فرضت إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مؤخرًا مجموعة من الرسوم الجمركية الجديدة على السلع الموردة إلى الولايات المتحدة، والتي تشمل رسومًا تبدأ من 10 في المائة وتصل إلى 39 في المائة على بعض السلع.
وبرغم أن صادرات العراق إلى الولايات المتحدة تمثل نسبة ضئيلة من حجم التجارة بين البلدين، فإن هذه الرسوم سيكون لها تداعيات واسعة على الاقتصاد العراقي بحسب مختصين. فالتأثير لا يقتصر فقط على التجارة الثنائية، بل يمتد إلى أسعار النفط، والقدرة على تحويل الأموال، وكذلك تزايد التوترات الاقتصادية العالمية.
ومع التوقعات بتراجع أسعار النفط بشكل اكبر نتيجة لهذه السياسات، يشهد العراق وغيره من الدول المنتجة للنفط تحديات جديدة قد تؤثر بشكل مباشر على الإيرادات النفطية. كما أن هناك خشية من تأثير الرسوم الجمركية على تحويلات العراق المالية إلى بلدان أخرى، وهو ما قد يؤدي إلى تبعات اقتصادية إضافية.
كيف سيتأثر العراق؟
في هذا الشأن، قال الخبير الاقتصادي صالح الهماشي ان العراق سيتأثر بشكل غير مباشر من القرار الأميركي بزيادة التعرفة الجمركية، لكن التأثير الأكبر سيأتي من ارتدادات الأزمة على الدول الأخرى.
واوضح بالقول إن “العراق يصدّر إلى الولايات المتحدة النفط وبعض المواد الأولية مثل الكبريت، وهناك تبادل تجاري بين البلدين، وعلى قلّته، إلا أن هذه المبادلات تُسهم في تقليل كلفة بعض الواردات”.
وأضاف، انه “عندما يُباع النفط، فإن تكلفة النقل تقع على عاتق المنتج، أي أن العراق يتحمل الرسوم والتعريفات الجمركية المفروضة أثناء عبور الشحنات، بحسب الاتفاقات والتشريعات الجمركية لتلك الدول”.
وبيّن الهماشي، أن “الولايات المتحدة تفرض دائمًا رسوما جمركية على الجهة المُصدّرة، ما يعني أن العراق لن يتأثر بشكل مباشر وكبير، لا سيما وأن صادراته إلى أميركا ليست كبيرة، وهناك إمكانية لتعويض ذلك بخفض كميات التصدير أو توجيهها لأسواق بديلة”.
في المقابل، أشار إلى أن “العراق يستورد من الولايات المتحدة معدات ثقيلة وسيارات ومكائن وأجهزة كهربائية وملابس ومواد غذائية وغيرها، وزيادة الرسوم الجمركية الأميركية ستؤدي إلى رفع أسعار هذه المنتجات بشكل واضح، خاصة أن العراق يفرض حالياً رسوماً جمركية تصل إلى 100 في المائة على البضائع الأميركية والأوروبية، ما يعني أن أية زيادة إضافية من الجانب الأميركي ستُضاعف من الكلفة النهائية”.
وأوضح الهماشي أن “العراق بلد مستهلك وليس منتجًا، لذا فإن أي تغيير في الأسعار على المستوى العالمي سينعكس عليه مباشرة. كما أن الشركات الأميركية، لا سيما المصرفية منها سترفض تحمّل أي رسوم أو أعباء إضافية على تعاملاتها المالية مع العراق، بحكم أن الولايات المتحدة تمثل المركز المالي العالمي، وبالتالي ستُفرض فوائد ورسوم إضافية على الأموال والمصارف العراقية المرتبطة بمصارف مراسلة أميركية”.
واختتم الهماشي تصريحه بالقول: ان “التأثير الأكبر لن يأتي من القرار الجمركي الأميركي بحد ذاته، بل من تداعياته على الدول الأخرى المنتجة التي يتعامل معها العراق، والتي سترتفع أسعار سلعها هي الأخرى، وبالتالي سيتضرر العراق بشكل غير مباشر. كما أن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب يتعامل مع السياسة من منظور اقتصادي، وقد استخدم هذا الأسلوب في جميع الملفات، السياسية والأمنية والدبلوماسية، ما سيؤدي إلى خلق أزمات أعمق تؤثر على النظام الاقتصادي العالمي، الذي سينعكس تدهوره حتمًا على العراق”.
منعطف خطير
من جانبه، اكد الخبير المالي العراقي، رشيد صالح أن هذه الإجراءات ستنعكس سلباً على الاقتصاد العراقي الذي يعتمد بشكل كبير على الأسواق الخارجية والسلع المستوردة.
وقال رشيد في حديث صحافي تابعته "طريق الشعب"، إن "ما صدر عن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من قرارات تتعلق بالرسوم الجمركية يعد بمثابة عاصفة غير مسبوقة، وهي الأولى من نوعها على الأقل خلال المئة عام الماضية".
ولفت الى ان "فرض رسوم مرتفعة للغاية على بضائع قادمة من عدة دول، خاصة من الصين ودول شرق آسيا، يعكس نزعة أحادية في إدارة الاقتصاد الدولي، ويسعى من خلالها ترامب إلى تكريس مبدأ الاستفراد الأمريكي على حساب الشراكة العالمية".
وأشار الخبير المالي إلى أن العراق سيكون من بين الدول المتضررة بشكل مباشر، موضحاً أن "الاقتصاد العراقي مرتبط بشكل وثيق بالاقتصاد العالمي، وتحديداً الأمريكي، من حيث تدفق السلع والأسعار والتكنولوجيا".
وأضاف ان "ارتفاع الرسوم الجمركية على المواد الأولية سيؤدي إلى ارتفاع أسعار الكثير من المنتجات في السوق العراقية، وهو ما سيخلق أعباء معيشية إضافية على المواطنين، ويهدد استقرار الأسواق".
وفي تعليقه على طبيعة الصراع، أوضح رشيد أن "ما تقوم به واشنطن هو حرب تجارية معلنة ضد الصين، لكنها ليست حرباً ثنائية صرفة، بل مرشحة لأن تتوسع إلى ملفات اقتصادية وجيوسياسية أخرى تمس دولاً غير معنية مباشرة بالنزاع، ومنها العراق"، منبها إلى أن "الاقتصاد العراقي هش ولا يحتمل أية اضطرابات جديدة، خاصة في ظل اعتماده شبه الكامل على عائدات النفط التي تشكل أكثر من 90% من صادرات البلاد".
وتطرّق رشيد إلى نقطة بالغة الحساسية تتعلق بفرض رسوم جمركية تصل إلى 39 في المائة على صادرات عراقية لا تشمل ملف الطاقة، قائلاً إن "هذه الإجراءات مثيرة للقلق، حتى وإن كانت قيمة الصادرات غير النفطية متواضعة، لكنها تنذر بمنعطف خطر في التعامل الأمريكي مع شركائه الاقتصاديين".
واختتم الخبير حديثه بالتأكيد على أن "الولايات المتحدة تسعى من خلال هذه الحرب التجارية إلى سحب الاستثمارات نحو السوق الأمريكية، عبر خلق بيئة عالمية غير مستقرة تدفع رؤوس الأموال للبحث عن الملاذ الآمن داخل الولايات المتحدة نفسها"، مضيفاً ان "الهدف الأبعد يبقى كبح جماح الصين التي باتت تتصدر المشهد الاقتصادي العالمي خلال العقد الأخير، وهي محاولة يائسة لمنع واشنطن من فقدان مركزها المتقدم".
ما حجم تأثيرها على الاقتصاد العالمي؟
الى ذلك، قال الخبير الاقتصادي نبيل المرسومي انه "من المتوقع أن يكون لهذه الرسوم الجديدة تأثير سلبي على التجارة والنمو الاقتصادي العالمي، ما سيؤثر بدوره على الطلب العالمي على النفط. وعليه، شهدت بالفعل أسعار النفط تراجعًا سريعًا بمقدار دولارين كرد فعل أولي على تلك الرسوم، ويُتوقع أن تزداد التأثيرات السلبية في الأيام المقبلة، حيث ستتضرر جميع الدول المصدرة للنفط، بما في ذلك العراق".
واضاف قائلا في حديث لـ "طريق الشعب"، ان هناك مخاوف من أن "المصارف الأمريكية قد تفرض رسومًا إضافية، على تحويلات العراق إلى البلدان الأخرى عند تسديد قيمة الاستيرادات عبر تحويل الدولار إلى عملات تلك الدول"، مشيراً الى انه من الممكن ان "تُفرض رسوم على عوائد استثمار الاحتياطيات الدولارية العراقية في الولايات المتحدة عند تحويلها إلى عملات أخرى، نظرًا لأن عوائد النفط العراقية مودعة في أميركا بموجب قرارات دولية وأميركية".
وحذر الخبير الاقتصادي من أن الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب "ستؤثر سلبًا على الاقتصاد العالمي، حيث ستؤدي إلى تقليل الكفاءة الإنتاجية على مستوى العالم، ما سيؤثر سلبًا على سلاسل التوريد العالمية".
وأشار المرسومي في سياق حديثه إلى أن هذه الرسوم "قد تساهم في تفاقم الركود التضخمي، حيث ستعمل على زيادة الانكماش في الدول المصدرة المتأثرة، بينما ستؤدي إلى زيادة التضخم في الدول المستوردة التي تفرض هذه الرسوم".
وزاد بالقول ان هذه الرسوم قد "تساهم أيضًا في تأجيج الصراعات التجارية بين الدول، خاصة في أوقات النزاعات الدولية الكبرى. وهذا من شأنه أن يزيد من التوترات التجارية ويضر بالتجارة العالمية التي يقدر حجمها بـ 33 تريليون دولار، ما سيؤدي إلى تفاقم البطالة وفقدان الملايين من الوظائف في مختلف أنحاء العالم".