يبدو أن الحكومة الحالية التي بدأ أنصارها يحشّدون لموسم الانتخابات المقبلة، قد استسلمت لرهان قوى المحاصصة التي وقفت بالضد من التعديل الوزاري، الذي تعهّد السيد رئيس مجلس الوزراء بإجرائه بعد سنة من تشكيل حكومته، الى جانب الكثير من الملفات التي تصدرت منهاجه الوزاري، لكنها لم تغادرْه إلى أرض الواقع، إنما بقيت حبيسة الاستهلاك الإعلامي.
ولقرابة 22 عاما، ظل العراقيون يأملون في إصلاحات حقيقية تقترب من تطلعاتهم إلى الدولة المدنية الديمقراطية القائمة على نظام مؤسساتي وقانوني، يسعى لتحقيق العيش الكريم لجميع أبناء البلد. لكن النهج المحاصصاتي لم ينتج سوى حكومات عاجزة عن تحقيق ذلك، مستسلمة للولاءات الحزبية والمصالح الضيقة، ورغبات الأقلية المتنفذة، تاركة العراقيين يتقلبون من أزمة الى أزمة.
عرقلة مقصودة
وفي مقابلة متلفزة، أذاعتها قناة العراقية، الخميس الماضي، تطرق رئيس مجلس الوزراء محمد السوداني الى ملف التعديل الوزاري، مؤكدا وجود عرقلة مقصودة لإجرائه.
وقال إن لديه "تقييمات، ونتائجها توصلت الى ان هناك حاجة الى تعديل وزاري يشمل 4ـ 6 وزارات"، مشيرا إلى ان تأخر التعديل "ليس له علاقة بعامل الوقت؛ فبعض القوى السياسية ارتأت ان يكون التعديل الوزاري شكليا لوزارتين او ثلاث، لكنني رفضت".
وأضاف انه فاتح القوى السياسية بشأن تلك التعديلات، لكنه واجه "مشكلتين، حيث كان يفترض اجراء التعديلات قبل فترة ولكن شغور منصب رئيس مجلس النواب حال دون ذلك. بينما الكتل السياسية تتعامل بمزاجية مع ملف تغيير الوزراء، وبعض الكتل قدمت مرشحين، ولكن مواصفاتهم اقل بكثير من الوزير المراد تغييره".
واشار الى انه "في ظل غياب التوافق مع القوى السياسية، لا يمكنني الذهاب الى البرلمان وطلب تغيير بعض الوزراء".
أسباب الإخفاق
وفي هذا الشأن، قال الأكاديمي، د. مجاشع التميمي ان "حديث رئيس الوزراء عن الحاجة إلى إجراء هذه التعديلات، وتأكيده على وجود عراقيل تمنع هذا الإجراء، يعني انه ما يزال يواجه ضغوطا كبيرة ولا يتمتع بأي حرية كما ادعت القوى السياسية وقت تشكيل الحكومة عام 2022".
وأضاف التميمي في حديث مع "طريق الشعب"، أن "المحاصصة ـ كما كان متوقعاً ـ قيدت رئيس الوزراء كثيراً، ولم تسهل مطلقا اي جهود في تقديم الخدمات وتحقيق البرنامج الحكومي، وهذه هي أبرز اسباب الاخفاق في تنفيذ المنهاج الحكومي".
وتابع قائلا: ان "الشعور بالإحباط، قد يكون هو الذي دفع السوداني للحديث بهذه الصراحة في الاعلام عن القيود التي وضعتها القوى السياسية في موضوع التعديل الوزاري الذي وعد به منذ 2023".
ولفت الى ان "اغلب الوزراء كانوا دون مستوى الطموح واغلبهم لا يملكون الخبرة في الإدارة خاصة في هذه الظروف، التي على أساسها سميت حكومة الخدمات، بل ان بعضهم لا يصلح لإدارة قسم، وليس وزارة".
واكد التميمي ان هناك "حاجة لإجراء تعديلات وزارية، لان اغلبهم ليس بمستوى المسؤولية، وحتى نتائج تقييم اللجنة التي شكلها السوداني، أظهرت انهم غير قادرين على ترجمة البرنامج الحكومي على ارض الواقع، كما يفترض ان تكون التعديلات وفق تقييمات ورؤية رئيس الحكومة، لا مزاج القوى السياسية".
نتائج المحاصصة
وضمن السياق، قال رئيس مركز بغداد للدراسات، د. مناف الموسوي ان "هذا الاخفاق هو نتيجة طبيعية حينما تتشكل الحكومة على اساس المحاصصة، والواقع يقول ان رئيس الوزراء غير قادر على الاقدام على تغيير وزاري، فهؤلاء الوزراء حصة القوى السياسية التي شكلت الحكومة"، مؤكدا ان "الحديث عن اي تعديل وزاري أصبح بلا قيمة او معنى، فهذا التغيير حتى لو تم فلن يسهم بتحسين الأداء الضعيف للحكومة الحالية، التي لم يتبق من عمرها سوى 10 أشهر".
ولفت في حديثه مع "طريق الشعب"، الى ان "رئيس الحكومة لا يمكنه اتخاذ قرار بهذا الشأن دون العودة الى القوى التي شكلت حكومته، والتي بطبيعة الحال لم تسمح"، مبينا ان "المحاصصة السياسية والطائفية هي أخطر ممارسة تنتجها القوى المتنفذة، حيث ان الوزراء عادة ما يعملون لمصلحة الحزب او الزعيم السياسي، على حساب مصالح الشعب والدولة".
وتابع الموسوي: ان "رغبة إجراء تعديلات وزارية، تدلل على ان هناك خللا وسوء ادارة واشكالا لدى الحكومة"، مبينا ان "اغلب الوزارات لم تنفذ المنهاج الوزاري. بمعنى ان هناك اخفاقا في الكثير من القطاعات مثل الصحة والتعليم الى جانب بقية القطاعات الاخرى". وخلص الى القول ان هذا الإخفاق الحكومي يأتي في الاصرار على نهج المحاصصة، وغياب المعارضة الحقيقية والرقابة الفاعلة لمجلس النواب في متابعة تنفيذ البرنامج الحكومي".
مزاج القوى المتنفذة
من جهته، قال الصحفي والناشط المدني رحيم الشمري انه "لا قيمة لأي إجراءات حكومية في تقييم الأداء، كون الحكومة تشكلت بشكل توافقي على اساس محاصصاتي، ورفضت القوى المتنفذة التوجه نحو التعديل الوزاري منذ العام 2023".
وأضاف الشمري في حديث مع "طريق الشعب"، ان "الحديث عن إجراء تعديل وزاري او استبدال وزير مجرد أضغاث أحلام، إذ لا يمكن حتى استبدال مدير عام وليس وزيرا، لان مجلس الوزراء مجرد موظفين عند رؤساء الأحزاب الحاكمة والمتحكمة بصناعة القرار، فهم يقررون كيف تسير الأمور".
ولخص المشهد بأن "الانتخابات البرلمانية صارت قريبة، وعمر الحكومة الحالية قصير جدا، بينما انتصرت المحاصصة وتغلغل الفساد أكثر في دوائر الدولة، وانشغلت الأحزاب المتنفذة بالصفقات والمكاسب والامتيازات، بينما يحمل العراقيون آمالهم وأحلامهم وتطلعاتهم، التي لم تجد اهتماما وتعاطيا جادا معها من قبل تلك القوى".
وكانت اللجنة القانونية في مجلس النواب، قد اكدت أن البرلمان سيركز خلال الفصل التشريعي المقبل على استجواب الوزراء بدلاً من النظر في التعديل الوزاري.
وقال عضو اللجنة القانونية، محمد الخفاجي، ان "هناك استجوابات مهنية ستتم خلال الفصل التشريعي المقبل، وهي تمثل إحدى أهم أدوات البرلمان الرقابية".
وأضاف أن "اللجنة طالبت أكثر من مرة بعدم عرقلة الاستجوابات، إذ يوجد أكثر من ملف استجواب مكتمل ومدقق، ولكنه متوقف على موافقة رئاسة المجلس".
وأضاف، "نأمل تحريك هذا الموضوع في الجلسات المقبلة، خلال الفصل التشريعي المقبل، إذ إن استجواب الجهات التنفيذية يعد أحد أهم أدوار البرلمان. وفي حال أيدت هيئة الرئاسة هذا الأمر، فإن المجلس سيكون قادرًا على استجواب المسؤولين الحكوميين".