اخر الاخبار

في خطوة تهدف إلى مكافحة غسل الأموال وتعزيز الشفافية في قطاع العقارات، وجّه البنك المركزي العراقي مؤخراً دائرة التسجيل العقاري بمنع إتمام بيع العقارات التي تتجاوز قيمتها 100 مليون دينار إلا عبر المصارف العراقية.

ويأتي هذا القرار في إطار الإجراءات التي أعلن عنها البنك المركزي في أيار 2024، للحد من عمليات غسل الأموال في قطاع العقارات، حيث تم تحديد سقف لبيع وشراء العقارات عبر القطاع المصرفي بمقدار 500 مليون دينار، وذلك بهدف تسهيل الرقابة على الأموال المتداولة وتحديد ملكية العقارات.

وفي هذا السياق، يرى العديد من أصحاب الاختصاص أن هذه الخطوة، رغم أهميتها، غير كافية لتحقيق الأهداف المرجوة، حيث يشددون على ضرورة اتخاذ المزيد من الإجراءات التي تشمل تحسين البنية التحتية للمصارف، تبسيط الإجراءات لتسهيل المعاملات العقارية، وتعزيز القوانين الرقابية، بالإضافة إلى تطوير أنظمة تسجيل العقارات.

اللجنة المالية تعترض

وفي تعليق على هذا القرار، انتقد عضو اللجنة المالية النيابية، ثامر ذيبان، قرار المركزي، قائلاً إنه "غير مدروس".

وقال ذيبان، إن "أغلب العقارات في العاصمة بغداد والمحافظات الأخرى تتجاوز أسعارها الحد الذي حدده البنك المركزي"، مضيفا أن "غير الموظف سيكون الضحية لهذا القرار".

وطالب النائب بأن يكون القرار مقتصراً على موظفي الدولة وكبار المسؤولين، مشيرا الى أن "أسواق العقارات تشهد ركوداً بسبب هذا القرار، ما سيضر بالمواطنين وبالذين يعتمدون على بيع وشراء العقارات كمصدر دخل". واتهم ذيبان القرار بأنه "يدخل ضمن أبواب الفساد"، مشيراً إلى أن "اللجان التي ستقيّم العقارات قد تقوم بتقييمها بأقل من 100 مليون دينار لتسيير المعاملات".  وطالب البنك المركزي بـ "عدم التدخل بمثل هذه القرارات التي لا علاقة للمواطن بها".

تحجيم غسل الأموال

من جهة أخرى، قال الباحث المختص في الشأن المالي والمصرفي، مصطفى حنتوش، إن "قرار البنك المركزي العراقي بتقييد مبيعات العقارات التي تبلغ قيمتها أكثر من 100 مليون دينار، يدخل ضمن عملية الإجبار وليس التسويق المصرفي".

وأضاف حنتوش في حديث لـ "طريق الشعب"، أن هذا القرار يأتي في سياق "تحجيم غسل الأموال الداخلي"، برغم أن العراق يعد واحداً من أكبر دول غسل الأموال من خلال الحوالات الخارجية التي تقدر بـ 70 مليار دولار، بينما البضاعة التي تتم جباية الكمرك والضريبة لها لا تتجاوز 20 مليار دولار، ما يجعل هذا القطاع من أكبر أبواب غسل الأموال في العالم.

واعتبر أن هناك حاجة لتحرك جاد من قبل البنك المركزي العراقي من خلال ربط الحوالات والاعتمادات مع المنافذ الجمركية وأخذ الرسوم والضرائب بشكل مباشر.

دعوات للإصلاحات الشاملة

وفي هذا الإطار، أكد رئيس المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية، جليل اللامي، أن القرار خطوة مهمة نحو تعزيز الشفافية ومكافحة الفساد في السوق العقارية العراقية، لكنه يحتاج إلى دعم وإصلاحات إضافية لضمان نجاحه وفعاليته.

وأضاف اللامي لـ "طريق الشعب" أنّ "القرار يُعتبر خطوة إيجابية نحو تنظيم السوق العقارية في العراق، حيث يهدف إلى تقليل فرص غسل الأموال والفساد المالي، عبر إلزام البائع والمشتري بفتح حسابات مصرفية لإتمام المعاملات".

وأشار إلى أنّ هذا القرار سيعمل على تعزيز الشفافية من خلال تتبع حركة الأموال، ما يسهم في ضبط أسعار العقارات ومنع التلاعب بها، مضيفاً أن زيادة التعاملات المصرفية ستحسن من الثقة في القطاع المصرفي، وتقلل من التعاملات النقدية.

وأردف اللامي، أنّ هذا الإجراء لا يعتبر كافياً بمفرده، مشيراً إلى أنه قد يواجه تحديات في التطبيق الفعلي، خاصة في ظل تأخر تطوير القطاع المصرفي المحلي.

ودعا إلى تطوير البنية التحتية للمصارف، وتبسيط الإجراءات لتسهيل المعاملات العقارية، بالإضافة إلى تعزيز القوانين الرقابية وتطبيق قوانين مكافحة غسيل الأموال بشكل صارم.

وشدد اللامي على أهمية تطوير أنظمة تسجيل العقارات، من خلال إنشاء نظام رقمي مركزي، يتيح تتبع عمليات البيع والشراء بسهولة، مؤكدا أن ذلك سيسهم في تقليل فرص الفساد والتلاعب، ويعزز من مصداقية القطاع العقاري في العراق.

تساؤلات حول الضريبة

من جهته، أكد المتخصص في الشأن الاقتصادي والمالي منار العبيدي، ان الجدل حول القرار "لم يكن بسبب القرار نفسه، بل بسبب الارتفاع المحتمل في قيمة ضريبة العقار".

وقال، إن قانون ضريبة العقار المعمول به يعود إلى عام 1949، وقد جرى تعديله في 1959، لكنه بقي دون تحديثات جوهرية لأكثر من 65 عامًا، في وقت شهد فيه العراق تغيرات اقتصادية واجتماعية كبيرة.

وأضاف، أنه كان من الأجدر التركيز على تعديل قانون ضريبة العقار بدلاً من النقاش حول قرار البنك المركزي، مشددًا على ضرورة تحويل الضريبة إلى رسوم منطقية تتناسب مع القيمة الحقيقية للعقار.

ودعا العبيدي إلى تبسيط قانون ضريبة العقار، الذي يعتمد بشكل كبير على التعليمات الصادرة منذ 65 عامًا، ما أدى إلى تحريفه عن مساره الحقيقي، مطالبا بتقديم نظام رسوم نسبي يحدد قيمة الضريبة وفقاً لطبيعة العقار وموقعه والغرض من شرائه، بما يحقق عدالة ضريبية ويخفف من الأعباء المالية على المواطنين، دون التأثير على عائدات الدولة.

ودعا العبيدي مجلس النواب العراقي والجهات المعنية الى الإسراع في تعديل قانون ضريبة العقار بما يتلاءم مع متطلبات المرحلة الراهنة، مشيراً إلى التوسع الكبير في المدن والنمو الهائل في عدد السكان، مما يجعل من الصعب استمرار العمل بالقوانين المعمول بها منذ أكثر من 60 عامًا.

عرض مقالات: