اعلنت المنسقية العامة لشؤون المحافظات عن قرب عرض قانون مجالس المحافظات على مجلس الوزراء، واكدت ان القانون قد وصل لمراحل متقدمة في اطار الاعداد والصياغات، حيث حدد آليات مناسبة لتخويل الصلاحيات وتوزيعها ومعالجة الإشكاليات بين المحافظات والحكومة الاتحادية.
الا ان اصحاب الاختصاص اكدوا ضرورة اخضاع القانون لدراسة معمقة واعداد بنود محكمة وواضحة لا تحتمل اكثر من تفسير، تجنباً لتعميق الازمة اكثر.
وتساءلوا عن امكانية أن يحقق هذا القانون اهدافه وسط تغلغل نهج المحاصصة في كل مفاصل الدولة وتضارب مصالح القوى المتنفذة وتداخلها مع بعضها؟
وصل الى مراحل متقدمة
وقال المنسق العام لشؤون المحافظات، أحمد الفتلاوي، في تصريح تابعته "طريق الشعب"، إن "تجربة نقل الصلاحيات بين الوزارات والمحافظات التي بدأت في عام 2015 ما زالت تواجه تحديات في التطبيق"، مشيرًا إلى أن "العملية شهدت مراحل من الشد والجذب، حيث تم نقل بعض الصلاحيات وإعادة بعضها الآخر، مما يستدعي مزيدًا من التطوير لضمان نجاحها".
وأضاف، أن "وزارة الإعمار والإسكان والبلديات العامة نقلت معظم صلاحياتها بشكل فعلي وعملي، كما نقلت وزارة العمل والشؤون الاجتماعية صلاحياتها باستثناء هيئتي الرعاية والحماية الاجتماعية، في حين صدر مؤخرًا قرار من المحكمة الاتحادية بشأن نقل صلاحيات وزارة الزراعة، وتم تطبيقه وفقًا لقرار الهيئة العليا، إضافة إلى نقل صلاحيات وزارة الشباب والرياضة وبعض صلاحيات وزارة المالية".
ولفت إلى أن "عملية نقل الصلاحيات لم تكتمل بالكامل بعد"، مبينًا أن "الهيئة العليا للتنسيق بين المحافظات تتابع تنفيذ القرارات وتحاول إيجاد الحلول للمشكلات التي تعترض التطبيق، سواء كانت فنية أو تتعلق بتعاون الجهات المعنية أو بمدى استعداد المحافظات والوزارات لنقل الصلاحيات".
وأكد أن "نقل الصلاحيات التنفيذية والإدارية والمالية والفنية إلى المحافظات أمر صحيح، لكن يجب أن تبقى بعض الأدوار للوزارات"، مبينًا أن "المشكلة الأساسية تكمن في تحديد سقف ما يبقى للوزارة وما يتم نقله للمحافظات، ومدى التزام الأطراف بهذا التوزيع".
وفي ما يخص قانون مجالس المحافظات الجديد، أشار الفتلاوي إلى أن "القانون بصدد عرضه على مجلس الوزراء قبل إحالته إلى مجلس النواب"، مؤكدًا أن "القانون وصل إلى مراحل متقدمة".
وأكمل، أن "القانون الجديد يضع قواعد تفصيلية أكثر وضوحًا لتنظيم العلاقة بين الجوانب التنفيذية والتشريعية والرقابية في المحافظات، ويهدف إلى تحقيق استقرار إداري أفضل من خلال وضع ضوابط لآليات الرقابة وعلاقة السلطة التنفيذية بالسلطة التشريعية".
وأشار إلى أن "قانون مجالس المحافظات الجديد سيعالج الإشكاليات بين المحافظات والحكومة الاتحادية، سواء فيما يتعلق بمجلس النواب أو رئاسة الوزراء"، منوهًا الى أن "النص القانوني عند التطبيق قد يخضع لاجتهادات مختلفة، ويتطلب ذلك دورًا لمجلس الدولة في تفسير بعض النصوص، بالإضافة إلى دور المحكمة الاتحادية والإدارية في الفصل في النزاعات، ما يساهم تدريجيًا في نضوج التجربة واستقرار القواعد".
ما المطلوب؟
من جهته، أكد الخبير القانوني وائل منذر أن الدستور العراقي ساوى بين المحافظات غير المنتظمة في إقليم وبين الأقاليم من حيث الصلاحيات والاختصاصات، لكنه في الوقت ذاته أخضع المحافظات لنظام يستند إلى اللامركزية الإدارية، ما أدى إلى إشكالية قانونية كبيرة.
وأوضح أن اللامركزية الإدارية تعني أن "المحافظات جزء من السلطة التنفيذية وتخضع لتوجيهاتها، بينما منحها الدستور صلاحيات تماثل تلك التي تتمتع بها الأقاليم، خصوصًا فيما يتعلق بتوزيع الاختصاصات.
ونتيجة لهذا التناقض، أصبحت العديد من الصلاحيات محل نزاع، حيث تُفسَّر أحيانًا وفقًا لنصوص الدستور على أنها من اختصاص المحافظات، بينما تُفسَّر أحيانًا أخرى وفقًا لمبدأ اللامركزية الإدارية، ما يؤدي إلى خلافات مستمرة بين المحافظات والوزارات الاتحادية".
وأشار منذر في حديثه لـ "طريق الشعب"، إلى أن حل هذه الإشكالية "يتطلب وضع نظام قانوني متكامل لتقاسم الصلاحيات وتحديدها بوضوح، بحيث تُمنح المحافظات اختصاصات واضحة تتعلق ببعض وظائف الوزارات الاتحادية، في حين تبقى المسائل ذات الطابع الفني والإشرافي وصياغة السياسات من اختصاص الحكومة الاتحادية".
وشدد على أن "أي مشروع قانون ينظم هذا الملف يجب أن يكون واضحًا في تحديد الصلاحيات، لأن الصياغات غير المُحكمة التي تحتمل أكثر من تفسير ستعيد إنتاج المشكلات ذاتها عند التطبيق".
واكد ضرورة "إخضاع أي مشروع قانون لدراسة معمقة ونقاشات موسعة مع المختصين لضمان معالجة جميع الإشكالات المحتملة التي قد تظهر بهدف معالجتها قبل تشريعه رسميًا".
تتعارض مع المحاصصة
بدوره، اكد المحلل السياسي، د. علي السلطاني، أن هناك أسلوبين رئيسيين في إدارة مؤسسات ومنظمات الدولة، هما المركزي واللامركزي. ففي الأسلوب المركزي، يتم حصر جميع الصلاحيات، سواء الاستراتيجية أو البسيطة، في يد السلطة المركزية في بغداد.
أما في الأسلوب اللامركزي، فيتم تفويض الصلاحيات للمستويات الإدارية الأدنى، وهو ما بدأت الدولة تطبيقه مؤخرًا، لكن للأسف، تم فك الارتباط والصلاحيات في السنوات الأخيرة، خصوصًا في وزارتي التربية والصحة، حيث تم تخويل المحافظين اتخاذ القرارات، لكن هذا التخويل كان محدودًا، مقتصرًا على استحصال التمويل والأمور البسيطة المتعلقة بالموظفين، بينما تبقى قرارات الترفيع والعلاوات وغيرها مرتبطة بالوزارات.
وأكد السلطاني، أن لكل من الأسلوبين إيجابياته وسلبياته. وأضاف أن السبب في تأخر الدولة في تبني الأسلوب اللامركزي يعود إلى عدم الثقة في المديريات التابعة للوزارات، إذ يُعتقد أنها غير قادرة على إدارة شؤون الموظفين أو اتخاذ القرارات، ناهيك عن شعور المركز أن تفويض الصلاحيات سيجعله مجرد سلطة إشرافية، ما ينعكس سلبًا على قوته الفعلية. وتطرق السلطاني إلى مسألة المحاصصة السياسية التي تعد العائق الأكبر أمام تطبيق الأسلوب اللامركزي بشكل فعال. فالمحاصصة الحزبية في تقسيم المناصب سواء في الوزارات أو في المحافظات، تتعارض مع فكرة تفويض الصلاحيات. وأشار إلى أن القانون، رغم وضعه لتوضيح العلاقة وتحديد صلاحيات المحافظات، لن يساهم في تجاوز هذه المشاكل في ظل تغول المحاصصة. وأوضح أنه حتى إذا تم سن قانون ينظم هذه الصلاحيات، فإن العرف السياسي سيظل هو العامل المؤثر بشكل سلبي، ومن جهة اخرى فان تضارب المصالح بين الاحزاب المتنفذة المهيمنة على مواقع مختلفة سيصعد من حالة الصراع في ما بينها ما ينعكس على الخدمات بشكل اكبر".
في الختام، شدد السلطاني على أن العراق يحتاج إلى توجه حقيقي من قبل السلطات التنفيذية لتخويل الصلاحيات بطرق فعالة، مشيرا الى أن العراق ليس دولة مؤسسات، بل كل حكومة جديدة تأتي لتنسف ما أنجزته الحكومة السابقة، حتى لو كان صوابًا، ما يعيق التقدم ويعزز الصراع بين مختلف الأطراف السياسية.