اخر الاخبار

برغم الوعود الحكومية بشأن الموازنة الثلاثية، إلا أنّ واقع إعدادها وتنفيذها عكس استمرار النهج ذاته الذي اتُّبع منذ 2005، حيث تبقى الأولوية لضمان مصالح الطبقة السياسية الحاكمة، دون أن يلمس المواطن أي تحسن فعلي في مستوى الخدمات أو المعيشة أو الاقتصاد.

فالموازنة، التي يُفترض أن تكون أداة لتحقيق التنمية الاقتصادية، لا تزال بحسب أصحاب الاختصاص، بعيدة كل البعد عن البرامج التي يفترض ان تعالج المشاكل لا مفاقمتها، ما يجعلها مجرد انعكاسا لتوزيع عائدات النفط بين القوى النافذة، بدلًا من توجيهها نحو مشاريع تنموية تُسهم في تنويع الاقتصاد.

ويؤكد مراقبون ان الموازنة لم تحقق الأهداف التي زُعِم أنها وُضعت من أجلها، حيث تغيب الحسابات الختامية، ما يعزز الشكوك حول أوجه صرف هذه الأموال الضخمة. ومع تفاقم الأزمات الاقتصادية وارتفاع معدلات الفقر، يبدو واضحًا أن هذه الموازنات ليست سوى أداة بيد القوى السياسية لتعزيز نفوذها، دون أية نية حقيقية لإجراء إصلاحات جوهرية.

موازنات سياسية

الخبير الاقتصادي صالح الهماشي قال: ان "الموازنة في العراق تعد موازنة كلاسيكية قائمة على بنود إنفاق، وليست موازنة برامجية كما تدّعي الحكومة. وبرغم الإعلان عن نية تحويلها إلى موازنة برامج، إلا أن الواقع يؤكد استمرارها كموازنة لسد الاحتياجات دون وجود توظيف حقيقي للأموال في مشاريع استثمارية منتجة. وحتى بالنسبة للموازنة الاستثمارية، فإن 90 في المائة منها يذهب إلى الشركات والاستثمارات النفطية، بينما تقتصر الاستثمارات الأخرى على المشاريع الترفيهية، في حين بدأ مؤخرًا التوجه نحو الاستثمار العقاري الذي لا يزال في مراحله الأولى".

أما في ما يتعلق بالموازنة الثلاثية قال لـ"طريق الشعب"، إنّها "لا تزال موازنة بنود، ولم تشهد حتى الآن أية تعديلات جوهرية تصب في مصلحة الشعب أو الاقتصاد الوطني. ولا يوجد في البلاد نظام إداري أو مالي أو محاسبي قادر على تحويلها إلى موازنة برامجية، إذ يتطلب ذلك تطويرًا حقيقيًا في آليات إعداد الموازنة وإدارتها وهو ما نفتقده". ومن جهة أخرى، أكد الهماشي أن "الموازنة تم تصميمها وفق مصالح الطبقة السياسية المتنفذة، حيث تُوزّع الحصص على الجهات المسيطرة على الوزارات بهدف تحقيق مكاسب سياسية. ومع كل زيادة في حجم الموازنة، تتفاقم الأزمات الاقتصادية، ويتنامى الفقر المدقع، ويزداد التضخم، دون أن ينعكس هذا الإنفاق على تحسين الواقع المعيشي أو الخدمات المقدمة للمواطنين".

وأردف بالقول: ان "الموازنات منذ عام 2005 لا تزال حتى اليوم تفشل في تحقيق أية نتائج إيجابية تُذكر، بل على العكس، هناك تراجع واضح في مستوى الخدمات ودخل الفرد، إلى جانب تدهور مستمر في النشاطات الاقتصادية. فعندما تُعدّ موازنة حكومية، يُفترض أن تنعكس على مختلف القطاعات الإنتاجية مثل الصناعة والزراعة والتجارة والخدمات، لكن الواقع يشير إلى أن جميع هذه القطاعات تشهد تراجعًا متواصلاً".

وخلص الى القول: ان "السؤال الأهم يبقى: هل التعديلات التي تجرى على الموازنة تهدف فعلًا إلى خدمة الصالح العام وتعزيز الاقتصاد الوطني، أم أنها تُفصَّل وفق مقاسات القوى السياسية المسيطرة لضمان مكاسبها؟ إن ما نشهده حاليًا يؤكد أن التعديلات الأخيرة ليست سوى انعكاس لصراعات سياسية بين الكتل المتنفذة، ومحاولة لإرضاء بعض الأطراف على حساب التنمية الحقيقية".

هل أدت الموازنة غرضها؟

من جهته، قال عبد العظيم الخفاجي ان "إعداد الموازنة الثلاثية تم في واقع الحال لخدمة السلطة والطبقة الحاكمة وليس لصالح الشعب؛ فهي لا تختلف عن الموازنات السابقة التي أُقرت منذ عام 2005 وحتى الآن. إذ وُضعت هذه الموازنات لضمان استمرار نفوذ الطبقة السياسية وأدواتها، دون أن يلمس المواطن العراقي أي أثر إيجابي لها على حياته".

وأضاف في حديث مع "طريق الشعب"، أن "هذه الموازنات أصبحت مجرد وسيلة لنهب ثروات العراق الهائلة، وخاصة النقدية منها، والتي يُفترض أنها لا تنضب. على سبيل المثال، تحقق الطبقة السياسية الطفيلية إيرادات جانبية تقدر بحوالي 8.4 تريليون دينار عراقي، وهو مبلغ ضخم يعادل ميزانية بعض الدول، مما يعكس حجم الفساد المستشري".

وتابع الخفاجي، أنّ "الدولة رخوة، حيث تُسن قوانين على الورق، لكنها لا تُطبق على أرض الواقع. وهذا النهج السياسي المتبع منذ 2003 جعل العراق يتراجع في جميع المجالات، سواء الزراعية أو الصناعية أو الاقتصادية أو الثقافية أو العلمية أو الصحية أو حتى السكنية. فالكلام قد يكون مُطمئنًا، لكن الأفعال على النقيض تمامًا، وهي سمة الأنظمة الشمولية التي تتقن الخطاب الشعبوي، بينما تعمل على سرقة مقدرات الشعوب".

ولفت الى انه "ما يهم في النهاية هو النتائج، والواقع يشير إلى أن نحو 90 في المائة من الشعب العراقي يعاني من الفقر والأزمات الاقتصادية، ويُواجه هذه التحديات وحده دون أية معالجات حكومية جادة".

وخلص الى القول ان "الموازنة الثلاثية لم تحقق الغاية التي زُعِم أنها وُضعت من أجلها، كما يجري التهرب من تقديم الحسابات الختامية، التي تعد أساس أي موازنة سليمة، كونها تُبين أوجه الصرف الفعلي للأموال. فبدلًا من ذلك، يتم إنفاق الموازنات بشكل غير شفاف، لصالح الفئات السياسية المتسلطة، دون تقديم أي كشف حساب يُوضح أين ذهبت هذه الأموال الضخمة ولمصلحة من صُرفت".

قصور واضح

إلى ذلك، قال المختص في الشأن الاقتصادي ثامر الهيمص انه "لم نشهد في إعداد الموازنات السابقة والحالية، أي توجه حقيقي نحو تعزيز الاقتصاد الوطني من خلال دعم الصناعة والزراعة وتنويع الإنتاج، بل تظل الموازنة مجرد انعكاس لعملية توزيع الإيرادات النفطية دون تحقيق تطور فعلي في القطاعات الإنتاجية".

واكد الهيمص لـ"طريق الشعب"، إن "غياب الاهتمام بالصناعة والزراعة، إلى جانب تراجع الخدمات الأساسية كالصحة والتعليم، يعكس قصورًا واضحًا في التخطيط الاقتصادي وطريقة إعداد الموازنة".

وعن التعديلات التي أجريت قال ان "الأمر يعتمد على الجهات التي تُجري هذه التعديلات والأدوات التي تستخدمها. ومع أن الموازنة الحالية لا تختلف كثيرًا عن سابقاتها من حيث العجز والموقف الاستثماري، إلا أننا نأمل أن يتم تنفيذ الجانب الاستثماري منها فعليًا، وتقديم الحسابات الختامية. لكن بالنظر إلى التجارب السابقة، يبدو من غير المرجح أن يتم تطبيقها بالشكل المطلوب".

عرض مقالات: