اخر الاخبار

تُعدّ الجرائم العابرة للحدود من أخطر التحديات الأمنية التي تواجه العراق، حيث باتت هذه الأنشطة الإجرامية، مثل تهريب المخدرات والأسلحة والاتجار بالبشر والآثار وغيرها، تتفاقم نتيجة للحدود الممتدة مع دول تعاني أيضًا من أزمات أمنية واقتصادية، ما يجعل السيطرة عليها أكثر تعقيدًا.

وما يزيد هذه الجرائم تعقيدا، هو الحديث عن حمايتها ورعايتها من قبل جهات سياسية متنفذة، الأمر الذي يجعل مكافحتها أكثر صعوبة. ورغم الجهود الأمنية التي بُذلت في السنوات الأخيرة لتعزيز السيطرة على المنافذ الحدودية وإبرام اتفاقيات تعاون مع الدول المجاورة، إلا أن العراق لا يزال يعاني من فجوات أمنية كبيرة تُستغل من قبل شبكات الجريمة المنظمة.

وأعلن رئيس مجلس الوزراء محمد شياع السوداني، استعداد العراق للتعاون مع جميع المنظمات والمؤسسات المختصة بمواجهة مخاطر المخدرات والجرائم العابرة للحدود.

وشدد على أهمية التنسيق بين الدول في ما يتعلق بهذا الملفّ الخطير، واستعداد العراق للتعاون مع جميع المنظمات والمؤسسات المختصة بمواجهة مخاطر المخدرات والجرائم العابرة للحدود.

وكان رئيس مجلس القضاء الاعلى القاضي فائق زيدان، أكد الشهر الماضي، العمل على تطوير نظام قضائي قادر على التعامل مع الجرائم العابرة للحدود.

وأشار الى ان "جهود العراق في مكافحة الجريمة المنظمة مستمرة، ويجري العمل على تطوير نظام قضائي قوي، ومؤسسات قانونية قادرة على التعامل مع هذه الجرائم العابرة للحدود"، موضحا أن " الجريمة المنظمة لا تقتصر على تهريب المخدرات، أو الاتجار بالبشر، أو تهريب الأسلحة، بل تشمل أيضا جرائم إلكترونية معقدة، وعصابات تجارية تهدد المصالح الاقتصادية للدول والشعوب".

واحتل العراق في العام 2023 مرتبة متقدّمة على لائحة الدول الأكثر مواجهة لظاهرة الجريمة المنظمة، ضمن أحدث مؤشّر نشرته "المبادرة العالمية لمكافحة الجريمة المنظمة العابرة للحدود الوطنية"، حيث أظهر المؤشّر احتلال البلد خلال المرتبة الثامنة عالميا من بين 193 دولة، والمرتبة الثانية قاريا من بين 46 دولة آسيوية، فيما احتل المرتبة الأولى من أصل 14 دولة تمثّل منطقة غرب آسيا.

ولا تتناسب هذه المراتب المؤشرة مع المقدّرات البشرية والمادية الضخمة التي يخصصها العراق للجانب الأمني، لكنّها تعكس ضعفا أمنيا وسوء تخطيط وإدارة.

حماية سياسية

وفي هذا الصدد، قال المتخصص بمجال مكافحة الفساد سعيد ياسين: ان "العراق شهد في السنوات الماضية تأثرًا كبيرًا بالجرائم العابرة للحدود، والتي تشمل تهريب السلاح، النفط، المخدرات، البشر، والأحجار الثمينة".

ووفقًا للمكتب المعني بالجريمة ومكافحة المخدرات في الأمم المتحدة، هناك خمسة أطر قانونية دولية رئيسية لمكافحة هذه الجرائم.

واضاف ياسين لـ"طريق الشعب": ان هذه الجرائم "تفاقمت في العراق نتيجة النفوذ المسلح والحماية السياسية التي توفرها بعض الأطراف لهذا النفوذ؛ فالجرائم العابرة للحدود غالبًا ما تتم عبر دول الجوار".

وفصل ياسين الحديث عن الجرائم قائلا: "كان تهريب النفط والأسلحة مع حدود سوريا قبل أن يتحول التركيز لاحقًا إلى المخدرات فقط. أما تهريب البشر والأحجار الثمينة، فيرتبط أكثر بجهة تركيا. في حين أن تهريب المخدرات يتم بشكل رئيس عبر حدود إيران، التي تعد جزءًا من “المثلث الذهبي” المشهور عالميًا بتهريب المخدرات، والذي يضم أيضًا أفغانستان وباكستان".

وتابع ياسين ان "جهود مكافحة هذه الجرائم في العراق بدأت عام 2019 من خلال تحليل البيئة الخاصة بالتهريب، حيث أُحرز تقدم في الحد من تهريب المخدرات، وتم الكشف عن شبكات منظمة تتورط فيها جهات حكومية وتجار دوليون".

ونوه الى ان "هذه الجرائم لا تتم بمعزل عن العالم، بل تُدار غالبًا تحت إشراف أجهزة مخابرات دولية لتمويل عمليات غير مشروعة"، لافتا الى ان "العراق أبرم خلال العامين الماضيين اتفاقيات ثنائية مع سوريا، تركيا، وإيران لمكافحة الجرائم العابرة للحدود، لا سيما تهريب المخدرات. كما اتخذت وزارة الداخلية إجراءات حدّت من بعض الأنشطة الإجرامية، لكن تهريب النفط والسلاح لا يزال قائمًا بسبب سيطرة جماعات مسلحة تدعي الحماية السياسية، ما يمنع اتخاذ إجراءات حازمة ضدها".

وفي ما يخص تهريب الأحجار الثمينة، أكد ياسين انه "مستمر أيضًا، لا سيما تهريب الذهب عبر تركيا"، منوهاً الى ان "هذه الجرائم تندرج ضمن عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب، حيث يتم تبييض الأموال عبر العقارات أو إعادة تصديرها إلى الأسواق لدمجها بالاقتصاد الرسمي".

سياسة مشجعة

وزاد بالقول: ان "استمرار هذه الجرائم يؤثر على سمعة العراق دوليًا، حيث تُعتبر تهديدًا للأمن العالمي، خاصة أن الأموال المغسولة يتم ضخها في اقتصادات دول أخرى، ما يضر بالاقتصاد الدولي"، مضيفا انه هذه الأموال تفرز ضررا داخليا أيضا: بدلا من ملاحقة الفاسدين والمتورطين في تهريب الأموال وغسلها، يتم فرض قيود وتدابير حكومية عادة ما تكون غير مدروسة فيطال ضررها المواطنين البسطاء".

ما المطلوب؟

من جهته، كرر الخبير الأمني أحمد الشريفي القول بأن الجرائم العابرة للحدود، مثل تهريب المخدرات، البشر، والأسلحة، تحظى بحماية ورعاية من أطراف سياسية متنفذة تستفيد منها بشكل أو بآخر، مما يعقد جهود مكافحتها.

وقال الشريفي في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "أي نقاش حول أمن الحدود يجب أن يأخذ بعين الاعتبار التعاون الدولي"، مبيناً ان "الحدود تعني وجود طرفين، أحدهما يمثل الدولة العراقية، والآخر يمثل الجهة المقابلة، ما يستلزم تكاملًا في العلاقات الدولية لضمان الاستقرار الأمني".

وأضاف أن "غياب هذا التكامل يجعل تأمين الحدود أمرًا صعبًا"، مستشهدًا بالوضع على الحدود العراقية - السورية التي لا تزال تشهد اضطرابات أمنية.

وشدد الخبير الامني على أن تحقيق الأمن الحدودي يتطلب "علاقات دولية متينة قائمة على التعاون المشترك، ويشمل ذلك تبادل المعلومات، الزيارات الرسمية، وتفعيل أدوات الردع الأمني، وهو ما يعزز الإجراءات الاستباقية ويجعلها أكثر فاعلية".

هل العراق قادر؟

وحول قدرة العراق على مواجهة هذه الجرائم، أوضح الشريفي أن "أي تورط سياسي في هذه الأنشطة يعني عمليًا انه سيصار لفتح الحدود أمام هذه الجرائم"، مذكّرا بأن تنظيم داعش اعتمد على “كسر الحدود للدول” كاستراتيجية تهديد عابر للحدود. لذا يجب ان تحصن الدولة نفسها بإجراءات صارمة لسد أي ثغرات داخلية قد تُستغل لزعزعة الأمن الحدودي والداخلي، لذا فأن مسألة كسر الحدود واردة سواء بتواطؤ سياسي ام عن طريق عصابات الجريمة المنظمة".

وأكد أن كل هذا يتوقف على "قوة الدولة في ضبط حدودها وقوة صانع القرار السياسي، وبالتالي فإن ضعف صانع القرار يؤدي الى استباحه حدوده. بينما يعزز القرار السياسي القوي المؤسسات الأمنية ويفرض إجراءات مشددة تضمن السيطرة الكاملة على الحدود".

واختتم الشريفي حديثه بالتأكيد على ان "التعاون المشترك بين الدول المتجاورة هو العامل الأهم في تحقيق أمن الحدود"، معتبرا أن "الحدود العراقية - السعودية تعد مثالًا على الاستقرار، نتيجة التنسيق والتعاون الأمني الفعال بين الجانبين".

عرض مقالات: