احتفل المعلمون العراقيون، أمس السبت، بعيدهم السنوي المصادف الأول من آذار، وذلك في حفل نظمته نقابة المعلمين بالتعاون مع وزارة التربية، تحت شعار "المعلمون بصمات خالدة في سفر الأجيال". وشهد الحفل حضورًا واسعًا من المعلمين والتربويين، حيث تم التأكيد على الدور الاستثنائي الذي يلعبه المعلمون في بناء المجتمع وتشكيل هوية الأمة.
المعلمون صناع التغيير
وأكد نقيب المعلمين العراقيين، عدي حاتم العيساوي، خلال كلمة ألقاها في الحفل، على الدور الكبير الذي يلعبه المعلمون في المجتمع، مشيرًا إلى أنهم ليسوا مجرد ناقلين للمعارف، بل هم صناع التغيير الحقيقيين.
وقال العيساوي: "المعلمون لا يعلّمون الطلبة القراءة والكتابة فحسب، بل يغرسون فيهم القيم والأخلاق التي تُشكّل هوية الأمة".
وأضاف أن نقابة المعلمين تعمل جاهدة لتحسين أوضاع المعلمين وتذليل الصعوبات التي تواجههم، داعيًا إلى مزيد من الدعم الحكومي والاجتماعي لهذه الفئة التي تُعتبر عماد التنمية.
مطالب نقابة المعلمين
من جانبه، وجّه نقيب المعلمين في كركوك، حسان الجبوري، تهانيه إلى المعلمين بمناسبة عيدهم السنوي، مشيدًا بتضحياتهم وجهودهم في بناء الأجيال.
وقال الجبوري، في حديث لـ"طريق الشعب"، أن نقابات المعلمين لديها عدة مطالب موجهة إلى رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، أبرزها شمول المعلمين بقطع الأراضي السكنية أسوة بباقي الوزارات، إلى جانب تحسين أجورهم بما يتناسب مع دورهم في العملية التربوية.
كما تطرق الجبوري إلى أزمة الدوام الثنائي والثلاثي التي تعاني منها معظم المحافظات، مشيرًا إلى أن وزارة التربية تعمل على بناء وتأهيل عدد كبير من المدارس لمعالجة هذه المشكلة. وفيما يخص نقص الكوادر التدريسية، نفى الجبوري وجود نقص فعلي، معتبرًا أن المشكلة تكمن في سوء التوزيع بسبب التدخلات السياسية من قبل أحزاب ومسؤولين فاسدين، والذين يسعون لنقل بعض الشخصيات التدريسية إلى مواقع تتناسب مع مصالحهم الخاصة بعيدًا عن الأولويات التعليمية.
وأضاف الجبوري، أن هذه التدخلات أثرت على نوعية الكوادر المتوفرة، حيث تكتظ بعض المدارس بتخصصات فنية ورياضية. بينما تعاني أخرى من نقص في مدرسي مواد أساسية مثل الإنجليزية والاجتماعيات والرياضيات، ما ينعكس سلبًا على جودة التعليم في البلاد.
بدورها، أكدت نقابة المعلمين في ديالى، أنها لم تحصل على أي قطعة أرض لمنتسبيها منذ عام 2003 وحتى الآن، أي لمدة 22 عاماً.
وقال نقيب معلمي ديالى، محمد علي حيدر الجبوري، في حديث صحفي إن "الكوادر التربوية في ديالى لم تحصل بعد عام 2003 حتى يومنا هذا على أي قطعة أرض سكنية". لافتاً إلى أن "70% من المعلمين في ديالى يسكنون في منازل مؤجرة أو منازل غير مسجلة بأسمائهم".
وأوضح الجبوري أن "هذه الأرقام تكشف عن معاناة كبيرة تعاني منها الطبقة التعليمية في ديالى بشكل عام، مشيراً إلى أن بعض المعلمين الذين أكملوا السن القانونية للتقاعد لم يحصلوا على قطعة سكنية، بل إن بعضهم لا يزال يسكن في منازل مؤجرة حتى هذه اللحظة".
وأكد الجبوري أن "رغم الجهود المكثفة على مدار سنوات طويلة لتحقيق أبسط حقوق الهيئات التعليمية والتدريسية بالحصول على قطعة أرض سكنية، إلا أنه لم يتم الحصول على شيء". وأضاف أن "هذا الأمر يثير القلق في يوم المعلم ويجب أن يُعطى الاهتمام اللازم عبر وسائل الإعلام، من أجل ضمان حقوق المعلمين، بما في ذلك قطعة الأرض السكنية التي يبني عليها منزل أحلامه ويأوي أسرته".
تحذيرات من أزمات التعليم
وحذر التربوي والصحفي غضنفر لعيبي من التحديات التي تواجه الكوادر التربوية في العراق، وعلى رأسها نقص الكوادر التدريسية في المدارس، ما أثر على قدرة المعلمين في تقديم المناهج الدراسية بشكل مناسب للتلاميذ.
وقال لعيبي، لـ"طريق الشعب"، أن هذه الأزمة تعود إلى السياسات الحكومية المتبعة، وأبرزها وقف التعيينات والاكتفاء بالتعاقد مع مدرسين بعقود مؤقتة، مشيرًا إلى أن هؤلاء المعلمين يعانون من تدني الأجور، حيث لا تتجاوز رواتبهم 350 ألف دينار شهريًا، مقارنةً بزملائهم على الملاك الدائم الذين يتقاضون 700 ألف دينار، ما يكرس حالة من التمييز الوظيفي داخل القطاع التربوي.
وأضاف لعيبي، أن المعلمين يواجهون انتقادات من أولياء الأمور نتيجة المشكلات التي تعاني منها المدارس، رغم أن هذه الأزمات خارجة عن إرادتهم، لافتا إلى أن العراق يكاد يكون الدولة الوحيدة التي لا تزال مدارسها تعمل بنظام الدوام الثنائي والثلاثي، بسبب قلة أعداد المدارس، وتهالك عدد كبير من الأبنية المدرسية، ما أجبر وزارة التربية على دمج دوام عدة مدارس في بناية واحدة، وهو ما أدى إلى تقليص ساعات الدروس، مما أثر سلبًا على الخطة التدريسية وإكمال المناهج.
كما سلط لعيبي الضوء على الاكتظاظ الكبير في الصفوف الدراسية، حيث يتجاوز عدد التلاميذ في بعض الفصول 70 طالبًا في الصف الواحد، وهو ما يفوق قدرة المعلم على الاستيعاب والإدارة، ما ينعكس سلبًا على جودة التعليم ومستوى استيعاب التلاميذ.
إبعاد الفاسدين عن التربية
وفي المناسبة، تقدم عدد من السياسيين بالتهاني والتبريكات للمعلمين، لكن اللافت كانت دعوة رئيس مجلس النواب السابق، محمد الحلبوسي، إلى إبعاد وزارة التربية عن أيدي الفاسدين.
وقال الحلبوسي، في تغريدة على منصة "X": "في هذه المناسبة أدعو كلَّ الحريصين على البلد ومستقبل أجياله إلى إبعاد وزارة التربية ومؤسَّساتها عن أيدي الفاسدين، الذين يتحكَّمون بمقدَّراتها، وينهبون ممتلكاتها وصناديقها ومطابعها وأراضيها، ويتلاعبون بكوادرها دون رادع، ولم تسلم منهم حتى قرطاسية التلميذ وكتابه".
جاء احتفال المعلمين العراقيين بعيدهم هذا العام وسط تحديات كبيرة تواجه القطاع التربوي، من نقص الكوادر التدريسية، وتهالك الأبنية المدرسية، ونظام الدوام الثنائي والثلاثي، بالإضافة إلى تدني أجور المعلمين المتعاقدين.
وتظل مطالب المعلمين بتحسين أوضاعهم المادية والمعنوية، وإيجاد حلول عاجلة لأزمات التعليم، في مقدمة الأولويات التي تحتاج إلى تدخل حكومي سريع وفعّال لضمان مستقبل أفضل لأجيال العراق.