اخر الاخبار

يصنف العراق دوليا ضمن الدول الأكثر فسادًا في العالم، وهو واقع أصبح ملموسًا لدى المواطنين الذين فقدوا الثقة في الحكومة، بسبب تفشي الفساد في جميع مؤسسات الدولة، حيث لا يكاد يخلو اي مشروع من شبهات الفساد.

وساهم الفساد بتدمير الموارد الطبيعية للبلاد، وأضعف الشفافية في اتخاذ القرارات المصيرية التي تؤثر على حياة المواطنين.

ديمومة الريع النفطي

يقول المحلل السياسي، عصام فيلي، إن "العراق منذ بداية التغيير السياسي، عام 2003، لم يعمل بشكل جدي على بناء دولة حقيقية من حيث الشفافية في الموارد المالية، وإدارة الأموال"، مشيرا إلى أن "معظم القوى السياسية انشغلت بالسيطرة على الوزارات التي تدر عليها أموالاً كبيرة، ما أدى إلى تجاهل وزارات أخرى تحقق إيرادات كبيرة للدولة. ونتيجة لذلك، أصبح الاعتماد بشكل أساسي على الاقتصاد الريعي المتمثل في النفط".

وأضاف فيلي لـ "طريق الشعب"، أن "مشكلة الفساد تكمن في عدة جوانب، منها غياب الحسابات الختامية في الكثير من السنوات، وعدم تقديم تقارير دقيقة حول الميزانية".

وأوضح، أن هناك تبادلا غير شفاف بين الميزانية المرسلة من الدولة والميزانية المقدمة للبرلمان، ما أدى إلى الدخول في إشكاليات كثيرة.

وأضاف، أن جزءاً من الفساد يأتي من منظومة سياسية متشابكة تسهم فيه أطراف متعددة، وأن الفساد في العراق يمثل نظاماً متكاملاً يحظى بحماية من خارج الحدود، حيث أن كبار الفاسدين، رغم إدانتهم، لا يتم تقديمهم للمحاكمة بشكل حازم.

وذكر فيلي، أن بعض هؤلاء الفاسدين تمت محاكمتهم ثم أُحيلت قضاياهم من السلطة القضائية إلى التنفيذية، ما يسهم في تضييع الفرص لمحاسبتهم.

وأشار إلى أن هناك جهات خارجية تلعب دوراً كبيراً في التخطيط للفساد والاستحواذ على المال العام في العراق، حيث تتغلغل هذه الجهات في المؤسسات الحكومية، وتساعد الفاسدين على الهروب وعدم الملاحقة القانونية.

وعدّ، أن "الفساد والمحاصصة والطائفية هما الوجه الأبرز للمشهد السياسي في العراق منذ عام 2003، إذ ساهمت غالبية القوى السياسية في استشراء هذه الآفة الثلاثية وإرساء جذورها". ولا يعتقد فيلي أن هناك جهة سياسية تتبنى الكفاءات المستقلة لمشروع بناء دولة.

واعتبر أن جميع المكونات تتحمل مسؤولية تقويض النظام الديمقراطي في العراق، لافتًا إلى أن التقاطعات والخلافات بين المكونات المشاركة في الحكومة تبرز عندما تتضارب المصالح الحزبية والسياسية، ما يؤدي إلى تبادل الاتهامات بالطائفية والمحاصصة.

وكشفت منظمة الشفافية الدولية بيانات مؤشر مدركات الفساد لعام 2024، الذي يقيّم مستويات الفساد في 180 دولة حول العالم.

ووفقاً للبيانات حصل العراق على المرتبة 140 في المؤشر الذي يبدأ المقياس من صفر (الأكثر فسادًا) إلى 100 (الأقل فسادًا)، وتصنف المنظمة العراق ضمن 25 دولة هي الأكثر فسادًا في العالم.

ووفقًا لأرقام رسمية نشرت عام 2020، فإن سوء الإدارة في العراق كان السبب وراء اختفاء أكثر من 400 مليار يورو خلال قرابة 20 عامًا، ذهب ثلثها إلى خارج البلاد.

تحرك حكومي بطيء

وفي حديثه عن ظاهرة الفساد في العراق، ذكر المحلل السياسي علي البيدر، أن الفساد موجود في كل دول العالم، لكن في العراق أصبح يشكل ظاهرة واضحة.

وقال البيدر انه "في معظم دول العالم، يعد الفساد مشكلة هامشية، لكن في العراق أصبح تحدياً كبيراً"، مؤكداً أن الفساد يتطلب أكثر من مجرد محاولات حكومية لتصحيحه.

وأضاف البيدر لـ "طريق الشعب"، أن "الأزمة بحاجة إلى إرادة سياسية حقيقية ودور فاعل للجهات الرقابية، التي تفتقر في بعض الأحيان إلى القوة والمصداقية".

ونوه البيدر بدور المواطن في هذه المعادلة، حيث يُعتبر جزءاً من منظومة الفساد بسبب عدم التزامه بالقوانين والتعليمات، وعدم دفع الرسوم المستحقة للخدمات المقدمة.

ولفت إلى أن محاربة الفساد تتطلب تضافر جهود مؤسسات الدولة والمجتمع المدني، وكذلك الدور المهم للمؤسسات الدينية والعشائرية.

وأشار إلى أن خطوات الحكومة في مكافحة الفساد تسير ببطء، متأثرة بقوة النفوذ الفاسد الذي يسيطر على المشهد السياسي. كما أشار إلى وجود لوبيات دولية قد تكون وراء تعميق الأزمة، ما يجعل محاربة الفساد أكثر تعقيداً.

وأوضح البيدر أن مكافحة الفساد لا بد أن تكون جزءاً من مشروع شامل تشارك فيه جميع الأطراف الفاعلة في المجتمع.

الحاجة إلى مساعدة دولية

وفي السياق، قال المحلل السياسي أحمد الياسري أن "العراق يواجه عدة تحديات رئيسة تتعلق بالأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وهذه التحديات، رغم تغير بعض ملامحها، ظلت ثابتة في المشهد السياسي منذ عام 2003 وحتى الآن".

وأشار الياسري خلال حديثه لـ "طريق الشعب"، إلى أن "التحدي الأول والأبرز في العراق هو المحاصصة الطائفية، التي أصبحت جزءًا من النظام السياسي العراقي. هذه المحاصصة التي أُدرجت كحل من قبل الولايات المتحدة، أدت إلى تحويل السياسة العراقية إلى مشكلة مستمرة، وأسهمت في إضعاف النظام السياسي العراقي. كما أن المحاصصة زادت من تعميق الفجوة بين المكونات العراقية المختلفة، ما ساهم في تكريس الصراعات العرقية والطائفية التي لا تزال تؤثر على الوضع السياسي في البلاد".

أما التحدي الآخر الذي يراه الياسري من أخطر التحديات فهو الفساد المستشري في الدولة العراقية.

وأكد، أن "الفساد أصبح ظاهرة متأصلة في بنية الدولة العراقية، حيث توجد "دولة عميقة" تدير ملف الفساد، وتعمل على تغطيته وتحويله إلى جزء من النظام السياسي والاقتصادي في البلاد. هذا الفساد لا يقتصر على طبقة سياسية معينة، بل أصبح جزءًا من ثقافة المجتمع العراقي نفسه، حيث يدعم المجتمع أحيانًا هذه الظاهرة من خلال قبول الرشوة والممارسات الفاسدة كجزء من الواقع السياسي والاجتماعي.

وأوضح الياسري، أن الشخص الذي لا يشارك في الفساد لا يستطيع أن ينجح في السياسة أو يشغل منصبًا حكوميًا، وأن الفساد أصبح يشكل عائقًا أمام بناء أي برامج إصلاحية حقيقية.

وفي ما يتعلق بالحلول لهذه التحديات، أشار الياسري إلى ضرورة إعادة ترتيب شكل الدولة العراقية، وتحديد ما إذا كانت الدولة ديمقراطية بالفعل.

الفصل بين السلطات

وأكد أن المؤسسات الديمقراطية القوية هي المفتاح لتحقيق الإصلاح السياسي والاجتماعي في العراق، مبينا أن فصل السلطات بين التشريعية والتنفيذية والقضائية أمر ضروري لتقليل الفساد وتعزيز سيادة القانون.

وأضاف، أن "العراق بحاجة إلى مساعدة دولية لمكافحة الفساد واستعادة الأموال المسروقة، لأن التحديات الداخلية لوحدها لن تكون كافية لحل مشكلة الفساد المستشري".

وأشار الياسري إلى أن "العراق يواجه تحديًا كبيرًا في استرداد الأموال المهدرة بسبب الفساد، ويحتاج إلى دعم من المجتمع الدولي لمراقبة حركة الأموال ووقف تسريبها إلى خارج العراق"، مؤكدا أن "حل مشكلة الفساد في العراق يتطلب تنسيقًا دوليًا، خاصة مع بعض الشركات العالمية التي يمكنها أن تساعد في مراقبة التحويلات المالية والحد من تدفق الأموال لخارج العراق".

واختتم الياسري مشددا على أن "العراق لا يمكنه أن يحقق أي إصلاح حقيقي إلا إذا تعاون مع المجتمع الدولي بشكل جاد، إذ لا يمكن التغلب على التحديات السياسية والاقتصادية الكبيرة في ظل الوضع الراهن من دون دعم ومساعدة من الخارج".

عرض مقالات: