اخر الاخبار

تواجه حقوق الإنسان في العراق تحديات كبيرة، حيث توقفت مفوضيتها المستقلة عن العمل منذ العام 2021، بسبب عدم تعيين أعضاء جدد من قبل مجلس النواب، ما أدى إلى تحويلها إلى دائرة تتبع وزارة العدل، الأمر الذي قوّض كثيرا من دورها الرقابي على الانتهاكات التي تطال حقوق الإنسان.

وفي السابق كانت المفوضية تعمل على توثيق الانتهاكات، خاصة خلال تظاهرات تشرين 2019، ما رفع تصنيفها دوليًا إلى الفئة (A)، لكن بعد تعطيل عملها، تراجع التصنيف إلى (B)، وأصبحت دائرة تحاصرها قوى متنفذة، ما حدّ من استقلاليتها وفعاليتها.

واتخذ قرار حلّ مجلس المفوضين من قبل لجنة نيابية شكّلها مجلس النواب المنحل، وذلك في آب 2021 بعد انتهاء المدة القانونية للمجلس.

تقييد عمل المفوضية

يقول علي البياتي، عضو سابق في مفوضية حقوق الإنسان، لـ "طريق الشعب"، إن المفوضية تتميز عن باقي مؤسسات الدولة، كونها مؤسسة مستقلة تتعامل مع حقوق الإنسان بناءً على مبادئ دولية تلزم الدول بتأسيس كيانات مستقلة لمراقبة حقوق مواطنيها.

ويضيف البياتي، أنّ المفوضية تأسست في العام 2012، بصورة شكلية في البداية، بسبب نقص الموارد والمكاتب والموظفين. لكن بعد عام 2017، ومع تشكيل مجلس المفوضين الثاني، وتخصيص ميزانية مالية، استطاعت المفوضية أداء دورها بشكل أفضل، حيث توسعت المكاتب وفرق العمل، لتشمل كافة المحافظات العراقية، ما سمح لها بمراقبة الوضع الحقوقي في البلاد.

ويعتبر البياتي، أنّ الدور الأساسي لمؤسسات حقوق الإنسان الوطنية هو مراقبة الحكومة والمساهمة في مساءلتها عن انتهاكات حقوق الإنسان، مشيراً إلى أن المفوضية كانت على مدار سنوات حريصة على أداء هذا الدور في ظل الواقع العراقي المعقد، ونجحت في توثيق الانتهاكات وتقديم تقارير شفافة للمجتمع الدولي.

ويؤكد، أنّ المفوضية كانت في قلب الأحداث خلال فترة تظاهرات تشرين 2019، حيث يمثلُ حق التظاهر وحرية التعبير من الحقوق الأساسية التي يجب على الحكومة احترامها وحمايتها، مبينا أن المفوضية عملت بشكل مكثف على توثيق الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرون. كما تواصلت مع الجهات الدولية للضغط على الحكومة العراقية لحماية حقوق المواطنين في ممارسة حرياتهم.

ويشير إلى أن التظاهرات كان لها دور محوري في توجه العديد من القوى السياسية نحو تقييد عمل المفوضية: "بعد تلك الفترة، مرّت المفوضية بمرحلة تجميد سياسي في حزيران 2021، حيث تم تعليق عملها بشكل غير دستوري من خلال قرار رئاسة البرلمان، بدون تصويت برلماني أو أمر نيابي".

وينبه الى أن حكومة الكاظمي "شكلت لجنة داخلية لإدارة المفوضية، وهو إجراء غير قانوني، حيث تم تجاوز مجلس المفوضين، وجرى منح الصلاحيات لمديري أقسام من ذوي الرتب الدنيا"، مضيفا أن "حكومة السوداني حولت إدارة المفوضية إلى رئيس جهاز الرقابة المالية، ثم إلى وزير العدل، وهو ما يراه بمثابة خطوة لتقليص دور المفوضية، وتحويلها إلى جهاز حكومي تابع، بدلاً من أن تكون مستقلة بحسب الدستور".

ويعلل البياتي تراجع تصنيف المفوضية بـ"تعيين أشخاص غير معروفين في المجتمع المدني لمجالس المفوضين، حيث تمت السيطرة على اللجنة المعنية بتشكيل المجلس من قبل أحزاب سياسية متورطة في انتهاكات حقوق الإنسان، ما أثر بشكل سلبي على مصداقية المفوضية في الداخل والخارج".

لا استقلالية في العراق

المحلل السياسي محمد زنكنة، يؤكد أنه "لا توجد استقلالية حقيقية لأي مؤسسة عراقية تدعي الاستقلال. إذ عملت قوى السلطة على إخضاع جميع السلطات والهيئات لسيطرتها، تعزيزا لمصالحها السياسية والطائفية".

ويقول زنكنة في حديث لـ "طريق الشعب"، إن "العديد من المؤسسات في العراق خضعت للتوزيع الطائفي والمحاصصة السياسية، حيث يتم تخصيص المناصب للمقربين من القوى الحاكمة، بغض النظر عن كفاءتهم أو أهمية دورهم في تعزيز حقوق الإنسان وحرياته"، مشيرا إلى أن "هذا النظام يخلق واقعا سياسيا يتسم بالاعتقالات العشوائية، وانتشار الرشوة داخل السجون، فضلاً عن تهديدات القتل ضد من لا يتماشى مع مزاج بعض الميليشيات".

ويصف زنكنة الحكومة بالـ"ضعيفة"، مشيرا إلى أنها لم تستطع إيقاف الكثير من الانتهاكات التي طالت بعض المكونات.

ويضيف، أن بعض المواد القانونية كالمادة "4 إرهاب" يُستخدم في بعض الحالات ضد أشخاص بريئين، وهذا ما يعمق الأزمة الإنسانية والسياسية في البلاد، مشيرا إلى أن الوضع الاجتماعي يزداد تدهورًا، بخاصة في ظل قلة فرص العمل، والتوزيع غير العادل للثروات.

ويعتبر المتحدث، أن الوضع السياسي والإنساني في البلاد لا يزال في مرحلة حرجة، في ظل المشاكل القانونية والإدارية وغياب الإرادة والإجراءات الفاعلة من قبل الحكومة لمواجهة تلك التحديات.

إخضاعها للمحاصصة السياسية

الناشط السياسي علي القيسي يجد أن ملف حقوق المواطنين يتعرض للعديد من الانتهاكات.

ويقول القيسي في حديث لـ "طريق الشعب"، إنّ المفوضية العليا لحقوق الإنسان، في الفترة السابقة، كانت قد أظهرت أداءً متميزًا من خلال توثيق ورصد الانتهاكات التي تعرض لها المتظاهرون في تظاهرات تشرين 2019، ما أسهم في رفع تصنيفها دوليًا. هذا النجاح كان نتيجة لجهود أعضاء المفوضية في توثيق الحوادث ورفع التقارير المتعلقة بالانتهاكات.

ويردف القيسي، أن هذا الوضع تغيّر بشكل كبير بعد إنهاء فترة عمل المفوضية من قبل السلطات ومجلس النواب منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث لم يتم اختيار بديل لأعضاء المفوضية. وهذا الفراغ القانوني ترك المفوضية بلا قيادة فاعلة، ما ساهم في تراجع دورها بشكل ملحوظ.

ويرى، أنّ "هذا الفراغ ساعد في تأجيج بعض القوى التي تسعى لتقليص دور المفوضية، ومنعها من رفع تقاريرها السنوية إلى الهيئات الدولية، ما أثر سلبًا على التصنيف الدولي للعراق".

وعلى الرغم من وجود محاولات حكومية وبرلمانية لاختيار أعضاء جدد للمفوضية، إلا أن القيسي أكد أن هذه الجهود تهدف في النهاية إلى تقليص دور المفوضية، عبر إخضاعها للمحاصصة الحزبية.

ويعتقد أن هذا التوجه سيؤدي إلى إضعاف عمل المفوضية وجعلها أداة تابعة للتوازنات السياسية، بدلًا من أن تكون مؤسسة مستقلة تعنى بمراقبة حقوق الإنسان، بعيدًا عن التدخلات السياسية.

وفيما يتعلق بإمكانية إعادة تفعيل المفوضية، يعتقد القيسي ان هذا أمر صعب في ظل الإرادة السياسية التي تعرقل ذلك، معربا عن أسفه لأن حالة حقوق الإنسان شهدت تراجعًا مستمرًا دون أي تحسن يذكر، ما يعكس حالة من الجمود في معالجة قضايا حقوق الإنسان، خاصة في ظل غياب مؤسسة رقابية حقيقية قادرة على تنفيذ مهامها بشكل مستقل وفاعل.

عرض مقالات: