ضيّفت محلية الناصرية للحزب الشيوعي العراقي، الرفيق رائد فهمي سكرتير اللجنة المركزية للحزب، في ندوة حوارية عُقدت في القصر الثقافي بمدينة الناصرية، لمناقشة آخر التطورات السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وقدم الرفيق رائد فهمي، خلال الندوة التي أدارها الأكاديمي نجم عبد طارش، رؤيته حول مستقبل العراق في ظل التحولات الإقليمية والعالمية والتحديات الداخلية.
العراق في قلب المتغيرات الإقليمية
وأكد الرفيق أن ما حدث في سوريا ولبنان يمثل تحولات كبرى، مشيرًا إلى أن العراق لن يكون بعيدًا عن هذه التغيرات. لكنه شدد على أن التوقيت وشكل التغيير لا يزالان غير واضحين، برغم شعور الجميع، بما في ذلك السلطة ورجال الدولة، بأن هناك شيئًا قادمًا.
وقال إن التغيير في موازين القوى على المستوى الإقليمي لا بد أن ينعكس على العراق، خاصة في ظل الصراع الأمريكي – الإيراني، مشيرا إلى أن هناك رغبة في إعادة إيران إلى حدودها الجغرافية وتقليص دورها الإقليمي، مستدلًا على ذلك بالأحداث الجارية في غزة ولبنان واليمن.
وأضاف، أن العراق سيكون مشمولًا بهذه التغييرات، وإن كان شكل التعامل معه لا يزال غير محسوم، منبهاً الى أن هناك أطرافًا سياسية داخل العراق وخارجه تروج فكرة التغيير الخارجي. ويتحدث البعض عن استهداف الاقتصاد، وبعض القوى المسلحة، إضافة إلى إعادة صياغة العلاقة مع إيران.
ضعف بنيوي يعيق الإصلاح
واعتبر فهمي، أن التحديات الداخلية للعراق تفاقمت بسبب بنية المنظومة السياسية القائمة على المحاصصة والتخادم، مؤكدًا أن هذه القاعدة لا تسمح لأي حكومة بمكافحة الفساد أو إجراء إصلاحات حقيقية.
وأوضح، أن الفساد أصبح جزءًا من بنية الدولة، حيث تعتبر القوى السياسية المتنفذة، المؤسسات الحكومية حصصًا لها، ما أدى إلى غياب رؤية وطنية موحدة.
وأضاف أن الدولة العراقية اليوم متشظية بنيويًا، حيث لم يعد رئيس الوزراء هو الفاعل الوحيد في صناعة القرار، إذ توجد قوى أخرى تمتلك نفوذًا كبيرًا، ما أدى إلى غياب سياسة خارجية موحدة، وخلق تناقضات داخل السلطة حول القضايا الإقليمية والدولية.
مشكلة السلاح والفصائل المسلحة
وتطرق فهمي إلى ملف السلاح خارج إطار الدولة، مشيرًا إلى أن قضية إعادة هيكلة الحشد الشعبي ودمج الفصائل المسلحة داخل المؤسسة العسكرية، لا تزال محل جدل داخلي وخارجي.
وأكد أن هناك مخاوف دولية من فكرة الدمج، إذ أن بعض الأطراف الإقليمية والدولية لا ترغب في أن يكون هناك أي دور للفصائل المسلحة داخل الدولة، مؤكدا أن احتكار الدولة للسلاح يمثل أحد مقومات السيادة.
وحذر فهمي من أن استمرار وجود قوى مسلحة خارج سلطة الدولة، يعني أن العراق لا يملك قراره السيادي بشكل كامل، وهو ما يضعف الدولة أمام التحديات الداخلية والخارجية.
وطرح فهمي تساؤلا جوهريا حول دور الفصائل المسلحة، قائلاً: "إذا كانت هذه الفصائل تحمي النظام السياسي، فما دور الجيش؟"، مشيرا إلى أن هناك إشكالية في تعريف النظام السياسي الذي تدافع عنه تلك الفصائل، حيث يبدو أن الأمر مرتبط بطبيعة القوى الحاكمة حاليًا وليس بالمفهوم العام للدولة.
التغيير مطلب شعبي
وأكد فهمي أن التغيير في العراق ليس مجرد طرح سياسي أو خارجي، بل هو مطلب وطني ملح وشعبي عراقي بالدرجة الأولى، مشيرًا إلى أن الحركات الاحتجاجية، مثل انتفاضة تشرين، كانت تدعو إلى تغيير جذري وليس مجرد إصلاحات شكلية.
وأضاف، أن العراق بحاجة إلى معالجة جذرية لمشاكله البنيوية، وإلا فإنه سيبقى رهينة التوازنات الخارجية والصراعات السياسية الداخلية، مشدداً على أن غياب الإرادة السياسية، واستمرار المحاصصة، سيجعل أي محاولة للإصلاح غير مجدية.
وفي ختام حديثه، أشار إلى أن العراق بحاجة إلى دولة مدنية حقيقية، تقوم على أسس المواطنة والعدالة، بعيدًا عن منطق المحاصصة الطائفية والتدخلات الخارجية، مشددًا على أن التغيير يجب أن يكون نتاجا للإرادة العراقية، وليس مجرد انعكاس لصراعات القوى الإقليمية والدولية.