في الثامن من آذار من كل عام، يحتفل العالم بيوم المرأة العالمي، ليس كمناسبة لتكريم إنجازات النساء ودورهن الفعّال في المجتمعات البشرية فحسب، بل ولتعزيز الكفاح من أجل حقوقهن المستلبة والتمييز متعدد الإشكال والمستويات الذي يتعرّضن له، والوقوف على التحديات التي يواجهْنها في سبيل تحقيق المساواة والعدالة.
وتكتسب الاحتفالات بهذا اليوم أهمية خاصة في بلادنا والدول العربية، لما تواجهه النساء فيها من ظروف قاسية في ظل الحروب والصراعات والتحديات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية. ففي العراق، حيث تتدهور حقوق المرأة على مختلف الأصعدة، لا سيما بعد إقدام قوى المحاصصة على محاولة سلب ما حققته من مكتسبات على مدى قرن من الزمان، كما حدث في وأد قانون الأحوال الشخصية رقم 188، تبرز الحاجة للمزيد من التكاتف والعمل الجاد من أجل الحد من التدهور واستعادة الحقوق والوصول إلى مجتمع عادل، خال من التمييز والعنف الأسري والاضطهاد المقننون للنساء.
كفاح نبيل برغم صعابه
وبهذا الصدد، تؤكد عضو مجلس النواب السابق ميسون الدملوجي على الدور البارز الذي تلعبه المرأة العراقية في مناحي الحياة المختلفة، ومواجهة محاولات التراجع والخراب.
وتشيد الدملوجي في كلمة لها وجهتّها للمرأة العراقية، بصمود النساء اللواتي يدافعن عن حقوقهن المكفولة في قانون الأحوال الشخصية رغم التحديات الكبيرة، وما تعرّض له بعضهن من حملات تسقيط وملاحقات، مؤكدة أن معركة الحقوق الإنسانية طويلة وشاقة، لكن تستحق أن تُخاض لأهدافها النبيلة.
وحيّت الدملوجي النساء اللواتي يعشن في ظل النزاعات والصراعات في غزة ولبنان وسوريا والسودان وأفغانستان، معربة عن اعتقادها ببقاء المرأة شامخة في مواجهة القهر والظلم، وإنها ستواصل النضال لحماية نفسها وأسرتها من ويلات الحروب.
واختتمت الدملوجي رسالتها بالتأكيد على أن المرأة ستبقى صانعة الغد، قادرة على رسم مستقبل أفضل لنفسها ومجتمعها، متجاوزة العقبات ومواجهة لكل التحديات بالنور والمعرفة والإصرار على إزالة آثار الخراب والظلم.
معاً لإنهاء التمييز
من جانبها، أكدت العضو السابق في مجلس النواب شروق العبايجي، أن اليوم العالمي للمرأة ليس مجرد مناسبة لتقديم التهاني والورود، بل محطة لاستذكار دور المرأة الأساسي في المجتمع وتأكيد قدرتها على المشاركة الفاعلة في مختلف المجالات بكفاءة عالية.
وقالت العبايجي، أن هذا اليوم يجب أن يكون فرصة للاعتراف بالتمييز والتهميش الذي تتعرض له المرأة، لا سيما العراقية، وضرورة العمل على معالجته لضمان حقوقها وحمايتها من الاضطهاد. ووجهت تحية لكل نساء العالم في يومّهن، مشيدةً بتضحيات المرأة العراقية وعطائها المستمر من أجل أسرتها ووطنها، مؤكدةً أنها تستحق المزيد من الإنصاف والحماية عبر قوانين عادلة تعزز مكانتها في المجتمع.
دور ريادي
وتشاطر النائبة سروة عبد الواحد زميلتيها الرأي فتؤكد على الدور الريادي الذي تؤديه المرأة العراقية في مواجهة التحديات، وتشيد بمساهماتها الجوهرية في بناء المجتمع وبنضالها المستمر لتحقيق المساواة والعدالة.
وتدعو عبد الواحد إلى ضرورة أن يكون هذا اليوم العالمي حافزًا لإعادة النظر في الفكر والسلوك تجاه قضايا المرأة، فالكوتا النسائية داخل مجلس النواب، لم تحقق أي تغيير ملموس لصالح المرأة والأسرة، ما يستدعي تحوّلًا فكريًا حقيقيًا للوصول إلى العدالة، لأن تمكين المرأة في المجالين السياسي والمجتمعي، يتطلب جهودا جادة وإصلاحات حقيقية، ولا بد من إعادة النظر في الآليات التي تعيق تقدم المرأة، كي يتعزز دورها في صنع القرار.
من جهتها، أكدت الدكتورة خيال الجواهري أن يوم المرأة العالمي مناسبة لاستذكار نضالات النساء من أجل نيل حقوقهن وحرياتهن، مشيدة بالتضحيات الكبيرة التي قدمتها المرأة العراقية في مواجهة القيود المجتمعية والعادات والتقاليد البالية، مطالبةً بعراق خال من التهميش والعنف والتشريعات المجحفة ضد النساء.
ودعت الجواهري إلى مواصلة النضال لتعزيز دور المرأة ومكانتها في المجتمع، فيوم المرأة العالمي، في نظرها، دافع مهم لتحقيق تطلعاتها وطموحاتها في حياة كريمة وعادلة، لاسيما أن جهود الرجال لا تكتمل إلا بتكاتف النساء ومشاركتهن الفاعلة في بناء المجتمع.
محطة للتقييم الذاتي
واستذكرت الكاتبة والمترجمة سوزان سامي جميل درساً هاماً علّمته إياه احدى مدرساتها في الموصل، حين أوضحت لها بأن يوم المرأة العالمي ليس مجرد مناسبة للاحتفالات وتقديم الهدايا بل يجب أن يكون محطة للتقييم الذاتي والتخطيط لمستقبل أكثر وعيًا وإيجابية، فدعت إلى أن يكون هذا العيد فرصة لكل امرأة من أجل مراجعة إنجازاتها وأخطائها خلال العام المنصرم، وتصحيح مسار تطورها الذاتي لينعكس إيجابا على مجتمعها، وأن تعزز النساء فيه قدراتهن الفكرية والعلمية والثقافية وينمّين وعيهن، لكي نتمكن من تحقيق التغيير وبناء مجتمع متطور.
من جانبها، أكدت الناشطة ياسمين محمد علي، أن المرأة القوية والواعية ليست مجرد عنصر مكمل في الحياة، بل شريك أساسي في بناء مجتمع متوازن وقادر على تحقيق التقدم، مشددة على أن العلاقة بين الرجل والمرأة يجب أن تقوم على التكامل والاحترام المتبادل، معتبرةً أن الاختلاف بين الجنسين عنصر إثراء وليس سببًا للصراعات.
وأضافت، أن تعزيز الوعي بحقوق الإنسان وفهم ماهية الحياة هو ضرورة ملحّة للمرأة والرجل على حد سواء، مشيرةً إلى أن النضال ضد الظلامية والاستبداد يتطلب شجاعة وإرادة صلبة، وهو ما جسدته النساء العراقيات عبر تاريخهن في مواجهة التحديات.
واختتمت ياسمين محمد علي كلمتها بمناسبة يوم المرأة بالتأكيد على أن نضال النساء لن يذهب سدى، وأن اليوم الذي تُتوَّج فيه جهودهن بالنصر قادم لا محالة، داعيةً إلى إحلال السلام والمحبة والتضامن بين أفراد المجتمع.
ستنهض من تحت الرماد
وعبّرت الكاتبة والصحفية عدوية الهلالي عن إعجابها بكفاح المرأة العراقية، الذي يستحق كل التقدير في يوم المرأة العالمي، مشيرةً إلى أن صمودها دليل على قدرتها على النهوض من تحت الرماد والتحليق عالياً من جديد.
وأوضحت الهلالي، أن المرأة العراقية لم تتوقف عن الحلم والعمل والتحدي، برغم ما واجهته من حروب وحصار وعنف وإرهاب وفقر، متمنيةً أن تنال كل النساء العراقيات حقوقهن الكاملة وتتعزز مكانتهن عالميًا.
وتهنئ الباحثة حمدية جبر جميع النساء اللواتي استطعن مواجهة التحديات وتحقيق طموحاتهن رغم المصاعب، مؤكدة ان المرأة العراقية تبقى قوية، لا تستسلم للمغريات، ولا تنحني أمام العواصف. انها المرأة التي أثبتت عزيمتها وصمودها، رافعةً رأسها بعلمها وعملها، برغم كل ما واجهته من ضغوطات.
بين الواقع والإدعاءات
الناشطة المدنية تضامن عبد المحسن، ترى بأن الواقع الذي تعيشه المرأة العراقية، ينزع المصداقية عن الشعارات التي تروج لها المؤسسات الحكومية، مدعّية نجاحها في تمكين المرأة وحمايتها.
وتضيف أنه برغم أن الأمانة العامة لمجلس الوزراء أنشأت دائرة وطنية خاصة بتمكين المرأة، إلا أن التشريعات الصادرة عن مجلس النواب تتناقض مع هذا الهدف، لا سيما التعديلات الأخيرة المجحفة على قانون الأحوال الشخصية، والتي تصادر حق المرأة في اختيار شريك حياتها، وتنتزع منها الأمومة، وتحدّ من حقوقها في الميراث.
وطالبت عبد المحسن الحكومة العراقية باتخاذ خطوات فعلية لتمكين المرأة، والالتزام بالمعاهدات الدولية التي تضمن كرامتها وتحفظ أسرتها. كما استنكرت قرار مجلس الوزراء تحديد يوم 3 مارس من كل عام يوماً للمرأة العراقية، دون وجود مناسبة تبرر ذلك التأريخ، مؤكدة أنّ الأولوية يجب أن تكون لضمان حقوق المرأة وحمايتها من القوانين غير العادلة.
وللناشطة المدنية رجاء الخفاجي رأي مماثل إذ تشير إلى ما تواجهه المرأة العراقية من تحديات كبيرة في ظل القوانين والتشريعات التي تكرّس التمييز ضدها، والتي يعد بعضها انتهاكًا صارخًا لحقوقها الإنسانية.
وتنتقد الخفاجي تمرير "مدونات قانونية مبهمة" بديلة عن قانون الأحوال الشخصية رقم 188، معتبرة أن هذه الخطوة تهدد الحقوق المدنية للأسرة العراقية، داعية إلى التمسك بحقوق المرأة ومواصلة النضال من أجل العدالة والمساواة، مؤكدةً على أن المرأة العراقية قادرة على تحقيق التغيير إذا ما توفرت لها الفرص والظروف المناسبة.
عيد دائم
وتتمنى الفنانة التشكيلية بيداء الشيخ أن يكون كل يوم عيدًا للمرأة، مليئًا بالفرح والاحترام، معبّرة عن تقديرها للمرأة في مختلف أدوارها، باعتبارها "أجمل الهدايا في الحياة"، وهو ما تؤكد عليه الأكاديمية الدكتورة رجاء العاني، التي ترى في المرأة العراقية رمزاً للحكمة والصبر والصمود في وجه الحروب والأزمات التي مرّت بها البلاد، واصفة إياها بـ"شجرة الحياة التي لا تموت".
وأكدت الشيخ أن المرأة ستظل عنوانًا للشموخ والكرامة، ويجب أن تُدعم في جميع المجالات، خاصةً في التعليم والعمل، لضمان مشاركتها الفاعلة في بناء المجتمع.
ولنفس الهدف تدعو الناشطة المدنية إخلاص كامل بهنام بلو، مشدّدة على ضرورة فتح المجال أمام المرأة العراقية لتبوّء أعلى المناصب السيادية والقيادية، لأن تحقيق العدالة والمساواة، سيسهم في تطور المجتمع بكافة المجالات. وهنّأت بلو جميع نساء العالم بمناسبة عيد المرأة، معتبرة أن المرأة "أضافت للكون رونقًا وجمالًا"، وتستحق كل التقدير والاحترام.
تاريخ من الحضارة
وفي حديثها عن يوم المرأة العالمي، تشير الأكاديمية الدكتورة ابتهال خاجيك تكلان إلى عمق تاريخ المرأة العراقية، الممتد عبر الحضارات، بدءًا من الشخصيات النسائية البارزة مثل شبعاد وإنخيدوانا وسميراميس وغيرهن، وصولاً إلى عشرات المناضلات من أجل الحرية والمساواة. ودعت تكلان النساء إلى التمسك بالعزيمة والنضال من أجل تحقيق أحلامهن، مؤكدة أن النجاح سيكون حليفهن بفضل إصرارهن وواقعيتهن، خاصة وهنّ قادرات على تحقيق الإنجازات الكبيرة إذا ما توفرت لهن الفرص والدعم اللازم.
وتجد الشاعرة والكاتبة المصرية فاطمة ناعوت، المرأة في بيتها "قائدة بلا مثيل"، مشددة على أهمية إيمانها بذاتها وقدراتها، لتلعب أدوارًا متعددة كما لعبت كوزيرة للصحة والتعليم والثقافة والدفاع، ولتتحمل مسؤولية بناء أجيال صالحة للوطن.
وأشارت ناعوت إلى أن المرأة العربية حققت العديد من المكتسبات، إلا أن الطريق ما زال مليئًا بالتحديات للوصول إلى المكانة التي تستحقها، مذكّرة بالدور التاريخي للمرأة في بناء الحضارات، خصوصًا في مصر والعراق، حيث وقفت جنبًا إلى جنب مع الرجل منذ آلاف السنين لتشييد أعرق حضارات العالم.
وشددت ناعوت على أن المرأة يجب أن تبقى جميلة وفاعلة في مجتمعها، وأن يتم دعمها وتمكينها في جميع المجالات.