اخر الاخبار

تزايدت في السنوات الاخيرة، تجارة المخدرات وتعاطيها في بلادنا، التي أضحت طريقا أساسيا لتهريبها والاتجار بها، برغم تعزيز القوات الأمنية عملياتها في ملاحقة تجار المخدرات في الآونة الأخيرة، والإعلان بشكل شبه يومي عن وضع اليد على كميات من المخدرات واعتقال عصابات ومهربين.

وفي كانون الثاني، اشتبكت قوات الأمن مع تجار مخدرات في محافظة كركوك، ما أدى إلى مقتل تاجر وإصابة آخرين بالإضافة الى أفراد من القوات الأمنية. وفي محافظة ذي قار، تمكنت قوة من جهاز مكافحة المخدرات من اعتقال تاجريّ مخدرات بعد اشتباك مسلح معهما في منطقة المهيدية وسط مدينة الناصرية.

وقال زعيم التيار الوطني الشيعي السيد مقتدى الصدر، أخيرا، أن مشكلة تجارة المخدرات وانتشارها في العراق، يقف وراءها مستفيدون من داخل الحكومة وخارجها، مرجحاً وجود أسباب سياسية وراء ذلك.

طرق ترويج مبتكرة

يقول مصدر أمني، إن موضوع تجارة المخدرات في العراق يخضع لرعاية وترويج كبيرين من قبل قوى متنفذة ومسلحة، تعمل على ترويج بيع المخدرات على نطاق واسع.

ويضيف المصدر، الذي رفض الكشف عن هويته في حديث لـ"طريق الشعب"، أن "القوات الأمنية تقوم بدورها في ملاحقة المتاجرين بالمخدرات، لكنها تعجز عن تجفيف مصادر دخولها بشكل كامل"، مشيرا الى أن "القوات الأمنية بدأت تواجه مشكلة جديدة بعد إقرار قانون العفو العام، الذي رفع حجم حيازة المخدرات إلى 50 غرامًا للمتعاطين، وهو أمر من شأنه تسهيل عملية تجارة المخدرات وزيادة عدد المروجين".

وينبه المصدر إلى أن "المستفيدين من تجارة المخدرات قريبون من صناع القرار، وإلا كيف يمكن تفسير تمرير قرار منع المشروبات الكحولية، وهو قرار يفتقر إلى المنطق في ظل هذه الظروف؟"، مبينا أن "القوات الأمنية لاحظت ارتفاعًا ملحوظًا في أعداد متعاطي المخدرات بالتزامن مع حملة إغلاق محال المشروبات الكحولية وارتفاع أسعارها".

ويواصل كلامه مشيرا إلى أن "تجار المخدرات يقومون حاليًا بالترويج لبضائعهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وخاصة إنستغرام، حيث تم رصد إحدى الصفحات وهي تروج لمادة الكريستال عبر استخدام اسم اللاعب البرتغالي كريستيانو رونالدو كغطاء. وهذه واحدة من الطرق العديدة التي يتبعها هؤلاء التجار".

اعتقال 100 تاجر دولي

وفي السياق، أكد المتحدث باسم مديرية شؤون المخدرات في وزارة الداخلية، حسين التميمي، أن الوزارة نقلت ملف مكافحة المخدرات من إطار العمل الشرطي التقليدي إلى نهج استخباراتي، ما أسفر عن اعتقال 100 تاجر دولي خلال العام الحالي وحده.

وقال التميمي، أن تركيز الوزارة ينصب على استهداف كبار التجار، مشددًا على أن وزارة الداخلية تعتبر المتعاطين "ضحايا"، وقد افتتحت 15 مركزًا لإعادة التأهيل، نجحت في تأهيل 3500 متعاطٍ منذ إنشائها.

وأضاف، أن مادة الكريستال تُعد الأخطر بين المواد المخدرة المتداولة، وتدخل العراق من جهة الشرق، في حين يتدفق الكبتاغون من الغرب، نافيًا بشكل قاطع وجود أي تواطؤ من قبل ضباط التحقيق في تحويل التهم من المتاجرة إلى التعاطي.

وعن الترويج للمخدرات عبر منصات التواصل الاجتماعي، كشف التميمي عن وجود فرق متخصصة تعمل على مدار الساعة لرصد ومكافحة أي نشاط إلكتروني متعلق بتجارة أو ترويج المخدرات، واتخاذ الإجراءات اللازمة فورًا.

استخدام أساليب خطرة

من جانبها، كشفت عضو لجنة المخدرات والمؤثرات العقلية، مديحة الموسوي، عن أساليب خطيرة تُستخدم في تهريب المخدرات إلى العراق، مؤكدةً أن بعض هذه المواد تدخل عبر المنافذ الرسمية بتواطؤ من جهات أمنية، فيما يُهرب بعضها الآخر تحت التهديد.

وقالت الموسوي، أن تجار المخدرات يعتمدون أساليب غير تقليدية في تهريب المواد المخدرة، من بينها إجبار الحيوانات مثل الخراف على تناول هذه المواد، ليتم استخراجها منها بعد وصولها إلى نقاط التوزيع. وأكدت أن هذا النمط من التهريب يعكس مدى تعقيد عمل الشبكات الإجرامية التي تعمل في هذا المجال.

وانتقدت الموسوي ما وصفته بـ"التساهل القانوني" تجاه تجار المخدرات، مشيرةً إلى أن تعديل القوانين سمح بزيادة الكمية المسموح بحيازتها من المخدرات من مجرد غرامات إلى 50 غرامًا، ما جعل حاملها يُعامل كمتعاطٍ بدلاً من تاجر، وهو ما اعتبرته الموسوي إجراءً يصب في مصلحة تجار المخدرات بدلاً من مكافحتهم. كما حذرت من استغلال عائدات تجارة المخدرات في القطاع العقاري، مشيرةً إلى أن الأموال الناتجة عن هذه التجارة تجد طريقها إلى الاستثمار في مشاريع عقارية ضخمة، ما يجعل مكافحتها أكثر تعقيدًا.

وكشفت الموسوي عن انتشار تعاطي المخدرات في المدارس والجامعات العراقية، مشيرةً إلى ضبط 43 ألف متهم بالمتاجرة بالمخدرات خلال السنوات الثلاث الأخيرة، بينهم 15% من النساء.

وذكرت أن السلطات الأسترالية أبلغت العراق بوصول طرد يحتوي على مواد مخدرة مصدره العراق، وهو ما يعكس امتداد نشاط شبكات التهريب إلى خارج الحدود.

وفي ما يتعلق بجهود علاج المدمنين، انتقدت الموسوي قصر مدة التأهيل في المصحات، والتي لا تتجاوز 14 يومًا، معتبرةً أنها مدة غير كافية لإعادة تأهيل المدمنين وإعادتهم إلى المجتمع، داعيةً إلى تكثيف الجهود لتجفيف مصادر دخول المخدرات إلى البلاد.

حدود مخترقة

وتحذر النائبة نيسان الزاير، عضو مجلس النواب، من خطورة استمرار ظاهرة تهريب المخدرات إلى البلاد، مؤكدة أن "الحدود مخترقة، وهو ما يتيح لتجار المخدرات تمرير بضائعهم السامة"، مشيرة إلى وجود تواطؤ من بعض الجهات السياسية في تسهيل هذه العمليات.

وتجد الزاير في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "خطر المخدرات أشد فتكًا من أي احتلال؛ لأنه يستهدف العقول، ويفسد المجتمع، ويؤدي إلى انحلال القيم وتدمير مستقبل الشباب"، مشيرة الى أن "عمليات تهريبها تتم برعاية ودعم من أطراف متنفذة، ما يجعل التصدي لهذه الظاهرة أمرا معقدا".

تجارها يحظون برعاية ودعم

الخبير الأمني سرمد البياتي، يقول إن "تجارة المخدرات في العراق مستمرة بسبب وجود دعم وحماية لتجارها"، مشددًا على أن "هذه التجارة الخطرة والمؤذية لا يمكن أن تستمر بهذا الشكل، دون وجود جهات تساندها وتوفر لها الغطاء".

ويضيف البياتي لـ "طريق الشعب"، أن "من الطبيعي أن تجارة المخدرات، بما تشكله من خطر على المجتمع، يقف خلفها من يسندها ويحمي ممارسيها، وإلا لكان من المفترض أن يتم كشف هؤلاء التجار وإيقافهم بسهولة. لكن الواقع يشير إلى عكس ذلك، حيث تستمر هذه التجارة، رغم أن وزارة الداخلية تحدثت عنها مرارًا، وأكدت سعيها لمكافحتها".

ويؤكد، ان "حدودنا مع سوريا لا تشكل وحدها مصدر الخطر، بل هناك حدود أكثر خطورة. فالعراق يمتلك حدودًا طويلة وصعبة السيطرة، منها 1450 كيلومترًا مع إيران، و312 كيلومترًا مع تركيا، إضافة إلى امتدادات أخرى مع دول الجوار.

كثير من هذه المناطق الحدودية مفتوحة، ما يجعل ضبطها أمرًا في غاية الصعوبة، ويسهم في استمرار التهريب".

وينبه الخبير الأمني إلى أن "ملف المخدرات يتطلب جهدًا أمنيًا كبيرًا، وإجراءات حازمة بعيدًا عن المجاملات، لأن هذه الآفة تضرب الشباب، وتنعكس آثارها السلبية على المجتمع بشكل عام".

ملف يرتبط بأبعاد سياسية

يقول عصام كشيش، الإعلامي الذي يقدم برنامجا تلفزيونيا يحاور فيه المتعافين من إدمان المخدرات: إن ملف المخدرات يعد اليوم من أخطر الملفات التي تحظى باهتمام البرلمان والحكومة، مشيرًا إلى أن هذا الملف أصبح في مقدمة أولويات السلطات بعد ملفي الإرهاب والفساد. ويضيف كشيش في حديث لـ "طريق الشعب"، أن هناك إجراءات حكومية صارمة وقوية جدًا في مواجهة هذه الظاهرة، لافتًا إلى وجود دلائل عدة على ذلك، من بينها ارتفاع سعر غرام المخدرات إلى ستة أضعاف، وهو مؤشر على صعوبة وصول المواد المخدرة إلى الأسواق.

ويشير الى أن المصحات الإجبارية التي افتتحتها وزارة الداخلية أسهمت بشكل كبير في علاج المدمنين، موضحًا أن هذه المصحات تمثل بديلًا عن السجون، إذ يُحكم على المتعاطي بقضاء فترة تتراوح بين أربعة إلى ستة أشهر في هذه المصحات التأهيلية، بدلًا من إدخاله السجن، الأمر الذي ساعد الكثير من المدمنين على التخلص من الإدمان.

ويربط كشيش ملف المخدرات بأبعاد سياسية أيضًا، مشددًا على أن العراق محاط بدول جوار تنتهج سياسات مختلفة، لذلك تُستخدم جميع الوسائل المتاحة من بعض الدول لمحاربة الدول الأخرى أو للدفاع عن مصالحها. واستشهد بما حدث مؤخرًا في سوريا، حينما تم العثور على معمل لصناعة حبوب الكبتاغون، وكانت هذه الحبوب تُصدّر للعراق ودول الخليج، ما يدل على أن هناك جانبًا سياسيًا واضحًا في ملف المخدرات.

وينبه إلى أن بعض وسائل الإعلام بدأت تركز على هذه الظاهرة، كما أن منظمات المجتمع المدني بدأت تعمل على المساعدة في مكافحتها.

عقوبة هزيلة

ويقول الخبير القانوني علي التميمي إن "قانون المخدرات العراقي رقم ٦٨ لسنة ١٩٦٥ عاقب بالسجن لمدة ١٥ عاما لمتعاطي المخدرات، بالرغم من أن المخدرات لم تكن متفشية كما الان". وتابع قائلاً: "بعدها جاء قانون جديد للمخدرات رقم ٥٠ لسنة ٢٠١٧، الذي خفف عقوبة المتعاطي بين سنة وسنتين وغرامة مالية قدرها 10 مليون دينار عراقي، في المادة ٣٢". ويضيف التميمي لـ "طريق الشعب"، أن "هذه العقوبة هزيلة، ولا تتناسب مع خطورة ملف المخدرات، خاصة وأن العراق أصبح سوقاً للمتعاطين أكثر مما هو منتج للمخدرات"، لافتا الى أن "تعاطي المخدرات يزداد عادة في المقاهي والنوادي الليلية، طبقا لتقارير الاعلام".

عرض مقالات: