اخر الاخبار

في تجاوز خطير على الدستور والقوانين، أقدم مجلس النواب على تمرير ثلاثة قوانين مثيرة للجدل عبر ما يُعرف بـ"السلة الواحدة".

الجلسة، التي عُقدت يوم الثلاثاء الماضي، شهدت تصويتاً على تعديل قانوني الأحوال الشخصية والعفو العام، بالإضافة إلى تشريع قانون استرجاع الأملاك المصادرة في كركوك، وسط أجواء من الفوضى واعتراضات نيابية شديدة على طريقة إدارة رئيس البرلمان محمود المشهداني للجلسة.

في اجواء هرج ومرج

ومشهد فوضوي، عُقدت الجلسة بعد توافق بين القوى السياسية لتمرير القوانين دفعة واحدة. وخلافاً للإجراءات المعتادة، لم تُعرض القوانين منفردة للتصويت، بل عمد المشهداني إلى طرحها دفعة واحدة وإقرارها خلال دقائق، ثم غادر القاعة، ليعلن نائبه الثاني شاخوان عبد الله رفع الجلسة.

إثر ذلك، اشتعلت الأجواء داخل قاعة البرلمان، حيث صرخ عدد من النواب بأن آلية التصويت "باطلة وغير قانونية"، مشددين على أن التصويت الجماعي "يفتقر إلى الشرعية".

تهديد بالطعن

وعقد عدد من النواب مؤتمراً صحافياً في مبنى البرلمان.

وقال النائب يوسف الكلابي، انه "في سابقة خطيرة، صوّت البرلمان على ثلاثة قوانين جدلية دفعة واحدة، وهو إجراء باطل. سنتجه إلى المحكمة للطعن في الجلسة".

وأضاف، "لن نقبل بأن يتحول النواب إلى أدوات خاضعة لرئاسة المجلس والكتل السياسية".

من جهته، وصف النائب سعد التوبي الجلسة بأنها "مزاجية سياسية"، مشيراً إلى أن التصويت جرى دون تحقيق النصاب القانوني.

وأكد أن أكثر من 50 نائباً وقعوا على طلب لإقالة المشهداني من منصبه.

طعن في شرعية الجلسة

وفي تصعيد جديد، أعلن النائب هادي السلامي تقديم طعن لدى المحكمة الاتحادية، أعلى سلطة قضائية في العراق، بشأن دستورية الجلسة.

ونشر السلامي صورة له برفقة عدد من النواب أمام بوابة المحكمة الاتحادية، مؤكداً المضي قدماً في الإجراءات القانونية لإبطال نتائج الجلسة.

وعلى ما يبدو، فقد دفع رئيس مجلس النواب ثمن انتخابه رئيسًا للمجلس بسرعة، حيث تعرض لانتقادات واسعة بعد أن كان قد أكد في وقت سابق أنه لن يمرر القوانين الثلاثة دفعة واحدة.

تحديات قانونية

خبراء وناشطون اعتبروا التصويت على القوانين ضمن "سلة واحدة" خرقاً واضحاً للدستور والنظام الداخلي لمجلس النواب، ووصفوا الخطوة بأنها إساءة جسيمة للديمقراطية.

واستنكر التيار الديمقراطي العراقي تصويت مجلس النواب على مجموعة من القوانين الجدلية، متجاهلاً إرادة الشعب وتطلعاته، ومتناسياً الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية الخانقة التي يعيشها المواطن العراقي.

وأشار التيار إلى أن تمرير تعديل قانون الأحوال الشخصية رقم (188) لسنة 1959 يُعد انتهاكاً لحقوق المرأة والأسرة العراقية.

كما أعرب عن قلقه من التعديل الثاني لقانون العفو العام رقم (27) لسنة 2016، مشيراً إلى إمكانيات استغلاله لإطلاق سراح المتورطين في قضايا فساد أو جرائم جنائية خطيرة.

وأكد التيار، أن عملية التصويت شابتها خروقات قانونية وإجرائية، ما يثير الشكوك حول نزاهة العملية التشريعية.

ودعا إلى إعادة النظر في هذه التشريعات، مشدداً على أهمية وضع مصلحة المواطن على رأس الأولويات.

وأكد المحامي زهير ضياء الدين أن الجلسة الأخيرة التي عقدها البرلمان تمثل نموذجاً للتخادم بين القوى السياسية البرلمانية، مشيراً إلى أنها تمت بعيداً عن الدستور ونصوصه الأساسية، ما يشكل تهديداً لمصلحة المواطن العراقي.

وأضاف ضياء الدين في تصريحات صحفية، أن احتمالية قبول الطعن أمام المحكمة الاتحادية ستكون كبيرة، خاصة أن العملية التشريعية تمت بعيداً عن الأطر الدستورية، حيث تم التصويت على القوانين بطريقة غريبة اعتمدت فقط على "الأسباب الموجبة"، بينما تم إغفال النصوص القانونية الأساسية التي تشكل جوهر وأساس التشريع.

وأوضح ضياء الدين، أن المحكمة الاتحادية قد ترى في هذه الإجراءات خرقاً دستورياً، لأن الدستور يتطلب إجراءات تشريعية تشمل قراءة أولى وثانية للمناقشة قبل التصويت النهائي على القوانين.

 وأشار إلى أنه سيتم الطعن في القوانين بعد نشرها في جريدة الوقائع العراقية، وهو ما يتيح للمحكمة الاتحادية النظر في الطعن إذا كانت القوانين قد أصبحت نافذة.

بدعة جديدة

من جهته، وصف الخبير القانوني أمير الدعمي جلسة البرلمان بأنها استحدثت "بدعًا جديدة"، أبرزها "قوانين السلة الواحدة"، التي لا تستند إلى نصوص الدستور أو النظام الداخلي لمجلس النواب. وأكد الدعمي أن هذه التعديلات ما هي إلا مقايضة سياسية تهدف إلى ترسيخ الطائفية والمحاصصة ،ما يعكس تجاهل مصالح المواطن العراقي.

الدعمي أضاف أن هذه القوانين تحمل في طياتها العديد من المخاطر، مثل قانون العفو العام الذي يتضمن فقرات تتيح العفو عن سارقي المال العام، بما في ذلك ما يسمى بـ "التسوية"، التي تسمح للمتهمين بسرقة الأموال العامة بإعادتها على مدى سنوات دون ضمانات فعلية لتحصيل الأموال. وأشار إلى أن تعديل قانون الأحوال الشخصية يعتبر خطوة سياسية لترسيخ الطائفية، محذراً من أن ذلك قد يؤدي إلى تفكيك المجتمع العراقي. كما حذر من أن قانون العقارات قد يفتح الباب للصراعات والاقتتال، خاصة في المناطق المتنازع عليها مثل كركوك.

وأشار الدعمي في ختام تصريحاته إلى أن المحكمة الاتحادية قد تدرس الطعون، لكنها قد تُحجم عن التدخل بسبب التوافقات السياسية، ما يعكس الصعوبات التي تواجه النظام القضائي في ظل توافقات القوى السياسية.

وأضاف، أن العراق يتراجع في مسار الديمقراطية بسبب الطبقة السياسية التي تخدم مصالحها الفئوية، ما يعرقل تقدم البلد.

عرض مقالات: