يشكّل سوء إدارة السياسات المالية والنقدية، واستمرار الريع النفطي، تهديدا مستمرا للوضع الاقتصادي في العراق، الأمر الذي يجعل المواطن في حالة استقرار، وتحيط به الأزمات رافعة سلاح الفقر والبطالة والتقشف.
ويحذر اقتصاديون وباحثون، من أن الإبقاء على الحالة الراهنة في اعداد الموازنات العامة وتحقيق الإيرادات، يقود الى رفع معدلات الفقر، التي تتحدث الحكومة اليوم عن خفضها، مشيرين الى أن انخفاض أسعار النفط كفيل برفع تلك المعدلات الى نسب جنونية، الى جانب أسباب أخرى ترتبط بانخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار، وارتفاع أسعار السوق.
وأعلنت وزارة التخطيط، امس الأربعاء، نتائج المسح الاجتماعي والاقتصادي للاسرة في جميع محافظات العراق، حيث تلك النتائج تراجع نسبة الفقر الى (17.5) عما كانت عليه عام 2018 والتي قدرت بـ(20.05 بالمئة).
وحدد المسح متوسط إنفاق الفرد الشهري (248.6) الف دينار، ومتوسط دخل (201.3) ألف، فيما بلغ معدل البطالة للفئة العمرية (15 سنة فأكثر) (13.5 بالمئة)، مشيرا الى ان (96.4 بالمئة) من الأسر العراقية تمتلك بطاقة تموينية.
كما أظهرت نتائج المسح أن (15.2 بالمئة) من الأفراد في العراق مصابون بأمراض مزمنة، وان (77.6 بالمئة) من الأسر يمتلكون مساكن.
إحصائيات الفقر
وسجلت محافظة المثنى اعلى نسبة للفقر بلغت (40 بالمئة)، تلتها بابل بنسبة (35.7 بالمئة). اما المحافظة الأقل فقراً فكانت أربيل بـ (7 بالمئة)، ثم محافظة السليمانية بـ(8 بالمئة).
وطبقا للمسح، فأن محافظات ذي قار والمثنى والديوانية ونينوى سجلت انخفاضا في معدلات الفقر بالمقارنة مع كانت عليه عام ٢٠١٨، حيث سجلت ذي قار نسبة (15 بالمئة)، بعد ان كانت (40 بالمئة) عام 2018، بينما سجلت المثنى (43 بالمئة)، بعد ان كانت (52 بالمئة). وسجلت الديوانية نسبة (29 بالمئة)، بعد ان كانت (48 بالمئة)، فيما سجلت محافظة نينوى (13 بالمئة) بعد ان كانت (38 بالمئة).
ومع وصول أعداد سكان العراق إلى حاجز الـ 46 مليون نسمة، وفق التعداد السكاني الذي أعلنته التخطيط يوم الاثنين، يحذر رئيس مؤسسة عراق المستقبل منار العبيدي، من أن معدل الزيادة السكانية في العراق هو مليون نسمة سنويا، وبالتالي اذا استمر إنتاج وأسعار النفط الحالية فإن نسبة الفقر في العراق ستبلغ 84 بالمائة.
5 فقراء من بين كل 30 عراقيا
وقال العبيدي، إن نسبة النمو السكاني السنوي 2.53%، وهذا يعني أن عدد سكان العراق يزداد بأكثر من مليون شخص سنويًا، مما سيجعل العدد يتجاوز 50 مليون نسمة في 2030. ومن المتوقع أن يصل إلى أكثر من 70 مليون نسمة في 2040.
وعن نسبة الفقر التي كشف عنها المسح، علّق العبيدي بأن الـ 17.5 بالمئة، تعني أن من بين كل 30 عراقياً، هناك 5 أشخاص تحت خط الفقر، مشيراً إلى أن استمرار الوضع الحالي من حيث الإنتاج النفطي والإيرادات وبقاء الموازنة على مستوياتها الحالية، قد يؤدي إلى ارتفاع معدلات الفقر إلى 23 بالمائة بحلول 2030. وبالتالي قد تصل إلى 84% في 2040، إذا تراجعت أسعار النفط ولم يتم اتخاذ إجراءات جذرية.
وكان المتحدث السابق باسم وزارة التخطيط عبد الزهرة الهنداوي، أكد في تصريح سابق لـ"طريق الشعب"، أن الوزارة تعمل على إعداد استراتيجية مكافحة الفقر الثالثة للسنوات الخمس المقبلة، والتي تتضمن مجموعة من الإجراءات والسياسات التي تستهدف تمكين الفقراء في مختلف المجالات تلك الخطة تتناول مختلف قطاعات التنمية، وأعطت مساحة كبيرة لواقع الخدمات، لاسيما الصحة والتعليم والسكن ورفع مستوى الدخل.
تحذيرات النموذج الإفريقي
وفي هذا السياق، يجد المراقب للشأن الاقتصادي علاء الفهد، أن المرحلة الحالية "تتطلب تغييرا جذريا في البرامج الحكومية وتعديل الخطط المستقبلية، بناء على المؤشرات التي أظهرتها نتائج المسح".
ويقول الفهد، أن وجود هذه الإحصائيات يسمح للحكومة بـ"تقسيم التخصيصات المالية بدقة، والبدء بمعالجة الفقر والبطالة"، داعيا الى بدء حملات توعوية لتقليل معدل النمو السكاني، والعمل على زيادة الإيرادات الحكومي وتنويع الاقتصاد، فبخلاف ذلك يواجه العراق خطرًا حقيقيًا قد يحوله إلى دولة تعاني من أزمات شبيهة بما تعانيه الدول الإفريقية: انتشار الفقر، صراعات قبلية، مجاعات، وجرائم وغيرها.
ويشكل الفقر، بحسب الباحث الاقتصادي همام الشماع، "حالة متحركة نحو الأعلى": تزايد أعداد الفقراء يوما بعد آخر، بسبب انخفاض قيمة الدينار مقابل الدولار، والارتفاع المستمر في أسعار السوق.
ويشدد الشماع على أن معالجة نسب الفقر "تبدأ أولا بالقضاء على الفساد الذي يستهلك ثلث ثروة العراق، ويستحوذ على 50 بالمئة من موارد العملة الأجنبية، ويمنع نحو 60 بالمئة من فرص الاستثمار في العراق".
شبح أزمة في الموازنة
وكان المستشار المالي لرئيس الوزراء د. مظهر محمد صالح، حذر من أن بلاده قد تواجه أزمة بالموازنة في عام 2025 بسبب انخفاض أسعار النفط، داعيا الى "انضباط مالي أكثر صرامة".
وحتى الآن، لم يجر إقرار جداول موازنة العام الحالي من قبل البرلمان، الذي صوّت على مادة واحدة من القانون تخص تصدير النفط من قبل حكومة إقليم كردستان.
وأردف صالح كلامه بأن "العراق يحاول تحسين وضعه المالي من خلال زيادة الإيرادات غير النفطية، عبر تحسين تحصيل الضرائب، وفرض ضرائب جديدة"، مشيرا الى ان هناك خسائر تقدر بـ 10 مليارات دولار سنويا "بسبب التهرب الضريبي والمشاكل المتعلقة بالجمارك".
وتمثل أسعار النفط التحدي الأكبر للاقتصاد العراقي، طبقاً للخبير المصرفي محمود داغر، الذي يشير الى ان "الموازنات تبنى بصورة أساس على تقديرات سعر النفط؛ ففي موازنة 2024 - 2025، احتسب سعر البرميل عند 80 دولاراً، بزيادة 10 دولارات على السعر الأصلي الذي يبلغ 70 دولاراً، لتغطية العجز المتوقع. ومع تراجع أسعار النفط عن هذه التقديرات، يصبح العراق أمام ضرورة اتخاذ قرارات صعبة لتأمين الرواتب وتغطية العجز المالي".
ويقول داغر، ان العراق ـ في حال انخفاض أسعار النفط ـ يلجأ إلى "إجراءات تقشفية أو البحث عن مصادر تمويل بديلة، مثل تعزيز الإيرادات غير النفطية وإعادة هيكلة الموازنة"، لكنه يشدد على أهمية تحسين إدارة الإيرادات النفطية وضمان توزيعها بكفاءة، للحد من التأثير السلبي على الاقتصاد والطبقات الفقيرة التي تشكل غالبية المجتمع.