تتزايد المخاوف من تداعيات تطبيق قانون العفو العام المعدل، الذي سمح بإطلاق سراح كثير من المتهمين في قضايا الفساد المالي وسرقة المال العام مقابل تسوية. وفي الوقت الذي كان يتوقع فيه العراقيون أن تُتخذ إجراءات صارمة لمحاسبة الفاسدين، فإن إدخال فقرة التسوية مع المتهمين بالفساد، زاد من الشكوك حول فعالية القانون في ردع هذه الجرائم، مقابل اضعاف الثقة في عمل المؤسسات الرقابية.
ويحذر مراقبون من أن إدراج قضايا الفساد ضمن العفو العام قد ينسف جهود مكافحة الفساد في العراق، كذلك يعزز شعور الإفلات من العقاب لدى المسؤولين الفاسدين.
انتقادات وإدانات واسعة
وانتشرت عبر منصات التواصل الاجتماعي حملة ادانة واسعة لهذا التوجه بعد تسريب كتاب رسمي لشمول هيثم الجبوري (المستشار الحكومي السابق) الذي يعد واحداً من ابرز المتهمين في "سرقة القرن"، حيث رأى رواد وناشطي هذه المنصات، أن إدراج الجبوري ضمن العفو عنهم، يؤكد ان القانون تمت معاملته كصفقة سياسية تتيح للفاسدين الإفلات من العقاب، ما يضع مبدأ العدالة في العراق على المحك.
فيما ذهب اصحاب الاختصاص لانتقاد صيغة القانون، مؤكدين أن قانون العفو العام صيغ بطريقة تسهل على الفاسدين الخروج من السجن دون شروط صارمة مثل تنازل الدولة أو استرداد الأموال العامة. ووصفوا ذلك بـ"الاستهانة" بالمال العام. واكدوا أيضا، أن القانون كان يجب ألا يشمل المجرمين الذين تلطخت أيديهم بالدماء أو سرقوا المال العام، بدءًا من المحافظين والوزراء وصولاً إلى أصغر موظف فاسد.
تعزيز لثقافة الفساد؟
في هذا الشأن، انتقد الخبير القانوني أمير الدعمي الصيغة الحالية لقانون العفو العام، معتبرًا أنه لا يخدم الأبرياء الذين اعتقلوا ظلماً، بناءً على تقارير المخبر السري، بل يمنح فرصة للإفلات من العقاب للفاسدين وسراق المال العام.
وأكد في حديثه لـ "طريق الشعب"، أن القانون بصيغته الحالية يمثل "عفواً عن الفاسدين تحت عنوان العفو عن الأبرياء"، مشيرًا إلى أن "آلية التسوية المالية التي يتضمنها القانون تسمح لمن سرق الأموال العامة بالخروج بمبالغ رمزية مقارنة بحجم الفساد المرتكب".
واشار الى ان "هذه الصيغة فصلت على مقاسات الفاسدين امثال نور زهير، ناهيك عن ان كل قانون عفو عام يقر على اساس مراعاة الفاسدين"، منبها الى ان "القانون الحالي يعطي انطباعا بان الفساد محمي سياسياً، وهناك من يحمي الفاسدين وسراق المال العام ويطلق سراحهم، ما يعني مزيدا من الفساد ونهب المال العام".
وأضاف الدعمي، أن هذا العفو يجعل المسؤول الفاسد مطمئنا لإمكانية العفو عنه مقابل دفع جزء بسيط من المبلغ الذي يختلسه، ما يفقد العقوبات القانونية هيبتها ويشجع على مزيد من التجاوزات".
وتساءل الخبير القانوني عن "موقف الحكومة من هذا القانون، وما إذا كانت بالفعل تدعمه بهذه الصيغة رغم تناقضه مع دعوات المرجعية لمحاربة الفساد ووعود الحكومة بمحاربة الفساد؟ وعليه ارى ان الحكومة مسؤولة اليوم عن هذا القانون".
تسوية مع الفاسدين
فيما عدّ المحامي والمراقب للشأن السياسي جعفر حسن الكعبي، أن العفو عن الفاسدين والمختلسين للمال العام يعد بمثابة تشجيع للفساد، حيث يسمح القانون الجديد بإطلاق سراح المتهمين في قضايا الفساد المالي وسرقة المال العام بمجرد دفعهم مبالغ مالية تُعتبر تعويضًا، ما يثير القلق حول تداعيات هذا القانون على إضعاف الثقة بالمؤسسات القضائية والرقابية المختصة بمكافحة الفساد.
وقال الكعبي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن التعديل الجديد "أضاف فقرة (التسوية) مع الفاسدين، وهو ما يثير الشكوك حول طبيعة هذه الإضافة، إذ أن مصطلح “التسوية” غير واضح وغامض، ما يفتح المجال لتفسيره بطرق مختلفة".
ونوه الى انه في القانون السابق "كان المتهم بجرائم اختلاس أموال الدولة وتهديد المال العام وجرائم الفساد المالي والإداري غير مشمول إلا بعد سداد كامل المبلغ الذي سرقه. أما بموجب التعديل الحالي، فيمكن العفو عن الفاسدين من خلال تسوية مع الجهة التي تمت سرقتها، قبل تسديد الأموال المستحقة".
وكرر الكعبي كلامه بأن "النص الأصلي في قانون 2016 كان يشترط بقاء الفاسد في السجن حتى سداد كامل الأموال التي اختلسها، لكن التعديل الجديد يسمح بإطلاق سراح الفاسد ليقوم بتسوية مع الجهة المتضررة (مثل الوزارات أو المؤسسات)، ويتم دفع المبالغ المتفق عليها خارج السجن، ومثال ذلك لما يسمى “سرقة القرن”، حيث تم إطلاق سراح المتهمين، ولم يتم سداد الأموال التي كانوا قد اختلسوها".
وواصل القول: إن هذا التعديل "قد يساهم في تفشي الفساد بشكل أكبر، ويضعف أي محاولات حقيقية لمكافحة الفساد في البلاد"، مشددًا على أن مثل هذه القوانين قد تزيد من استسهال الفاسدين لارتكاب المزيد من الجرائم المالية دون خوف من المحاسبة الجادة".
وطبقا لمنظمة الشفافية العالم، يحتل العراق المرتبة الـ 140 عالميا في قائمة أكثر دول العالم شفافية، فيما احتل المرتبة الثامنة ضمن قائمة دول العربية الأكثر فسادا للعام 2024 من أصل 180 مدرجة بالجدول.
إنقاذ المتورطين من المتنفذين
المحلل السياسي رحيم الشمري يجد أن هناك "أسبابًا خفية وراء تشريع قانون العفو العام"، مشيرًا إلى أن "معظم الدوافع كانت تهدف إلى إنقاذ الفاسدين والمتورطين في قضايا خطيرة كالارهاب، لا انصاف الابرياء". ويقول الشمري في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "السلطة القضائية، ممثلة بالمحكمة الاتحادية ومحكمة التمييز الاتحادية، كان عليها أن تتخذ موقفًا صارمًا تجاه ما أقره مجلس النواب، وأن تعمل على تطبيق التشريعات بدقة".
ويحذر من أن هذا التشريع سيؤدي الى تفاقم الأزمات السياسية والاقتصادية، إلى جانب استمرار الفشل في إدارة الدولة، وربما يفرز موجة جديدة من الاحتجاجات على الفساد ونهب المال العام وسوء الإدارة وغياب الإصلاحات الحقيقية.