اخر الاخبار

حوّلت آفة المحاصصة والتوافقات السياسية مجلس النواب الى واجهة شكلية لا تمثل الا قوى السلطة المتنفذة ، من دون أن تقدم حلولاً لمشاكل البلاد المتعددة، فبدلاً من أن تكون سلطة عليا تمارس التشريع والرقابة، باتت مؤسسة عاجزة وغارقة في الصراعات، فاقدة للقدرة على اتخاذ القرار.

واذا ما اُريد تحديد السمة الأبرز للدورة النيابية الخامسة الحالية ، فلا يمكن تجاوز تعطيل الجلسات، وعرقلة التشريعات، وتفاقم الصراعات على المناصب، فيما غابت الرقابة تماماً، عدا تلك التي تحركها الصراعات وتصفية الحسابات.

انعكاس لأزمة اعمق

ما يجري اليوم ليس مجرد تعثر مؤقت، بل انهيار حقيقي لدور البرلمان، حيث لم تعد السلطة التشريعية قادرة على فرض حضورها أمام حكومة انبثقت عنها ، لكنها تفوقت عليها في فرض الإرادة وتعطيل أي مساءلة. وفي ظل هذا المشهد، لم يعد البرلمان سوى انعكاس لأزمة أعمق، عنوانها غياب الإرادة السياسية الحقيقية للتغيير ، واستمرار الهيمنة السياسية لقوى معينة، التي حولته إلى أداة بيد المتنفذين، لا ممثلاً حقيقياً للشعب.

أين الاجراءات الفعلية؟

وفي السياق، قال عضو اللجنة القانونية النيابية، النائب محمد عنوز، إن مجلس النواب يفقد مبرر وجوده عندما يعجز عن أداء دوره التشريعي والرقابي وفقا للدستور ولقانون البرلمان وللنظام الداخلي، مشيراً إلى أن ذلك يجعله عبئاً على العملية السياسية ويضعف ثقة المواطن بها إلى حد الفقدان، في ظل مؤشرات واضحة كالعزوف عن الانتخابات واستشراء الفساد.

وأضاف عنوز، أن "مجلس النواب يُعد السلطة العليا في البلاد، ومنه تنبثق السلطة التنفيذية، فضلاً عن دوره في الرقابة على العديد من المفاصل الأساسية في الدولة".

وشدد في حديثه لـ "طريق الشعب"، على أن "النظام النيابي يستند إلى مبدأ الأغلبية والأقلية في العملية التشريعية، ما يوجب احترام الأقلية لرأي الأغلبية، والعكس أيضاً، بحيث تضمن الأغلبية حقوق الأقلية وتحترمها".

وأكد عنوز أنه “لا يمكن تعطيل عمل المجلس بهذه الطريقة أو تلك، لأن ذلك يتعارض مع الإرادة الوطنية العامة التي أفرزت هذا المجلس عبر الانتخابات”.

وأشار إلى أن "الانتقادات الموجهة لأداء مجلس النواب يجب أن تتحول إلى إجراءات فعلية وفق النظام الداخلي والقانون"، معتبراً أن “المرض المزمن في العملية السياسية، والمتمثل بالتحاصص والتوافق، يعيق اتخاذ إجراءات تحترم المواطنة، ويؤدي إلى انكفاء المكونات على نفسها، ما يجعل التشريعات خاضعة للاتفاقات السياسية وبالصيغة التي نشهدها اليوم”.

برلمان عاجز ولجان مُعطلة

يقول الخبير القانوني، د. سيف السعدي، إن "البرلمان عملياً مصاب بالشلل منذ سنتين: اذا لم يتحقق توافق سياسي حول قانون معين، يبقى النصاب غير مكتمل".

ويضيف السعدي في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "المادة 59 من الدستور تشترط تحقق الأغلبية المطلقة في اقرار القوانين"، مشيرا الى أن جميع هذه الأزمات "أثرت سلباً على أداء الدورة النيابية الخامسة، حيث وصفها رئيس المجلس، محمود المشهداني، بأنها “أسوأ دورة برلمانية مرت على العراق”. كما أن الصراعات الداخلية انعكست على أداء اللجان النيابية، إذ لم تمارس لجنة التعليم مثلاً دورها الرقابي تجاه وزير التعليم، بينما لا تزال لجان أساسية مثل الأمن والدفاع، والقانونية، والمالية، معطلة".

وتابع السعدي قائلاً: “أؤكد بشكل قاطع أن هذه الدورة البرلمانية ستنتهي دون استجواب أو تعديل وزاري، رغم أن المنهاج الحكومي تضمن فقرات تتعلق بإجراء تعديلات وزارية وإعادة تقييم الوكلاء والمدراء العامين، إلا أن هذه المشاكل حالت دون تنفيذ ذلك”.

وحول مستقبل البرلمان، أشار السعدي إلى أن "الحل يكمن في حل البرلمان، لكن نظراً لاقتراب موعد الانتخابات البرلمانية المقررة في 24 تشرين الاول من العام الجاري، فالوضع ربما سيبقى على ما هو عليه حتى اجراء الانتخابات".

ويلاحظ السعدي أن البرلمان "لم يكن في وضع طبيعي، إذ حددت المادة 61 من الدستور مهامه بتشريع القوانين الاتحادية والرقابة على السلطة التنفيذية، بينما غابت الرقابة تماماً".

تعميق أزمة الثقة

يقول المراقب للشأن السياسي، هاشم الجبوري، أن "مبدأ المنفعة المتبادلة بين الأحزاب والكتل السياسية يشكل الأساس الحقيقي لعمل البرلمان في العراق"، لافتا الى انه منذ تأسيسه لم يشهد البرلمان أي نهج معارضة حقيقي، كما هو معمول به في الأنظمة الديمقراطية حول العالم.

ويضيف الجبوري في حديث لـ "طريق الشعب"، أن "البرلمان لم يمارس دوره الرقابي بشكل فعلي على الحكومة، نظراً لكون الأخيرة منبثقة عنه، ما يؤدي إلى حالة من الترهل السياسي تنتهي بالانهيار التدريجي".

وفي ما يتعلق بعمل الدورة البرلمانية الخامسة، أشار إلى أنها "شهدت أحداثاً غير مسبوقة، بدءاً بإدانة رئيس المجلس بتهم التزوير، ثم تسلّم نائبه المنصب وسط اتهامات بالاستيلاء على “حق مكون آخر”، فضلاً عن الضغوط الخارجية والداخلية التي أثرت بشكل واضح على المشهد السياسي".

ويشير في حديثه الى أن "مجمل هذه التطورات تعكس واقعاً خطراً، حيث يبدو البرلمان مسلوب الإرادة وبلا سلطة فعلية، ما يعمّق أزمة الثقة بالمؤسسة التشريعية ويؤثر في أدائها الدستوري".

عرض مقالات: