اخر الاخبار

يشكل ملف عقارات الدولة واحداً من الملفات الأكثر تعقيدا، التي تظهر عجز الحكومة عن استردادها ومواجهة نفوذ الجماعات التي تمتلك أجنحة مسلحة أو ترتبط بجهات سياسية مؤثرة في صناعة القرار، ما يسمح لها بالهيمنة على العديد من تلك العقارات، التي ينفع استثمارها لصالح الدولة والمواطنين، بدلا من تحولها الى مشاريع استثمارية تغذي أجندة تلك الأطراف المتنفذة.

ونص دستور العراق الحالي في المادة ۲۷/ أولا وثانيا على: (للأموال العامة حرمة، وحمايتها واجب على كل مواطن - تنظم بقانون الأحكام الخاصة بحفظ أملاك الدولة وإدارتها شروط التصرف فيها والحدود التي لا يجوز فيها النزول عن شيء من هذه الأموال).

وطبقا لقاضي أول محكمة بداءة الرصافة زينب صبيح، فإن القوانين والتشريعات التي تنظم ملكية عقارات الدولة عديدة، هي: دستور جمهورية العراق لسنة ۲۰۰٥ في المادة ۲۷ منه، والقرار رقم ١٥٤ لسنة ٢٠٠١، وكذلك القرار المرقم ٢٥٤ لسنة ٢٠١٣، والقرار ٤٤٠ لسنة ۲۰۰٨، وقانون إيجار عقارات الدولة رقم ۲۱ لسنة ۲۰۱۳، القانون المدني، قانون التسجيل العقاري، القرار رقم ٤٤٠ لسنة ٢٠٠٨، القرار ۳۸۷ لسنة ۲۰۱۲، الأمر الديواني ٣٠٥ في ۲٩/ ۸ / ٢٠١٩، والقرار رقم ٢٤٤ لسنة ٢٠١٧.

تزوير وتلاعب وشطب

وكشف عضو مجلس النواب النائب أمير المعموري، عن حجم التجاوزات والتلاعبات التي يشهدها ملف عقارات وأملاك الدولة، قائلا: إن "هذا الملف يتضمن عقارات وأصولًا داخل العراق وخارجه"، مشيرا إلى أن مجلس النواب شكّل لجنة خاصة باسم "لجنة الحفاظ على العقارات وأملاك الدولة" لمعالجة هذا الملف.

وبحسب المعموري فإن "اللجنة قامت بجمع قاعدة بيانات تتعلق بأصول وأملاك الدولة، حيث تم تحديد العديد من المخالفات، أبرزها التزوير، التلاعب بالسجلات الرسمية، فقدان الوثائق المهمة، وشطب قيود رسمية تخص هذه العقارات".

وبيّن أن "التنوع الكبير في طبيعة هذه العقارات، أظهر أن تلك المملوكة للوزارات أو المحافظات أو الكيانات المنحلة، تتطلب إيجاد قاعدة بيانات موحدة".

وأكد، أن "أكثر من ٩٬٠٠٠ عقار حكومي تعرضت للتجاوز، وأن قيمتها الحقيقية تفوق بكثير ما تم تأجيره أو بيعه به".

واستشهد النائب بحالات تم فيها بيع عقارات تتجاوز قيمتها ٢٠ مليار دينار عراقي بمبالغ لا تتجاوز ١٠٠ مليون دينار، معتبرًا ذلك خرقًا واضحًا للقوانين والأنظمة النافذة.

وأشار إلى "وجود تجاوزات مشابهة في ملف العقارات الواقعة خارج العراق"، مؤكدًا ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة للحفاظ على هذه الأصول، وإعادة النظر في العقود غير القانونية التي أضرت بالخزينة العامة.

وأصدرت هيئة النزاهة الاتحادية إحصائية في عام 2022، تضمنت رصدها لـ(31378) عقاراً تابعاً للدولة، مستولى أو متجاوزاً عليها في عموم المحافظات العراقية باستثناء التابعة لإقليم كردستان. وكانت لنينوى الحصة الكبرى منها بـ(8585) عقاراً لم يسترجع منها سوى (35) عقاراً فقط.

مليون عقار تعود للدولة

وفي إحصائية أخيرة أجرتها وزارة العدل، فإن هناك أكثر من مليون عقار تعود للدولة في مختلف المحافظات؛ يوجد منها قرابة 20 ألف عقار في بغداد. وقد بررت الوزارة إحصاءها بمنع التلاعب بها أو الاستيلاء عليها.

وحدّدت دائرة عقارات الدولة، نسبة التجاوز على عقارات الدولة بأنها تصل إلى 20% من إجماليها.

وقالت مدير عام الدائرة نادية رشيد، إن "التجاوزات على عقارات الدولة تمثل مشكلة كبيرة"، مؤكدة أنه "تم تنفيذ إجراءات قانونية ورفع دعاوى على المتجاوزين لإخلاء وإزالة التجاوز وفق قرار 154 وكذلك المطالبة بأجر مالي للمدة الذي قضاها المتجاوز دون موافقات أصولية".

وأكدت أن "التجاوز على عقارات الدولة لم ينته، ولكنه انحسر".

ملف شائك

المختص في مجال مكافحة الفساد سعيد ياسين، قال ان "ملف عقارات الدولة ملف شائك، ومنذ عام 2019 صدر الأمر الديواني 50 لجرد وإعداد قاعدة بيانات عقارات الدولة كون هناك تجاوزات واستيلاء على هذه الممتلكات".

واستبعد ياسين في حديث مع "طريق الشعب"، تمكن الحكومة من التوصل الى "قاعدة بيانات متكاملة عن هذه العقارات، لتجري متابعتها من قبل وزارة المالية"، مبيناً أن تلك العقارات تتوزع بين: ما تم حجزه وتسجيله باسم الدولة من بينها عقارات واراض مستولى عليها من دون دفع ايجار المثل. والنوع الثاني يشمل العقارات المؤجرة لكن ليست بإيجار المثل؛ على سبيل المثال بيت مساحته ألف متر، وإيجاره آلاف الدنانير، فضلا عن عقارات مستولى عليها بعذر الايجار لكن لا يتم دفع الإيجار.

وكشف المختص في مجال مكافحة الفساد، عن وجود نافذين يستولون على هذه العقارات نتيجة لنفوذهم السياسي وامتلاكهم السلاح المنفلت.

وطبقا لياسين، فان عائدية هذه العقارات ترتبط بالإدارات المحلية للمحافظات، وقسم آخر تابع لوزارة المالية ومنها تعود للأوقاف الدينية، اضافة الى العقارات التابعة للوزارات".

وذكر المتحدث، ان "استكمال قاعدة البيانات وإنفاذ القانون يسمحان باسترداد تلك العقارات لصالح الدولة، وتقييمها بالأسعار الحقيقية وكذلك إيجارها يكون بأسعار حقيقية وليس شكليا".

وأكمل، "نحتاج الى إقامة العدل في ملف العقارات، وإذا كان هناك اعتداء على الممتلكات العامة نتيجة النفوذ السياسي فيجب التحرك قضائيا من اجل ان تسترجع هذه العقارات ومعاقبة من اعتدى واستولى عليها بغير وجه حق".

تأخير التنمية العمرانية

وشرح قاضي أول محكمة بداءة الكرخ استبرق حمادي، الآثار السلبية التي تترتب على التجاوز على الأراضي والعقارات العائدة الدولة ومرافقها العامة والوزارات، قائلا: إنها "تؤدي إلى حرمان الدولة من الانتفاع بالعقارات العائدة لها، وكذلك تأخير عملية التنمية العمرانية والاقتصادية".

وقال حمادي في تصريح لصحيفة مجلس القضاء الأعلى، إنّ "وجود متجاوزين على الأراضي والعقارات المخصصة إلى الوزارات يعيق عمل الوزارات ويؤخر تقديم الخدمة العامة التي تقدمها تلك الدوائر والوزارات، وكذلك يؤدي إلى تلكؤ في تنفيذ المشاريع الاستثمارية السكنية والصناعية والتجارية والزراعية وتأخير في منح الإجازات الاستثمارية لاستغلال تلك الأراضي والعقارات، ووفقاً للغرض الذي حدد لها بموجب التصميم الأساس للمحافظات والأقضية والنواحي".

وأضاف القاضي حمادي، أن "الطرق والإجراءات القانونية المتبعة تجاه المتجاوزين تتمثل بما رسمته التشريعات القانونية النافذة والتي تعمل بموجبها الجهات التنفيذية والقضائية ومنها القانون رقم ٣٦ لسنة ١٩٩٤ والذي نص على تشكيل لجان في بغداد والمحافظات لرفع التجاوزات على الأملاك العامة والخاصة ونص على فرض عقوبات سالبة للحرية، تصل السجن لمدة عشر سنوات إضافة إلى غرامة مالية".

ونوه بأن "القرار ١٥٤ لسنة ۲۰۰۱ والذي نص على فرض عقوبات على المتجاوزين على الأملاك العامة، إضافة إلى أحكام القواعد العامة في قانون العقوبات النافذ رقم ١١١ لسنة ١٩٦٩ المعدل، وكذلك القوانين العقابية الأخرى التي صدرت من مجلس قيادة الثورة المنحل، والتي ما زالت نافذة والتي عالجت مسألة حماية العقارات والأملاك العائدة للدولة وعدم جواز استغلالها أو التجاوز عليها وفقاً لأحكام القانون رقم ۲۱ لسنة ۲۰۱۳ (قانون بيع وتأجير أموال الدولة النافذ) والقوانين الأخرى التي تعالج هذه المسألة".

واختتم بأن "أحكام القانون المدني رقم ٤٠ لسنة ١٩٥١ أعطت الحق الى دوائر الدولة والوزارات، لإقامة الدعاوى أمام محكمة البداءة لرفع التجاوزات واستعادة حيازة العقارات العائدة لها، كذلك المطالبة بأجر المثل والتعويض عن الأضرار التي لحقت العقارات والأملاك العامة".

عرض مقالات: