هذه الحرب، لتجنب التصعيد.
وبحسب المتحدث إن "العراق قد يواجه تهديدات مباشرة في غرب البلاد مدعومة من قبل إسرائيل والولايات المتحدة".
وأضاف، أنّ "هذه التهديدات لا يمكن مواجهتها إلا من خلال إجراءات فعلية على الأرض، تتمثل في حلّ الفصائل العراقية المسلحة، وحصر السلاح بيد الدولة، وتوحيد القرار السياسي، مع تقليل التدخل الخارجي في الشؤون العراقية".
وأشار إلى، أنّ رئيس الوزراء يعمل حاليا بالتنسيق مع الأمم المتحدة والقوى السياسية العراقية، لاتخاذ خطوات تمنع استهداف العراق عسكريا.
ولفت إلى أن هذه الجهود أسفرت عن انسحاب الجماعات المسلحة العراقية من سوريا وتوقفها عن استهداف إسرائيل والمصالح الأمريكية. كما أشار إلى أن هناك محاولات مستمرة لحصر السلاح بيد الدولة، بهدف تعزيز الاستقرار الداخلي، وتجنب أي ضربة عسكرية محتملة.
وختم التميمي قائلاً: "حتى الآن، نراقب إمكانية تحقيق هذه المهمة الصعبة، وسط تحديات كبيرة قد تعيق تنفيذها".
رفض شعبي لأداء الأحزاب المتنفذة
فيما أكد الأكاديمي غالب الدعمي، أن لا خطر أمنيا على العراق نتيجة التغيرات التي حدثت في سوريا على يد الجماعات المسلحة هناك، مشيراً إلى أن القوات الأمنية العراقية تسيطر بشكل كامل على الحدود، ولن تسمح بانتقال تأثيرات تلك التغيرات إلى العراق.
وقال الدعمي في حديثه مع "طريق الشعب"، إن العراق لا يعاني من أي خطر أمني مباشر، خاصة في ما يتعلق بالأوضاع والتطورات في سوريا.
وأضاف الدعمي، أنه برغم السيطرة الأمنية، فإن الخطر يكمن في التحديات السياسية التي قد يواجهها العراق، مشيرًا إلى أن "العملية السياسية في العراق قد تم تشكيلها بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية، وبالتالي فإن استمرارها وقيامها بتوجيه رسائل عداء للأطراف التي دعمتها قد يجبر الولايات المتحدة على سحب دعمها للنظام السياسي القائم".
وحذر الدعمي من أن "الخطر الحقيقي يكمن في حال تخلت الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم النظام السياسي في بغداد، ما سيؤدي إلى مشكلات حقيقية في العراق"، موضحًا أن "الأطراف السياسية لم تلتزم بمصلحة الشعب العراقي ولم تقدم الخدمات المطلوبة، فضلاً عن أن العدالة الاجتماعية لم تحظ بالاهتمام الكافي".
وأشار إلى أن "هناك رفضًا شعبيًا واسعاً لاداء الأحزاب الحاكمة، وهو ما قد يفاقم الأزمة السياسية في حال تخلي الولايات المتحدة عن دعم النظام القائم"، مؤكدا أن "التزام الولايات المتحدة الأمريكية بدعم العراق يرتبط بتطبيق الحكومة العراقية للشروط الأمريكية، ومنها حل الفصائل المسلحة وتسليم أسلحتها الى القوات الأمنية".
وختم الدعمي حديثه بالقول إنه بينما يمكن للنظام السياسي العراقي أن يتعامل مع حل الفصائل، فإنه من غير المرجح أن يتقرب من حل الحشد الشعبي أو هيكلته، حتى لو كان الثمن هو سحب الدعم الأمريكي.
الحالة السورية.. شأن داخلي
من جانبه، حذر الأكاديمي كاظم المقدادي من تأثير التغيرات السياسية المفاجئة في المنطقة على الوضع الداخلي العراقي.
وقال المقدادي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن الحكومة العراقية، اتخذت إجراءات مبكرة لحماية الحدود العراقية بعد التغيرات في سوريا، معتقدا ان من المهم عدم تدخل العراق في الشأن السوري، سواء في السر أم العلن، وأن يتعامل مع ما يجري في سوريا على أنه قضية داخلية تخص الشعب السوري.
وأضاف، أن "التحدي الأكبر يتمثل في التصريحات السياسية لبعض الأحزاب والفصائل المسلحة، وهو أمر معقد، ويحتاج إلى حلول حقيقية"، منبها الى "التصريحات الأخيرة للرئيس الأمريكي المنتخب، دونالد ترامب، التي تحدث فيها عن إمكانية اندلاع حرب مع إيران، ما قد يضع مزيدا من التحديات للعراق في ظل الوضع الجغرافي والسياسي المتغير في منطقة الشرق الأوسط".